التاريخ الإسلامي
دون تشويه أو تزوير
التاريخ الإسلامي يمتد منذ بداية الدعوة الإسلامية بعد نزول الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم تأسيس الدولة الإسلامية بالمدينة المنورة وحكم الخلفاء الراشدين، مرورًا بالدولة الأموية فالدولة العباسية بما تضمنته من إمارات ودول مثل السلاجقة والغزنوية في وسط آسيا والعراق وفي المغرب الأدارسة والمرابطين ثم الموحدين وأخيرًا في مصر الفاطميين والأيوبيين والمماليك ثم سيطرة الدولة العثمانية التي تعتبر آخر خلافة إسلامية على امتداد رقعة جغرافية واسعة، وهذه البوابة تعنى بتوثيق التاريخ من مصادره الصحيحة، بمنهجية علمية، وعرضه في صورة معاصرة دون تشويه أو تزوير، وتحليل أحداثه وربطها بالواقع، واستخراج السنن التي تسهم في بناء المستقبل.
ملخص المقال
كيف كانت المرحلة الأولى من حكم السلطان عبد المجيد الأول، وما أهم أحداثها؟
السلطان عبد المجيد الأول (1839-1861م)
تسلَّم السلطان الصغير عبد المجيد الأول الحكم في دولةٍ بلا جيش! ماذا عساه أن يفعل؟
قال الشافعي:
وَمَنْ نَزَلَتْ بِسَاحَتِهِ الْمَنَايَا ... فَلَا أَرْضٌ تَقِيهِ وَلَا سَمَاءُ[1]!
في الواقع ليست هناك حلولٌ منطقيَّةٌ مُرْضِيَةٌ يمكن أن يتَّفق عليها أحد! فالدولة منهارة، وجيش إبراهيم باشا على أعتاب الأناضول، وقائد الدولة بلا خبرة، والمعنويَّات في الحضيض، والروس يتحفَّزون، وأوروبا منذ زمنٍ تترقَّب اللحظة التي تقتسم فيها تركة الرجل المريض!
الحلُّ من وجهة نظري كان في اختيارٍ من اثنين أحلاهما مُرٌّ بالنسبة إلى السلطان الجديد! الأول -وهو الأفضل في رأيي- تسليم الدولة العثمانية «كلها» لمحمد علي باشا، لتُصبح الدولة «العلوية» بدلًا من «العثمانية»، والثاني هو التنازل عن فكرة «الإمبراطوريَّة»، والقبول بفكرة «الدولة»، بمعنى أن يقتسم السلطان عبد المجيد الأول مع محمد علي باشا الدولة الكبيرة، فيقود محمد علي «كلَّ» البلاد العربيَّة، ويقود عبد المجيد الأول الأناضول والبلقان، ويتعاون الطرفان تعاونًا سلميًّا في مستقبلهما بعد ذلك! بعضهم يرى هذين الاختيارين غير عمليَّين، وهؤلاء أقول لهم: وهل كانت الحلول التي اتُّخِذَت عمليَّة؟ وهل الاعتماد في هذه الأزمة على روسيا أو بريطانيا أمرٌ منطقي؟
إن الحلول «الواقعيَّة» أفضل كثيرًا من الحلول «العاطفيَّة»!
الحلَّ العاطفي يطرح «الأماني» التي يريد الناس تحقيقها عكس السنن الكونيَّة، وهذا لا ينجح في معظم الأحوال. الشعوب المسلمة كانت متعاطفةً مع الدولة العثمانية التي قادت مسيرة الأمَّة الإسلاميَّة عدَّة قرون، ولا يتخيَّلون العالم بلا سلطانٍ «عثماني»، حتى لو كان بلا خبرةٍ ولا جيش، حتى لو كان لا يقوى على الوقوف إلا متَّكئًا على روسيٍّ من ناحية، وإنجليزيٍّ من ناحيةٍ أخرى! ويفترضون أن الأيَّام القادمة ستكون أفضل، ويتواكلون على حقيقة: ﴿إِنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [البقرة: 20]، متناسين حقيقة: ﴿إِنَّ اللهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ﴾ [الرعد: 11]. لقد انهارت الدولة العثمانية بالفعل في العقد الثامن من القرن الثامن عشر بعد هزيمتها المذلَّة من الروس (1768-1774م)، وكان الواجب على الأمناء في هذه الدولة أن يعملوا على تسليم هذه التركة المهولة إلى مَنْ يمكن أن يدافع عنها، والحقُّ أن محمد علي باشا كان -في رأيي- أفضل المرشَّحين لذلك، ثم ها هي الظروف تتطوَّر حتى تُعطي الفرصة لهذا التسليم الذي يصبُّ في مصلحة الأمَّة كلِّها، ويقع بالضرر فقط على آل عثمان، وهم في ذلك الوقت -بلا مبالغة- رجلان فقط؛ السلطان الصغير عبد المجيد الأول، وأخوه الأصغر وليُّ العهد، الأمير عبد العزيز!
