التاريخ الإسلامي
دون تشويه أو تزوير
التاريخ الإسلامي يمتد منذ بداية الدعوة الإسلامية بعد نزول الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم تأسيس الدولة الإسلامية بالمدينة المنورة وحكم الخلفاء الراشدين، مرورًا بالدولة الأموية فالدولة العباسية بما تضمنته من إمارات ودول مثل السلاجقة والغزنوية في وسط آسيا والعراق وفي المغرب الأدارسة والمرابطين ثم الموحدين وأخيرًا في مصر الفاطميين والأيوبيين والمماليك ثم سيطرة الدولة العثمانية التي تعتبر آخر خلافة إسلامية على امتداد رقعة جغرافية واسعة، وهذه البوابة تعنى بتوثيق التاريخ من مصادره الصحيحة، بمنهجية علمية، وعرضه في صورة معاصرة دون تشويه أو تزوير، وتحليل أحداثه وربطها بالواقع، واستخراج السنن التي تسهم في بناء المستقبل.
ملخص المقال
يُعتبر سليم الأول من أكثر الشخصيات المحيّرة للمؤرخين، فبينما يعدُّه بعضهم بطلًا قوميًّا، يراه آخرون طاغية شرسًا افتقد الرؤية الصحيحة في أمور كثيرة..
السلطان سليم الأول (1512-1520م)
في 24 أبريل عام 1512م صعد إلى حكم الدولة العثمانية سليم الأول[1]، وهو واحد من أعنف السلاطين العثمانيين، إن لم يكن أعنفهم على الإطلاق، وقد لُقِّبَ في التاريخ التركي بلقب الياوز أي الشديد[2]، أو الرهيب، ولُقِّب في التاريخ الأوروبي بالعبوس The Grim[3]، وتُشير كلُّ الروايات إلى استهانته بالدماء، ولقد قُتِل على يديه عددٌ كبيرٌ من وزرائه[4]، فضلًا عن أعدائه! تُمَثِّل فترة حكمه، التي كانت ثماني سنوات فقط، نقلةً نوعيَّةً في التاريخ العثماني والعالمي؛ إذ صاحبها تضخُّمٌ كبيرٌ في مساحة الدولة العثمانية، بالإضافة إلى تحجيمٍ ملحوظٍ لقوَّة الدولة الصفوية الشابَّة، مع انهيارٍ كاملٍ لدولة المماليك العريقة، وبدايات دخول الأقطار العربية في حكم الدولة العثمانية، وظهور الدولة العثمانية عالميًّا كقوَّةٍ إسلاميَّةٍ أولى بلا منازع.
يُعتبر سليم الأول من أكثر الشخصيات المحيِّرة للمؤرخين والعلماء والشعوب، فبينما يعدُّه بعضهم بطلًا قوميًّا، ويفتخر به بعضهم كخليفةٍ قويٍّ للمسلمين، يراه آخرون -وأنا منهم- طاغيةً شرسًا افتقد الرؤية الصحيحة في أمورٍ كثيرة، فأحدث فسادًا كبيرًا، وإن كان هذا لا يمنع من الاعتراف بأنه حقَّق مصالح أخرى لم يكن بالإمكان تحقيقها لولا وجود شخصيَّةٍ في قوَّته وصلابته.
الحرب مع الأخوة ثم استقرار الحكم: (1512-1513م)
كان أمام السلطان سليم الأول عند استلامه للحكم قضيتان كبيرتان لا بد من حسمهما بسرعة؛ أما الأولى فهي الحرب الأهلية بينه وبين أخوته على عرش البلاد، والثانية التهديد الصفوي الكبير لدولته. وعلى الرغم من أن الجيش و-أيضًا- الشعب، كانا راغبَيْن في صعود السلطان سليم الأول إلى كرسي الحكم ليحسم مسألة الصفويِّين المزعجة، فإنَّ المنطق كان يقضي بالبحث عن الاستقرار الداخلي في الدولة قبل الدخول في أتون الحرب الرهيبة ضدَّ دولةٍ قويَّةٍ ومذهبيَّة كالدولة الصفوية، وهذا ما فعله السلطان خلال العام الأول من سلطنته، ولكن بطريقته!
