الحضارة
سبق وريادة وتجديد
اهتمت الدولة الإسلامية في عهد الخلافة الراشدة والأموية والعباسية بالعلوم والمدنية كما اهتمت بالنواحي الدينية فكانت الحضارة الإسلامية حضارة تمزج بين العقل والروح، فامتازت عن كثير من الحضارات السابقة. فالإسلام دينٌ عالمي يحض على طلب العلم وعمارة الأرض لتنهض أممه وشعوبه، وتنوعت مجالات الفنون والعلوم والعمارة طالما لا تخرج عن نطاق القواعد الإسلامية؛ لأن الحرية الفكرية كانت مقبولة تحت ظلال الإسلام، وامتدت هذه الحضارة القائمة بعدما أصبح لها مصارفها وروافدها لتشع على بلاد الغرب وطرقت أبوابه، وهذه البوابة تبرز إسهامات المسلمين في مجالات الحياة الإنسانية والاجتماعية والبيئية، خلال تاريخهم الطويل، وعصورهم المتلاحقة.
ملخص المقال
إن لاستعمار مفهوم محدد قد يغفله بعض الناس ويقتصر تعريفه عد الكثيرين على مجرد هيمنة القوي على الضعيف وبالشكل العسكري فقط، لكنَّ الاحتلال أو الاستعمار لا
مفهوم الاستعمار
الاستعمار هو ظاهرة تهدف إلى سيطرة دولة قوية على دولة ضعيفة وبسط نفوذها من أجل استغلال خيراتها في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وهي بالتالي نهب وسلب معظم لثروات البلاد المستعمرة، فضلًا عن تحطيم كرامة شعوب تلك البلاد وتدمير تراثها الحضاري والثقافي، وفرض ثقافة الاستعمار على أنَّها الثقافة الوحيدة القادرة على نقل البلاد المستعمرة إلى مرحلة الحضارة.
وعلينا أن ننتبه إلى أنَّ الاحتلال أو الاستعمار لا يقتصر على شكله العسكري فقط، بل يتعدَّاه إلى أشكالٍ وأنواعٍ أخرى؛ منها: الاستعمار السياسي، والاقتصادي، والثقافي، وهذا يُؤدي إلى إحساس متراكم بالقهر والظلم وانعدام الحرية.
الاستعمار السياسي
لا يتطلَّب الاستعمار السياسي قيام دولة ببسط سلطانها ونفوذها على مناطق أخرى من العالم؛ بهدف إخضاعها بصورةٍ مباشرة، بل تكون العلاقة في هذا النوع من الاستعمار مجرَّد علاقة غير متكافئة بين دولتين؛ تكون إحداهما دولة قويَّة قادرة على التأثير على سياسات وقرارات الدولة الأخرى، بحسب ما تقتضيه مصالح الدولة القويَّة، والأمثلة على هذا النوع من الاستعمار كثيرة في عالمنا المعاصر، ولعلَّ أبرزها ما نُشاهده من هيمنة وسيطرة أميركيَّة على تَوَجُّهَات القرارات السياسيَّة والاقتصاديَّة المهمَّة في العديد من الدول.
ولقد حدث الغزو الأميركي للعراق ولم يستطع أحد من حكَّام الدول "الصديقة" أن يعترض، على الرغم من الإجماع الشعبي منقطع النظير في هذه الدول على رفض هذا الاحتلال.
الأمر نفسه تكرَّر في الحرب الصهيونيَّة على جنوب لبنان في يوليو 2006م، ثُمَّ على قطاع غزة في ديسمبر 2008م- يناير 2009م، ولم يستطع أحد حكَّام الدول "الصديقة" أن يعترض، ونقصد بالاعتراض اتِّخاذ مواقف وقرارات قويَّة، توازي الصلاحيَّات التي يملكها الحكَّام، لا مجرَّد الاكتفاء بالشجب والإدانة[1].
ولا يخفى علينا حالة الحنق والسخط والاحتقان التي تنتاب الشعوب في البلاد الواقعة تحت "الاحتلال" السياسي، بما يُرَشِّح هذه الدول "التابعة" لأن تكون مسرحًا لأعمال عنفٍ واضطراباتٍ داخليَّةٍ ضدَّ هذه الحكومات، التي لا تُلَبِّي طموحات شعوبها.
