الحضارة
سبق وريادة وتجديد
اهتمت الدولة الإسلامية في عهد الخلافة الراشدة والأموية والعباسية بالعلوم والمدنية كما اهتمت بالنواحي الدينية فكانت الحضارة الإسلامية حضارة تمزج بين العقل والروح، فامتازت عن كثير من الحضارات السابقة. فالإسلام دينٌ عالمي يحض على طلب العلم وعمارة الأرض لتنهض أممه وشعوبه، وتنوعت مجالات الفنون والعلوم والعمارة طالما لا تخرج عن نطاق القواعد الإسلامية؛ لأن الحرية الفكرية كانت مقبولة تحت ظلال الإسلام، وامتدت هذه الحضارة القائمة بعدما أصبح لها مصارفها وروافدها لتشع على بلاد الغرب وطرقت أبوابه، وهذه البوابة تبرز إسهامات المسلمين في مجالات الحياة الإنسانية والاجتماعية والبيئية، خلال تاريخهم الطويل، وعصورهم المتلاحقة.
ملخص المقال
القانون واحد من أهم طرق تفعيل مسيرة التفاعل الحضاري بين الشعوب والحضارات؛ لكونه واحدًا من المشتركات الإنسانية الخاصة، التي تتفق فيها حضارات الشعوب...
حاجة البشرية إلى القانون:
يتحكَّم في الإنسان منذ ظهوره على وجه الأرض عدَّة غرائز تُشَكِّل سلوكه في الحياة، كما أنَّ تقدُّم البشريَّة رهين بتنمية ما كان نافعًا وصالحًا من هذه الغرائز، والقضاء على ما كان منها ضارٌّ أو على الأقل تهذيبه؛ ومن هذه الغرائز: حبُّ البقاء في الحياة والمحافظة على الجنس، وحبُّ الاجتماع بغيره من بني البشر، والأثرة والأنانيَّة، والخضوع للنظام.
فالإنسان مدفوعًا بغريزته الطبيعيَّة في حبِّ البقاء في الحياة والعمل إلى تحسين حالته؛ يُحاول السيطرة على الطبيعة ومواردها؛ ليحصل على قُوتِه ورزقه، وليرتفع بمستواه المادِّي والحضاري، وهو في الوقت نفسه لا يُحبُّ العيش في عزلة؛ فهو بغريزته اجتماعي؛ ومِنْ ثَمَّ لا يعيش إلَّا في مجتمعٍ من بني جنسه؛ خوفًا من العزلة وابتغاءً لِمَا تجلبه إليه حياته مع الآخرين من منافع وفوائد، غير أنَّه في الوقت نفسه أنانيٌّ بطبعه؛ ومن ثَمَّ يعمل على إشباع حاجاته ورغباته دون الاهتمام بحاجات ورغبات غيره، وهذا ما يُؤَدِّي إلى تنازعه مع غيره على الوسائل التي تُمَكِّنه من الحياة، ولو أدَّى به الأمر إلى الالتجاء إلى القوَّة لإزاحة خصمه أو منافسه من طريقه، غير أنَّ الإنسان لمس بتجربته وأحسَّ بغريزته أنَّ الالتجاء إلى القوَّة لفضِّ ما قد يثور من منازعات ينتهي بالمجتمع إلى الفوضى؛ لأنَّ المجتمع الذي يستطيع فيه كلُّ فردٍ فِعْل كلِّ ما يُريد ينتهي إلى استحالة قيام أيِّ فردٍ بفعل شيءٍ ممَّا يُريد؛ ولذلك تقوم غريزة الإنسان في حبِّ الخضوع للنظام بدورها في تهذيب سلوك الإنسان والحدِّ من أنانيَّته، فتظهر مجموعةٌ من التقاليد تُحَدِّد قواعد السلوك في المجتمع، ويضبط النَّاس سلوكهم على غرارها فيستتب الأمن في المجتمع ويسوده النظام؛ ونتيجةً لذلك يُصبح القانون في أيِّ مجتمع -مهما تدنَّى مستواه في مضمار الرقي- ضرورةً لا غنى عنها، مثله في ذلك مثل اللغة التي يتخاطب بها الناس؛ لأنَّ الغرض الأسمى للمجتمع هو حفظ النظام، بما يُؤَدِّي إليه من استقرارٍ مع ضمان تقدُّم المجتمع[1].
