الحضارة
سبق وريادة وتجديد
اهتمت الدولة الإسلامية في عهد الخلافة الراشدة والأموية والعباسية بالعلوم والمدنية كما اهتمت بالنواحي الدينية فكانت الحضارة الإسلامية حضارة تمزج بين العقل والروح، فامتازت عن كثير من الحضارات السابقة. فالإسلام دينٌ عالمي يحض على طلب العلم وعمارة الأرض لتنهض أممه وشعوبه، وتنوعت مجالات الفنون والعلوم والعمارة طالما لا تخرج عن نطاق القواعد الإسلامية؛ لأن الحرية الفكرية كانت مقبولة تحت ظلال الإسلام، وامتدت هذه الحضارة القائمة بعدما أصبح لها مصارفها وروافدها لتشع على بلاد الغرب وطرقت أبوابه، وهذه البوابة تبرز إسهامات المسلمين في مجالات الحياة الإنسانية والاجتماعية والبيئية، خلال تاريخهم الطويل، وعصورهم المتلاحقة.
ملخص المقال
يمثل جامع وسبيل الحموي درة التصاميم العثمانية في حلب، فما تاريخ بناء المسجد؟ وكيف تطورت عمارته وزخرفته؟ وما ذا عن السبيل وتصاميمه؟
جامع وسبيل الحموي درَّة التصاميم العثمانيَّة في حلب، بَنَى الجامع الحاجُّ محمد بن داود النوري المغربي سنة (968هـ=1560م)، ورُمِّم سنة (1165هـ=1654م)، وقام الشيخ حسن بن عبد الرحمن الحموي سنة (1183هـ=1769م) بتجديده، وبناء مئذنته، وأنشأ في الجنوب الشرقي سبيل الحموي الشهير بزخارفه النَّباتيَّة الأنيقة.
موقع جامع الحموي
يقع جامع الحموي في حيِّ البياضة، الواقع إلى الشرق من قلعتها، والبياضيَّة من أشهر مواقع حلب، قال الشيخ كامل الغزي (1271-1351هـ= 1853-1933م) في كتابه نهر الذهب في تاريخ حلب: "ويُقال إنَّها سُمِّيَت بهذا الاسم؛ لأنَّها كانت تشتمل على خانٍ مختصٍّ ببيع البيض، وآثاره باقية في سوقها حتى الآن، وقيل: إنَّ أرضها كانت حوارًا أبيض وعلى هذا يجب أن تلفظ بتخفيف الياء، وهي من أعمر محلَّات حلب وأجودها ماء وهواء".
وتوجد بجامع الحموي العديد من النقوش التي تؤرِّخ له وللسبيل الملحق به، وتتوزَّع هذه النقوش في معظمها فوق المحراب داخل القبليَّة، والمدخل الشرقي من الخارج والسبيل، بالإضافة إلى نقيشة تُشير إلى ضريح منشئ الجامع.
مُنشِئ الجامع وتاريخ الإنشاء
قال كامل الغزي: "جامع الحموي أنشأه الحاجُّ محمد بن داود النُّوري (بضمِّ النون) المغربي سنة 968ه، وهو المدفون في شرقه، ثم في سنة 1183ه جدَّده ووسَّعه الحاجُّ (حسن بن عبد الرحمن الحموي) وعمَّر له منارة، وأحدث فيه خطبة، وشرط له عدَّة خيرات، وهو الآن جامعٌ معمورٌ بالشعائر فسيحُ الصحن، في شماله دكَّةٌ واسعةٌ، راكبٌ بعضها على فرنٍ جارٍ في أوقافه".
تاريخ الجامع الحموي
بُني جامع الحموي على يد الحاج محمد بن داود النوري المغربي سنة (968هـ=1560م)، ورُمِّم سنة (1165هـ=1654م)، وقام الشيخ حسن بن عبد الرحمن الحموي بتجديد جامع الحموي، وبنى له سنة (1183هـ=1769م) مئذنةً طويلةً وجميلةً على الطراز العثماني، ولكن في العام (1292هـ=1875م) وقعت صاعقةٌ على المئذنة فهدمت نصفها العلوي، كما هدمت جزءًا من القبليَّة فأُعيد بناؤهما، قال كامل الغزي: "وفي نيسان الرومي من هذه السنة (1292هـ) انقضَّت صاعقةٌ في محلَّة البياضة فقطَّت نحو النصف من منارة جامع الحموي، وكأنَّما انفصل منها شظيَّة فصدمت جدار قبلية الجامع المذكور من أعلاه، فغاصت به وثقبته ثقبًا منتظمًا، وخرجت من نجف الشُّبَّاك وأصابت رجلًا يُصلِّي المغرب فقتلته دون أن يبقى لها أثرٌ به، وأصابت رجلًا في رجله فلم يمت، لكنَّه بقي في رجله أثرٌ كأنَّه كيُّ نار، وكانت المنارة قد سقطت على سوَّاس مارًّا من تحت القلعة فقتلته أيضًا".