الاستعمار الاقتصادي
كذلك يُعَدُّ الاستعمار الاقتصادي شكلًا آخر من أشكال الاستعمار الحديث؛ ويكون بإبرام اتفاقيَّات غير متكافئة بين دولتين، يحتكر بموجبها الطرفُ القوي لامتيازات استغلال الثروات الطبيعيَّة للطرف الآخر الضعيف؛ ونجد هذا النوع من الاستعمار في العديد من مناطق العالم الثالث، التي حصلت على استقلالها في خمسينيَّات القرن الماضي؛ حيث زادت حدَّة التنافس بين الدول الكبرى الجديدة، الولايات المتحدة الأميركيَّة والدول الأوربيَّة والصين وروسيا، والقوى الاقتصاديَّة الحديثة مثل اليابان؛ لربط اقتصادها باقتصاديَّات الدول النامية المستقلَّة حديثًا، وتقييدها بالديون الخارجيَّة والاستثمارات وغير ذلك، وتسعى هذه القوى، وخاصة الولايات المتحدة الأميركيَّة إلى الحصول على أكبر عددٍ ممكنٍ من مناطق النفوذ في العالم؛ بهدف تأمين المصادر الأوليَّة التي يمتلكها العالم الثالث، وتأمين الأسواق لمنتجاتها الصناعيَّة[2].
وبالطبع يُقابَل "الاحتلال" الاقتصادي بموجةٍ عارمةٍ من الغضب الشعبي الرافض للتبعيَّة، والمنادي بحقِّه في الانتفاع الكامل بموارده؛ بما يُوَلِّد حالةً من الاحتقان الدائم، ولعلَّ أحدثَ الأدلَّة على استمرار هذا النوع من الاحتلال في واقعنا المعاصر وما يستتبعه من اضطرابات- قيامُ مئات الأشخاص بالتظاهر في العاصمة الفرنسيَّة باريس في 13 يوليو 2010م رافعين لافتات تُطَالب فرنسا بإنهاء علاقات التبعيَّة التي تربطها بمستعمراتها السابقة في إفريقيا، على إثر دعوة الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي لقادة 13 بلدًا إفريقيًّا للمشاركة في احتفال فرنسا بعيدها الوطني، وهذا ما عدَّه المتظاهرون "تأكيد ولاء" تلك البلدان لباريس.
وقد دعت للمسيرة 80 منظمة مدنيَّة فرنسيَّة وإفريقيَّة، وردَّد المحتجُّون عبر مكبِّرات الصوت هتافات تُنَدِّد بـ"الاستعمار الجديد" الذي تُمارسه فرنسا في البلدان الإفريقيَّة التي كانت تخضع لحكمها المباشر، وبتواطُؤ الحكومات الفرنسيَّة المتعاقبة منذ 1958م -أي ما يزيد على خمسين عامًا- مع الأنظمة الاستبداديَّة والانقلابيَّة في القارَّة الإفريقيَّة، واعتبروا أنَّ ذلك النهج السياسي أدَّى إلى "نهب موارد البلدان الإفريقيَّة من كبريات الشركات الفرنسيَّة والحكام المحليِّين الفاسدين، وإبقاء الأغلبيَّة الكاسحة من سكَّان تلك البلدان في حالةٍ من الفقر المدقع والجهل المطبق"[3].
الاستعمار الثقافي
وإلى جانب الاحتلال السياسي والاقتصادي يأتي "الاحتلال الثقافي"، وفي هذا النمط الاستعماري تُحاول الدولة القويَّة احتلال عقول أبناء الدولة الضعيفة؛ فالاستعمار العسكري يستمدُّ قوَّته من آليَّات الإخضاع الخارجي، بينما يُيَسِّر الاستعمار الثقافي آليَّات الإخضاع الداخلي، ممَّا يبدو وكأنَّه تعميةٌ للحال، أو تجميلٌ له، فيُقْبَل الإخضاع على أنَّه شيءٌ آخر غير الإخضاع[4]؛ لكنَّ هذا الأمر لا يستمرُّ طويلًا؛ فالصغير لا يظلُّ طوال عمره صغيرًا، ويأتي اليوم الذي يشبُّ فيه أبناء الدولة الضعيفة عن الطوق؛ ليُؤَكِّدُوا تمسُّكَهم بهويَّتهم، ورفضهم لأساليب الاستعمار الثقافي المتنوِّعَة، مثل الغزو الفكري عن طريق الترويج بالقوَّة للأفكار العلمانيَّة الغربيَّة، أو الفكر الماركسي[5]، وهنا تتحوَّل هذه المناطق المحتلَّة ثقافيًّا إلى قنابل موقوتة قد تنفجر في أيَّة لحظة.
[1] محمَّد جمال عرفة: مقال بعنوان "عام على حرب غزة.. موات عربي وتواطؤ غربي"، شبكة إسلام أون لاين، 2 يناير 2010م، www.islamonline.net.
[2] حسن حمدان العلكيم: قضايا إسلاميَّة معاصرة، ص12.
[3] الجزيرة نت، 14 يوليو 2010م، على الرابط: www.aljazeera.net.
[4] عبد الله أبو هيف: الغزو الثقافي والمفاهيم المتصلة به، مجلة النبأ، العدد (63)، نوفمبر 2001م.
[5] حسن حمدان العلكيم: قضايا إسلامية معاصرة، ص13.
التعليقات
إرسال تعليقك