التاريخ الإسلامي
دون تشويه أو تزوير
التاريخ الإسلامي يمتد منذ بداية الدعوة الإسلامية بعد نزول الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم تأسيس الدولة الإسلامية بالمدينة المنورة وحكم الخلفاء الراشدين، مرورًا بالدولة الأموية فالدولة العباسية بما تضمنته من إمارات ودول مثل السلاجقة والغزنوية في وسط آسيا والعراق وفي المغرب الأدارسة والمرابطين ثم الموحدين وأخيرًا في مصر الفاطميين والأيوبيين والمماليك ثم سيطرة الدولة العثمانية التي تعتبر آخر خلافة إسلامية على امتداد رقعة جغرافية واسعة، وهذه البوابة تعنى بتوثيق التاريخ من مصادره الصحيحة، بمنهجية علمية، وعرضه في صورة معاصرة دون تشويه أو تزوير، وتحليل أحداثه وربطها بالواقع، واستخراج السنن التي تسهم في بناء المستقبل.
ملخص المقال
كان السلطان العثماني بايزيد الأول زعيمًا عسكريًّا من الطراز المتميز، وكان يملك ملكات حربية فريدة، وسرعة انقضاض عظيمة، جعلته يحوز لقب «الصاعقة».
بايزيد الأول (الصاعقة) (1389م- 1402م)
على الرغم من استشهاد الزعيم الكبير مراد الأول في أرض كوسوڤو، وعلى الرغم من اتِّساع أراضي الدولة العثمانية فجأة في حياة الزعيم الشهيد، فإنه لم تحدث أزمةٌ كبرى بسبب هذا الاستشهاد، وبسبب فَقْد الزعامة لهذا الكيان العسكري مترامي الأطراف، والسر في ذلك أنَّ الخليفة لمراد الأول كان الزعيم العسكري الكبير بايزيد الأول.
كان بايزيد الأول، وهو الابن الأكبر لمراد الأول، زعيمًا عسكريًّا من الطراز المتميز، وكان يملك ملكات حربية فريدة، وسرعة انقضاض عظيمة، جعلته يحوز لقب «الصاعقة»؛ لذلك فقد استطاع هذا الزعيم الجديد، والذي كان يبلغ من العمر تسعة وعشرين عامـًا[1]، أن يسيطر على الأوضاع بقوة، وأن يمنع المشكلات التي ظهرت في الدولة بعد وفاة أبيه من إحداث أيِّ اضطرابٍ يُؤدِّي إلى تفكُّك الكيان الكبير.
والحقُّ أن بايزيد الصاعقة يُعتبر من النقاط المحيِّرة في تاريخ الدولة العثمانية!
والسبب في هذه الحيرة أنه جمع بين المتناقضات بشكلٍ متكرِّر؛ فعلى الرغم من حبِّه للعلم وإكرامه للعلماء نجد أن له مخالفات شرعيَّة كبيرة في حياته تُبرز عدم اهتمامه بالتوصيف الإسلامي لأعماله، وكذلك نجده يجمع بين قتال الصليبيين والجهاد العظيم ضدَّهم، وبين قتال المسلمين وإحداث الفرقة في الصف الإسلامي، نتيجة هذا القتال الداخلي!
إنها متناقضات تُنبئ أن غاية القتال والحكم في حياته لم تكن نقيَّةً تمامًا، وأن منطلقات حركته وهيمنته لم تكن كمنطلقات أبيه وأجداده، ممَّا يُعتبر -في رأيي- نقطة انحرافٍ في مسيرة الدولة العثمانية، وهذا سيُؤدِّي إلى نتائج خطرة في نهاية فترة حكمه، والذي امتدَّ لثلاثة عشر عامًا، من 1389م إلى 1402م.
بدأ بايزيد حكمه بمخالفةٍ شرعيَّةٍ كبرى تتمثَّل في قتله لأخيه يعقوب لمنع المنافسة على الحكم[2]، وإن كان بعضهم يُدافع عنه بأن الذي قتله كان الوزراء؛ وذلك قبل أن يتولى بايزيد دفَّة الأمور، وأنهم فعلوا ذلك لكيلا يتنافس الاثنان على الحكم فتنهار البلاد[3].
