التاريخ الإسلامي
دون تشويه أو تزوير
التاريخ الإسلامي يمتد منذ بداية الدعوة الإسلامية بعد نزول الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم تأسيس الدولة الإسلامية بالمدينة المنورة وحكم الخلفاء الراشدين، مرورًا بالدولة الأموية فالدولة العباسية بما تضمنته من إمارات ودول مثل السلاجقة والغزنوية في وسط آسيا والعراق وفي المغرب الأدارسة والمرابطين ثم الموحدين وأخيرًا في مصر الفاطميين والأيوبيين والمماليك ثم سيطرة الدولة العثمانية التي تعتبر آخر خلافة إسلامية على امتداد رقعة جغرافية واسعة، وهذه البوابة تعنى بتوثيق التاريخ من مصادره الصحيحة، بمنهجية علمية، وعرضه في صورة معاصرة دون تشويه أو تزوير، وتحليل أحداثه وربطها بالواقع، واستخراج السنن التي تسهم في بناء المستقبل.
ملخص المقال
في معركة تردد الطرفان العثماني والنمساوي كثيرًا في خوضها، خسر الجيش العثماني من النمساوي في بترواردين خسارة اشتهر على إثرها القائد النمساوي «أوجين دي
ما قبل معركة بترواردين
غرق العالم الإسلامي في مأتمٍ جرَّاء هزيمة الجيش العثماني من الجيش النمساوي في معركة زينتا سنة (1109ه= 1697م)، وعلى إثر هذه الهزيمة وقَّع الصدر الأعظم حينذاك حسين باشا اتفاقية قارلوفجا (كارلوفيتز) مع كلٍّ من النمسا وروسيا والبندقيَّة وبولندة في (25 رجب سنة 1110هـ= 26 يناير 1699م)، وتنازل العثمانيون بمقتضى هذه المعاهدة عن أجزاء كبيرة من أوروبا؛ منها: بلاد المجر وترانسلفانيا للنمسا، وشبه جزيرة المورة للبندقية[1].
بعد هذا الصلح انسحب السلطان العثماني حينذاك "مصطفى الثاني" إلى أدرنة تاركًا شئون الحكم للمفتي "فيض الله أفندي" يتصرَّف وفق مايراه مناسبًا لمصلحة الدولة[2]، ولكن أدَّى ذلك إلى خلق بعض المشاكل الداخلية التي ترتب عليها حركة عصيان تنازل على إثرها السلطان مصطفى الثاني عن الحكم لأخيه أحمد الثالث في سنة (1115ه= 1703م)[3].
أسباب معركة بترواردين
لم تركن الدولة العثمانية بعد معاهدة كارلوفيتز إلى المسالمة إلَّا بقدر ماتحتاجه فقط لالتقاط أنفاسها؛ فقد عزم السلطان "أحمد الثالث" على استعادة الأراضي التي فقدتها الدولة العثمانيَّة في شبه جزيرة المورة لصالح البنادقة بموجب هذه المعاهدة؛ فأعلن الحرب على البندقية، وسيطرت جيوشه على كريت وبعض الجزر الأخرى، فاستنجدت البندقية بالنمسا لمساعدتها، فطلبت النمسا من الدولة العثمانية أن تكفَّ عن القتال وأن تُعيد للبنادقة ما أخذت منهم، وهدَّدت باستعمال القوَّة[4].
الاستعداد لمعركة بترواردين
كان هناك اختلاف في الديوان العثماني حول شنِّ حربٍ جديدةٍ ضدَّ الإمبراطورية النمساويَّة[5]، لكن تجاه التهديد السافر من النمسا أمر السلطان العثماني أحمد الثالث بالاستعداد للحرب[6]، وبتأييد بعض العلماء صدرت فتوى من المفتي تؤيد الدخول في حرب جديدة[7]، فخرج "علي باشا" الصدر الأعظم للدولة العثمانية حينذاك من إسطنبول على رأس الجيش في 11 أبريل سنة 1716م، وتوجَّه إلى المجر، ووصل بلجراد في 22 يوليو من العام نفسه، ولكنَّه لم يستمع للذين أشاروا عليه بقضاء الشتاء فيها والاستعداد لفتح المجر بقوَّاتٍ أكبر في الربيع[8].