كان للسلطان سليم أخوان متنافسان معه على الحكم؛ الأول هو قورقود، وهذا أبدى رضوخه للسلطان الجديد، وقَبِل الانصياع له، ومِنْ ثَمَّ أعطاه ولاية بعض الإمارات الجنوبية الغربية في الأناضول، والثاني هو أحمد الذي كان وليًّا للعهد في حياة أبيه بايزيد الثاني، وهذا أعلن نفسه سلطانًا في قرمان[5]، وحظي بتأييد بعض الأعيان من التركمان، بل تواصل مع شاه الصفويين، ولم يعترف بسلطنة سليم الأول.
كان من المتوقَّع أن يوجِّه سليم الأول كلَّ طاقته لحرب أخيه أحمد قبل أيِّ شيء، لكن سليم كان يخشى أن يُطْعَن في ظهره من أخيه الآخر قورقود، فدبَّر له مكيدة، وقتله في 17 مارس 1513م، قبل أن يتم عامه الأول في الحكم! بعد خمسة أسابيع، وفي 24 أبريل 1513م -ذكرى ولايته للعرش- استدرج أخاه أحمد في حربٍ ميدانيَّةٍ بالقرب من بورصا، وقتله بعد أَسْرِه[6]! ثم أمر السلطان بعد ذلك بقتل أولاد إخوته جميعًا[7]! ولم يفلت منهم إلا ولدان لأحمد؛ هرب أحدهما إلى إيران، والثاني إلى مصر[8]، وهذان لم يكن لهما عقب، وهكذا لم يبقَ من العائلة العثمانية إلا السلطان سليم الأول نفسه وابنه الوحيد سليمان[9]، واطمئنَّ السلطان الطاغية بذلك إلى عدم التنافس على عرش البلاد![10].
[1]جرامون، ﭼان – لوي باكي: أوج الامبراطورية العثمانية: الأحداث (1512-1606)، ضمن كتاب: مانتران، روبير: تاريخ الدولة العثمانية، ترجمة: بشير السباعي، دار الفكر للدراسات والنشر والتوزيع، القاهرة–باريس، الطبعة الأولى، 1993م.صفحة 1/207.
[2] أوزتونا، يلماز: تاريخ الدولة العثمانية، ترجمة: عدنان محمود سلمان، مراجعة وتنقيح: محمود الأنصاري، مؤسسة فيصل للتمويل، إستانبول، 1988 صفحة 1/213.
[3] Itzkowitz, Norman: Ottoman Empire and Islamic Tradition, University of Chicago Press, London, UK, 2008., p. 32.
[4] فريد، محمد: تاريخ الدولة العلية العثمانية، تحقيق: إحسان حقي، دار النفائس، بيروت، الطبعة الأولى، 1401هـ=1981م، 1981 صفحة 197.
[5] جحا، شفيق؛ وعثمان، بهيج؛ والبعلبكي، منير: المُصوَّر في التاريخ، دار العلم للملايين، بيروت، 2017م، 2017 صفحة 6/129.
[6] أوزتونا، 1988 الصفحات 1/214، 215.
[7] فريد، 1981 صفحة 188.
[8] حليم، إبراهيم: التحفة الحليمية في تاريخ الدولة العلية، مطبعة ديوان عموم الاوقاف، القاهرة، الطبعة الأولى، 1323هـ=1905م.صفحة 78.
[9] أوزتونا، 1988 صفحة 1/215.
[10] دكتور راغب السرجاني: قصة الدولة العثمانية من النشأة إلى السقوط، مكتبة الصفا للنشر والتوزيع، القاهرة، مصر، الطبعة الأولى، 1442هـ= 2021م، 1/ 381، 382.
التعليقات
إرسال تعليقك