ومن هنا كان القانون ظاهرةً اجتماعيَّةً تعكس حضارة مجتمعٍ مُعَيَّنٍ في بيئةٍ مُعَيَّنة، وهذا المعنى ما عبَّر عنه الرومان بقولهم: "لا مجتمع بلا قانون، ولا قانون بلا مجتمع (ubi societas ibi jus). أو قولهم: "حيث يُوجد مجتمعٌ يُوجد قانون"[2].
القانون مشترك خاص:
من هنا يُمكن القول: إنَّه لا تُوجد أُمَّةٌ أو حضارةٌ من الحضارات بلا قانون؛ إذ هذه طبيعة المجتمعات التي تجنح نحو الاستقرار والرقي، ويستوي في ذلك المجتمعات المختلفة سواءٌ القديم منها أو الحديث، وسواءٌ المجتمعات الدينيَّة أو المجتمعات المدنيَّة، وسائر المجتمعات البدائيَّة أو المجتمعات التقدميَّة؛ حيث يختلف كلُّ هذا باختلاف طبيعة المجتمع.
وهذا التطوُّر المستمرُّ في مسيرة القانون يجعلنا نُقَرِّر أنَّ القانون كان عاملًا أساسيًّا من عوامل الالتقاء الحضاري بين الثقافات المختلفة والجنسيَّات المتعدِّدة، وهو ما يُؤَيِّد أنَّ القانون ضمن المشتركات الإنسانيَّة الخاصَّة، التي تُشارك في مسيرة الالتقاء الحضاري والإنساني بين المجتمعات وبعضها.
والناظر في تاريخ الدول والحضارات في العالم القديم والمعاصر يجد أنَّ القانون من أهمِّ العناصر المكوِّنة لشخصيَّة تلك الدول والحضارات؛ ففي الشعوب البدائية شكَّلت العادات والتقاليد البدائيَّة -التي انتشرت في هذه الجماعات- تنظيمًا قانونيًّا بدائيًّا، شمل نظم الأسرة والملكيَّة والحكم والعقوبات داخل الجماعة الواحدة، بالإضافة إلى ظهور نظمٍ قانونيَّةٍ خارج حدود الجماعة الواحدة[3].
ومع تطوُّر الزمن أخذت العادات والتقاليد شكل العقائد الدينيَّة الواجبة الاتباع، ولكن ما لبثت هذه الأحكام القانونيَّة ذات الصبغة الدينيَّة أن تتطوَّر وتنتقل من مرحلةٍ أخرى هي مرحلةُ التقاليد العرفيَّة، وكان من نتيجة ذلك التطوُّر أن تعدَّدت مصادر القاعدة القانونيَّة على السواء بين الشعوب الشرقيَّة والغربيَّة، ومنها العرف والفقه، وممَّا ترتَّب على ذلك -أيضًا- أن أصبح القانون تعبيرًا عن إرادة الشعب، وليس عن إرادة الآلهة، التي يَدَّعي الكهنة أنهم يتحدَّثُون باسمهم، وظهر مبدأ الأُمَّة مصدر السلطات، فلم يَعُد المشرِّع يتكلَّم باسم الآلهة بل باسم الشعوب؛ إذ ظهرت مرحلةٌ أخرى من مراحل تطوُّر القانون بين الشعوب، وهي مرحلة التدوين القانوني في الشرق والغرب على السواء[4].
المدونات القانونية:
إنَّ ظاهرة التدوين هذه لم تكن خاصَّةً بشعبٍ دون آخر، بل كانت ظاهرةً عامَّةً شملت جميع الشعوب القديمة، التي اتَّجهت نحو كتابة تقاليدها العرفيَّة التي انتشرت وسادت في مجتمعاتها، ففي مصر ظهرت مدوَّنة قانون بوخوريس، وفي بلاد العراق ظهرت مدوَّنة حمورابي، وفي بلاد الهند ظهرت مدوَّنة قانون مانو، بينما ظهرت في بلاد الإغريق أو اليونان القديمة مدونة قانون دراكون وكذلك قانون صولون، في حين صدرت في بلاد روما القديمة مدوَّنة قانون الألواح الاثني عشر، كما يُلاحظ أنَّ هناك بعض الشعوب استقرَّ فيها قانونها في صورة تقاليد دينيَّة؛ مثل: الهنود واليهود، وبعضها الآخر ظهر قانونها في صورة تقاليد عرفيَّة؛ مثل: أثينا وروما وبابل وآشور، وبعض الشعوب دوَّنت قانونها وأصدرته في صورة تشريع، كما حدث في روما وبلاد الإغريق وبابل ومصر، وهذه هي المدوَّنات الرسميَّة (Codes)، وبعضها الآخر دوَّنته في سجلات من وضع الأفراد المهتمِّين بالقانون، ولم يصدر به تشريعٌ كما حدث من السلطة الحاكمة، فأخذ صورة السجلات العرفيَّة (Coutumiers)، كما حدث بالنسبة إلى الآشوريِّين والحيثيِّين، ومع ذلك جرى الباحثون على إطلاق تعبير مدونة (Code) على هذه السجلات، وتمييزًا لها عن المدوَّنات الرسميَّة سُمِّيت المدوَّنات العرفيَّة[5].