وفي المعسكر النمساوي تحت قيادة القائد الشهير "أوجين دي سافو" كان بعض القادة يخشون القوَّات العثمانية كبيرة العدد، وسادهم القلق من الصدر الأعظم "علي باشا" بعد أن ذاعت شهرة انتصاراته في شبه جزيرة المورة، فحذَّر بعضهم من مخاطرة الدخول في معركةٍ مفتوحة، وطالبوا باتِّباع سياسة التريث، ولكن هذا الرأي كان يتعارض مع رأي القائد "أوجين دي سافو" الذي قرَّر أن يخوض الحرب[9].
أحداث معركة بترواردين
تقابل الجيش العثماني مع الجيش النمساوي في بترواردين في يوم 5 أغسطس سنة 1716م[10]، وبدأت المعركة في الساعة السابعة صباحًا بهجوم الجناح العثماني الأيسر وشروعه في تشتيت الجيش النمساوي، ولكنَّ الجناح العثماني الأيمن تشتَّت فور سقوط أحد الوزراء شهيدًا، وعندما أراد الصدر الأعظم "علي باشا" تدارك الأمر سقط شهيدًا أيضًا، فتركت الوحدات العثمانيَّة حين علمت بموته ساحةَ الحرب، وانسحبت إلى بلجراد، وبهذا الانسحاب استطاع القائد "أوجين دي سافو" إحراز نصرٍ كبيرٍ على العثمانيِّين، وكان هذا النصر بعد 19 عامًا من انتصاره على السلطان "مصطفى الثاني" في معركة زينتا، واشتهر هذا القائد حينذاك بأنَّه عسكريُّ العالم المسيحي الذي لا يُقهر[11].
الآثار السيئة بعد معركة بترواردين
بعد هذا الانتصار فتح الجيش النمساوي مدينة طمشوار بعد أن حاصرها أربعة وأربعين يومًا، ثم تقدَّم الجيش النمساوي وحاصر بلجراد ودخلها في يوم 19 أغسطس سنة 1717م[12].
[1] أحمد آق كوندز، سعيد أوزتورك: الدولة العثمانية المجهولة، وقف البحوث العثمانية، استانبول، 2008، ص332، ومحمد سهيل طقوش: تاريخ العثمانيين، دار النفائس، الطبعة الثالثة، 1434هـ= 2013م، ص283.
[2] محمد سهيل طقوش: تاريخ العثمانيين، ص284.
[3] أحمد آق كوندز، سعيد أوزتورك: الدولة العثمانية المجهولة، ص333.
[4] محمد سهيل طقوش: تاريخ العثمانيين، ص284.
[5] جون باتريك كينروس: القرون العثمانية قيام وسقوط الإمبراطورية التركية: ترجمة: ناهد إبراهيم الدسوقي، منشأة المعارف، الإسكندرية، مصر، ص415.
[6] محمد سهيل طقوش: تاريخ العثمانيين، ص284.
[7] جون باتريك كينروس: القرون العثمانية قيام وسقوط الإمبراطورية التركية، ص415.
[8] يلماز أوزتونا: تاريخ الدولة العثمانية، ترجمة عدنان محمود سليمان، مراجعة وتنقيح: محمود الأنصاري، مؤسسة فيصل للتمويل، تركيا، إستنابول، 1/ 1988، 1/ 599.
[9] جون باتريك كينروس: القرون العثمانية قيام وسقوط الإمبراطورية التركية، ص416.
[10] محمد فريد: تاريخ الدولة العلية العثمانية، تحقيق: إحسان حقي، دار النفائس، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى، 1401هـ= 1981م، ص316، ويلماز أوزتونا: تاريخ الدولة العثمانية، 1/ 599.
[11] يلماز أوزتونا: تاريخ الدولة العثمانية، 1/ 599، 600.
[12] إسماعيل سرهنك: حقائق الأخبار عن دول البحار، مطابع الأميرية، بولاق، مصر، الطبعة الأولى، 1312هـ، 1/ 619، ومحمد فريد: تاريخ الدولة العلية العثمانية، ص316.
التعليقات
إرسال تعليقك