حتى لو كان هذا الافتراض الأخير صحيحًا فإن بايزيد لم يُقِم تحقيقًا في هذا الأمر، وسكت عن قتل أخيه، وهذا غير مقبولٍ شرعًا، ولعل سكوته هذا هو الذي أدَّى لنتائج مشابهة لذلك بعد وفاته؛ حيث نرى أن أبناءه سوف يتقاتلون سويًّا بعد وفاته، ويقتل بعضهم بعضًا، وهكذا فإن الجزاء من جنس العمل! إنها كانت الجريمة الأولى من نوعها في تاريخ الدولة العثمانية؛ ولكنها تكرَّرت كثيرًا بعد ذلك، وقد يتحمَّل مَنْ بدأها وزر استمرارها في حياة الدولة بعد ذلك!
عندما تولى بايزيد الأمر عام 1389م، وكان جيشه منشغلًا في المعارك في غرب الدولة العثمانية؛ أي في كوسوڤو، وصربيا، استغلَّ أمير قرمان علاء الدين الأمر، وحاول الانقلاب على الدولة العثمانية في الأناضول، وتهييج الإمارات التركية الأخرى ضدَّ العثمانيين، وكذلك فعل برهان الدين أمير سيواس في شرق الأناضول، فما كان من بايزيد الأول إلا أن انقضَّ «كالصاعقة» من غرب البلاد إلى شرقها، فقمع التمرُّد عام 1390م، وتبع هذا القمع انضمام عددٍ من الإمارات التركية إلى دولته، كإمارة صاروخان، وآيدن، وچرميان، ومنتشه[4]، واستقرَّت الأمور في الأناضول؛ ولكن لم يكن هذا عن قناعةٍ ورضا بزعامة العثمانيين إنما خوفًا من بطش القوي بايزيد الأول.
بعد هذا الاضطراب المؤقَّت تعامل بايزيد مع الأمور بحكمة، وقضى عدَّة سنوات في حُكْمِه، وتحديدًا سبع سنوات كاملة؛ أي من سنة 1390م إلى سنة 1397م، في تثبيت الأقدام ضدَّ أعداء الدولة العثمانية من الصليبيين، والذين كانوا يتمثَّلون في ثلاث مجموعاتٍ كبرى؛ أمَّا المجموعة الأولى فهي الدولة البيزنطية وأعوانها، وأمَّا المجموعة الثانية فهي مجموعة الصليبيين من أهل البلقان، كالبلغار، واليونانيين، والصربيين، وأمَّا المجموعة الثالثة والأخيرة فهي مجموعة الكاثوليك المتمثِّلة في المجر، ومن يدعمها من صليبي وسط وغرب أوروبا[5].
[1] القرماني، أحمد بن يوسف بن أحمد: تاريخ سلاطين آل عثمان، تحقيق: بسَّام عبد الوهَّاب الجابي، دار البصائر، دمشق، الطبعة الأولى، 1405هـ=1985م. صفحة 16.
[2] آرنولد، توماس ووكر؛ وباسيه، رينيه: دائرة المعارف الإسلامية، مركز الشارقة للإبداع الفكري، الشارقة-الإمارات العربية المتحدة، الطبعة الأولى، 1418هـ=1998م. صفحة 3/328.
[3] فريد، محمد: تاريخ الدولة العلية العثمانية، تحقيق: إحسان حقي، دار النفائس، بيروت، الطبعة الأولى، 1401هـ=1981م. صفحة 137.
[4] أوزتونا، يلماز: تاريخ الدولة العثمانية، ترجمة: عدنان محمود سلمان، مراجعة وتنقيح: محمود الأنصاري، مؤسسة فيصل للتمويل، إستانبول، صفحة 1/103.
[5] دكتور راغب السرجاني: قصة الدولة العثمانية من النشأة إلى السقوط، مكتبة الصفا للنشر والتوزيع، القاهرة، مصر، الطبعة الأولى، 1442ه= 2021م، 1/ 147- 148، لشراء كتاب قصة الدولة العثمانية من النشأة إلى السقوط يرجى الاتصال على الرقم التالي: 01116500111
التعليقات
إرسال تعليقك