أمَّا الديانات السماويَّة الثلاث فقد نزل قانونها من عند الله عز وجل، وبَلَّغ الرسل الكرام هذا القانون لشعوبهم، ووصل إلى ذروة التفصيل والدقَّة في القانون الإسلامي، الذي يعتمد على القرآن الكريم والسُّنَّة المطهَّرة.
فالقانون بمراحله المتطوِّرة في تاريخ البشريَّة وإلى يومنا هذا لم يكن من نصيب شعبٍ دون آخر، بل كان لكلِّ شعبٍ ولكلِّ حضارةٍ فيه نصيب.
القانون والتفاعل الحضاري:
إذا كانت المجتمعات البدائيَّة جنحت بطبيعتها نحو القانون كسبيلٍ لإقامة مجتمعٍ منظَّم، يحفظ الحقوق ويُقيم العلاقات فيما بينهم، فإنَّه -بلا شكٍّ- لن تخلو حضارةً من الحضارات العالميَّة من تشريعاتٍ قانونيَّة، وهذه الدراسة لا تُعطي المعلومات الكافية لكلِّ مَنْ يُريد معرفة تاريخ الرومان وقانونهم مثلًا، وإنَّما هي محاولةٌ لإثبات المشترك بين تلك الحضارات العالميَّة، وبعض المشتركات فيما بينها فيما يخصُّ القواعد القانونيَّة، وخاصَّةً أنَّه قد وضَّح لكلِّ باحثٍ أنَّ المدوَّنات القانونيَّة ثُمَّ القانون المنظَّم قد ظهر -تقريبًا- في كلِّ التجمُّعات العالميَّة، في مصر والعراق وبلاد فارس والشام والهند والصين وبلاد اليونان والرومان.. وغيرها، وبتتبُّع تاريخ القانون يتبيَّن أنَّ القانون لم يظهر دفعةً واحدةً متماسكًا ومتكاملًا، بل خضع للتطوُّر المستمرِّ.
ويتأثَّر التغيير الذي يُحْدِثه القانون بتفاعل الحضارة التي انطلقت على أرضيَّتها مبادئ القانون مع الحضارات المعاصرة لها، وقد تجلَّى ذلك -مثلًا- في تفاعل الحضارة المصريَّة القديمة مع الحضارتين اليونانيَّة والرومانيَّة وتأثيره على مسيرة النظم القانونيَّة في ظـلِّ هذه الحضارات؛ ففي الحضارة المصريَّة القديمة كان القانون الفرعوني -وهو من أقدم القوانين المعروفة في تاريخ البشريَّة- دالًّا على مدى التقدُّم الحضاري الذي كان يعيشه المجتمع المصري، وقد استمرَّ هذا القانون زمنًا يقرب من ثلاثين قرنًا، وعلى الرغم من فتح الإسكندر الأكبر لمصر في عام 332 ق.م، وضمِّها إلى إمبراطوريَّته، فإنَّ القانون المصري ظلَّ مطبقًا على المصريِّين، وظهر بجانبه قانون جديد هو القانون الإغريقي، الذي طُبِّقَ على المواطنين الإغريقيِّين الذين استوطنوا مصر، ونتج عن تطبيق القانونين معًا في بلدٍ واحدٍ حدوث تفاعلٍ بينهما، أدَّى إلى ظهور قانونٍ مشتركٍ بين المصريِّين والإغريق، اصْطُلِح على تسميته بالقانون المصري الإغريقي، وحينما ضمَّ الرومان مصر إلى إمبراطوريتهم عام 31ق.م ظهر القانون الروماني في مصر، وقد طُبق هذا القانون على الرومان وحدهم، وبقي القانون (المصري الإغريقي) مُطَبَّقًا على المصريين والإغريق، وقد تأثَّر القانون الروماني بالقانون (المصري الإغريقي)؛ ممَّا أدَّى إلى ظهور قانون مختلط اصْطُلِحَ على تسميته باسم القانون (المصري الروماني)، وقد أخذ القانون الروماني الذي قُنِّن في عهد جستنيان بكثير من أحكام هذا القانون.