ويُمثِّل جامع الحموي إحدى حلقات التواصل الديني بمختلف مراحله في مدينة حلب ودون انقطاع، بدءًا من الفترة العثمانيَّة وإلى اليوم.
التصميم المعماري
قال كامل الغزي: "وهو الآن جامعٌ معمورٌ بالشعائر، فسيح الصحن، في شماله دكَّة واسعة راكب بعضها على فرن جار في أوقافه، وفي شرق هذه الدكة حجرتان جميلتان غير مسكونتين في أكثر الأوقات، وكانت ميضأته في غربي الدكة المذكورة، ثم في حدود سنة 1285ه أخرجت إلى ظاهره على بابه في رأس درجه عن يمين الداخل إليه".
يتألَّف الجامع من صحنٍ ورواقٍ وقبلية وله مدخلان، الأوَّل في الجهة الغربية وعرضه 120 سم2، والثاني قي الجهة الشرقية ويرتفع 7 درجات عن الأرض وعرضه متر واحد، ويعلو المدخل قوس موتور فوقه نقش باللغة العربية، المدخل مرتفع بستِّ درجاتٍ، له بابٌ خشبيٌّ أخضر، وعلى يسار المدخل من الداخل قبر الشيخ "محمد نور النوري"، وعلى يمين المدخل بابٌ يُؤدِّي إلى ميضأة وهو مغلق حاليًّا، واستعيض عنه ببابٍ من الجهة الغربية.
سقف الميضأة قبوٌ متقاطع؛ حيث تتقاطع الأقبية عند نجمة 12 ضلع يتدلَّى منها دلَّاية مكسورة شمال الميضأة، وتوجد غرفة للإمام في الجدار الغربي لصحن الجامع.
الجنوبي للقبلية محراب من الحجر الأصفر خالي من الزخارف يعلوه نقش "توكَّل على الله إنَّك على الحقِّ المبين 1165 هجريَّة".
المنبر مصنوع من الحديد، وهو صغيرٌ يعلوه قبَّةٌ صغيرةٌ من الخشب، تستند على أربع دعامات خشبية، أُضيفت سدَّة حديثة للقبليَّة سنة 1979م تشغل نصف القبليَّة وأبعادها (7،45 - 5،35 متر)، ونُقِش على يسار المدخل الشرقي للجامع (الفاتحة -هذا ضريح "محمد نور النوري" قدس سرَّه").
سبيل الحموي
وأمَّا سبيل الحموي فهو أحد سبلان مدينة حلب المعروفة بسبلانها الكثيرة والمنتشرة بشكلٍ خاصٍّ في المدينة القديمة، وكغيرها من هذه السبلان مازال "سبيل الحموي" يُقدِّم للمارَّة والضيوف شرابًا طهورًا، كما يُقدِّم للسيَّاح متعة المشاهدة، وللباحثين المعلومة التاريخيَّة الموثَّقة.
أنشأه "حسن بن عبد الرحمن الحموي" إلى الجنوب الشرقي من الجامع الحموي، وداخله نقيشة كبيرة تُؤرِّخه، وأمَّا قوس السبيل فمدبَّب، غنيٌّ بالزخارف النباتيَّة الأنيقة، يعلوه شريطٌ جميلٌ من المقرنصات.
يبرز السبيل عن بقيَّة الواجهة قليلًا، وتتكوَّن واجهته من قوسٍ كبيرٍ، يحدُّه تجويفٌ قليل العمق، يضم في جداره نصًّا تعلوه لوحةٌ تضمُّ نصًّا آخر حديثًا، أمَّا في أسفل التجويف فهناك حوض ماءٍ يتقدَّمه سياجٌ حديدي، وزخرف قوس السبيل والإفريز في أعلاه بمقرنصات ناعمة.
________________
المصادر والمراجع:
- كامل الغزي: نهر الذهب في تاريخ حلب، الناشر: دار القلم - حلب، الطبعة: الثانية، 1419هـ.
- نضال يوسف: الجامع الحموي، موقع آثار مدينة حلب.
التعليقات
إرسال تعليقك