ولا شكَّ أنَّ هذا التطوُّر القانوني يعكس مسيرة التقاء مختلف الحضارات، التي انعكست في حركة التشريع في عددٍ كبيرٍ من بلدان العالم.
ولا شكَّ أنَّ التقاء الحضارات في عالم القانون يكشف عن القيم الأساسيَّة التي تعتنقها كلُّ حضارة، التي يعمل القانون على حمايتها، وتتَّفق عليها مختلف النظم القانونيَّة، مهما تغيَّرت أساليب هذه الحماية[6].
القوانين الدولية وتعزيز التواصل:
أمَّا عن دور القانون في تفعيل مسيرة التواصل الحضاري بين الشعوب في الواقع المعاصر فإنَّ هناك العديد من القوانين الدولية الموحَّدة في العالم، التي كان لها دورٌ كبيرٌ في سبيل تعزيز سبل التواصل والانسجام بين شعوب العالم؛ منها على سبيل المثال:
قانون التجارة الدولي (الأونسيترال UNCITRAL)، وقد أقرَّت الجمعيَّةُ العامَّة للأمم المتحدة لجنةَ القانون التجاري الدولي (الأونسيترال) في عام 1966م (القرار 2205 (د-21) المؤرَّخ 17 ديسمبر 1966م)، وتتكوَّن اللجنة من ستِّين دولةٍ عضوًا، تنتخبها الجمعيَّة العامَّة، وقد نظمت العضويَّة بحيث تكون ممثِّلة للأقاليم الجغرافيَّة المختلفة في العالم ونُظُمِه الاقتصاديَّة والقانونيَّة الرئيسة، وهناك خمس مجموعاتٍ إقليميَّة ممثَّلة في اللجنة؛ هي: الدول الإفريقيَّة؛ والدول الآسيويَّة؛ ودول أوربَّا الشرقيَّة؛ ودول أميركا اللاتينيَّة والكاريبـي؛ ودول أوربَّا الغربيَّة، ودولٌ أخرى، ويُنتخب أعضاء اللجنة لفترة ولاية مدَّتها ستِّ سنوات، وتنتهي فترة ولاية نصف الأعضاء كلَّ ثلاث سنوات[7]، فهذه الاتفاقيَّة تُعَزِّز رُوح التواصل والانسجام بين الدول الأعضاء، وخاصَّةً تفعيل رُوح التواصل بين الدول النامية وغيرها.
كما أنَّ هناك العديد من القوانين الدوليَّة المشتركة؛ كالقوانين الدوليَّة لحماية البيئة، والقوانين الدوليَّة الخاصَّة بالألعاب الرياضيَّة والأولمبيَّة المختلفة، وقوانين تنظيم حركة المرور والسير في الطرق وقوانين الملاحة الجويَّة وغيرها، وإنَّ مثل هذه القوانين وغيرها -بلا شكٍّ- كفيل بتحقيق التواصل بين الشعوب.
القوانين الدولية وتأجيج التنازع:
وإذا كانت القوانين الدوليَّة المشتركة سبيلٌ لتعزيز رُوح التفاهم والانسجام بين الشعوب المختلفة، فإنَّ إقرار بعض القوانين الدوليَّة -التي تخدم شعبًا معينًا على حساب شعوبٍ أخرى- لهو طريقٌ من طرق التنازع الدولي والسيطرة الأحادية على العالم؛ ممَّا يجعل وسائل الاتصال والتعارف بين الشعوب معقَّدة ومتوتِّرة؛ وعلى سبيل المثال:
أ- قانون حظر الأسلحة النوويَّة:
الذي أيَّدته كلٌّ من الولايات المتحدة وروسيا وبريطانيا وفرنسا والصين؛ أي: الدول الخمس دائمة العضويَّة في مجلس الأمن، الذي نصَّ اتفاقهم على جعل الشرق الأوسط منطقةً خاليةً من الأسلحة النوويَّة[8].
أمَّا ما يتعلَّق بمسألة السماح بإنتاج الأسلحة النوويَّة وتخصيب اليورانيوم، فنذكر أنَّ السماح لبعض الدول بالإنتاج النووي وحرمان دول أخرى سيُؤَدِّي إلى احتقانٍ عالمي، وشعور كراهيَّة بين الشعوب، فإمَّا أن يُمْنَع الجميع بما فيهم أميركا والغرب، وإمَّا أن يُسمح للجميع بما فيهم المسلمون وغيرهم، وبهذا يعيش الجميع في أمانٍ وسلام.
ب- قانون الاحتباس الحراري:
ففي عام 1997م عُقد مؤتمر عالمي في مدينة كيوتو في اليابان للحدِّ من تسريب الغازات الصناعيَّة وأخطرها ثاني أكسيد الكربون، الذي يتسبَّب بطريقةٍ مباشرةٍ في ارتفاع درجة الحرارة؛ حيث ينبعث من دول العالم حاليًّا حوالي 6,8 جيجا طن من ثاني أكسيد الكربون سنويًّا، 22,4 % منها تصدر عن الولايات المتحدة الأميركيَّة، يليها الصين بـ13,4 %[9]، وقد أُبرم اتفاق رسمي هو ميثاق كيوتو الدولي يُلزم الدول بتقليل تسريب الغازات بنسبٍ محدَّدة، ولكي تخرج هذه الوثيقة إلى حيِّز التطبيق اقتضى أن يُصدَّقَ عليها من قِبَل 55 دولة، إلَّا إنَّه في عام 2001م أعلن الرئيس الأميركي بوش الابن رفض الولايات المتحدة التوقيع على ميثاق كيوتو؛ مُعَلِّلًا ذلك بأنَّ نمط الحياة الأميركي غير قابلٍ للمساومة، متجاهلًا كون نمط الحياة هذا يُشَكِّل خطرًا على العالم وعلى أميركا نفسها.
وحين يتكلَّم الرئيس بوش عن نمط الحياة الأميركي فهو يعني الشركات الكبرى، التي تنمو وتتضخم على حساب البيئة وصحَّة المواطنين، فهذه الشركات الرأسماليَّة لا تتردَّد في إبادة شعبٍ كاملٍ من أجل الاستيلاء على خزينته من النفط أو الذهب، فعندما قصفت القوَّات الأميركيَّة العراق باليورانيوم المنضَّب لم تكن تكترث لما يتركه من أثرٍ على البيئة والبشر لآلاف السنين.
ومع ذلك فهناك من الكُتَّاب مَنْ يعتقد أنَّ موقف الولايات المتحدة الأخلاقي لا يسمح لها بمغادرة العراق؛ إنَّ موقف الولايات المتحدة من ميثاق كيوتو دليلٌ قاطعٌ على عدم اكتراثها للإنسانيَّة ومستقبلها[10].
وختامًا.. فإنَّ القانون واحدٌ من أهمِّ طرق تفعيل مسيرة التفاعل الحضاري بين الشعوب والحضارات؛ لكونه واحدًا من المشتركات الإنسانيَّة الخاصَّة، التي تتَّفق فيها حضارات الشعوب؛ ولذلك فإنَّنا ندعو العالم إلى إنتاج قوانين عالميَّة جديدة تُساعد على تواصل الشعوب، وكذلك إلى إيجاد آليَّات لتفعيل هذه القوانين دون استثناءات.
المصدر:
كتاب المشترك الإنساني.. نظرية جديدة للتقارب بين الشعوب، للدكتور راغب السرجاني.
[1] صوفي حسن أبو طالب: تاريخ النظم القانونية والاجتماعية، ص19، 20.
[2] المرجع السابق، ص4.
[3] محمد سليمان شبير: تاريخ النظم القانونية 1/28.
[4] صوفي حسن أبو طالب: تاريخ النظم القانونية والاجتماعية، ص103-105.
[5] صوفي حسن أبو طالب: تاريخ النظم القانونية والاجتماعية، ص118، 119، ومحمد سليمان شبير: تاريخ النظم القانونية، ص58.
[6] أحمد فتحي سرور: "القانــون والعـولمة وحــوار الحضـارات"، مقال منشور على موقع: www.weghatnazar.com.
[7] موقع الأونسيترال، على الرابط: www.uncitral.org.
[8] موقع رويترز باللغة العربية، على الرابط: http://ara.reuters.com.
[9] موقع إسلام أون لاين على الرابط: www.islamonline.net.
[10] صلاح عودة الله: "ظاهرة الاحتباس الحراري.. وموقف أميركا!"، مقال منشور على موقع أجراس العودة بتاريخ 8/6/2007م: www.ajras.org.
التعليقات
إرسال تعليقك