الاختيار الأوَّل الذي كان ينبغي أن يُطْرَح بقوَّة هو التنازل الكامل عن الدولة كلِّها «للأقوى» الذي يمكن أن يحكمها كوحدةٍ واحدة، وهو اختيار الحسن بن علي بن أبي طالب ب يوم تنازل عن الخلافة لمعاوية بن أبي سفيان، ليدفع في اتِّجاهِ أن تكون الأمَّة «متَّحدة» تحت قيادة العائلة الأموية كحلٍّ أفضل من «تفرُّقها» تحت نظامَيْن؛ خلافة راشدة مع الحسن، ومُلْكٍ أمويٍّ مع معاوية. هذا الاتجاه دعمه رسول الله ﷺ بمدحه للحسن على هذا الاختيار، وذلك حين قال: «إِنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ وَلَعَلَّ اللهَ أَنْ يُصْلِحَ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ عَظِيمَتَيْنِ مِنَ المُسْلِمِينَ»[2]. كان هذا التنازل هو الأفضل «للأمَّة» مع أن الجميع متفقٌ على أن الحسن كشخصٍ أفضل من معاوية. في حالتنا هذه الأمرُ أهون! لأنَّ الذي «نتمنَّى» منه التنازل ليس أفضل من الذي نُريده قائدًا؛ فعبد المجيد الأول ليس أفضل من محمد علي باشا، بل لا مقارنة بينهما أصلًا، فالبون في الحقيقة شاسعٌ لصالح محمد علي!
من ناحية القائد نفسه يُعتبر محمد علي من أفضل و«أقوى» الشخصيَّات القياديَّة عند المسلمين في هذه المرحلة التاريخيَّة، بل لا أبالغ إن قلتُ إنه من المعدودين في تاريخ المسلمين كلِّه، بينما يبرز «الضعف» كسمةٍ رئيسةٍ في عبد المجيد الأول. هذا على المستوى الشخصي، أمَّا على مستوى الحكومة؛ فالأمر يصبُّ في صالح الحكومة المصريَّة كذلك، والكلام نفسه يندرج على الجيش، وبصورةٍ أوضح. فوق ذلك يمكن اعتبار الدولة المصريَّة في ذلك الوقت في مرحلة «الشباب» وينتظرها عنفوانٌ وهَيْبَة، بينما الدولة العثمانية في مرحلة الشيخوخة وتنتظر الموت في أيِّ لحظة! يقول تعالى: ﴿اللهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ﴾ [الروم: 54]. فهذه مراحل ثلاث؛ ضعفٌ، ثم قوَّة، ثم ضعفٌ وشَيْبَة. كانت الدولة المصريَّة أيَّام محمد علي في بدايات المرحلة الثانية، مرحلة القوَّة، وينتظرها مستقبلٌ واعدٌ لو تكاتف المسلمون على ذلك، أمَّا الدولة العثمانية فكانت في أواخر المرحلة الثالثة، مرحلة الشَّيْبَة، ولا يأتي بعد مرحلة الشَّيْبَة -في سنن الله عزَّ وجل- قوَّة.
بل دعوني أشرح لكم ملخَّصًا لدراسةٍ عجيبةٍ قمتُ بها لإحصاء مُلْكِ محمد علي باشا بالقياس إلى مُلْك عبد المجيد الأول، وذلك في عام 1839م بعد موقعة نصيبين مباشرة، أي في أوَّل أيَّام حكم عبد المجيد الأول. كان محمد علي يحكم عددًا من الولايات يبلغ إجمالي مساحتها 5.02 مليون كيلو متر مربع (مصر، والسودان، والشام، والحجاز، ونَجْد، وكريت)، بينما يحكم عبد المجيد الأول ولايات إجمالي مساحتها 3.9 مليون كيلو متر مربع (ولايات البلقان، والأناضول، وليبيا، وتونس، والعراق، وأجزاء من أرمينية، وقبرص، وإريتريا، وجيبوتي). هذا يعني أن محمد علي باشا كان يحكم على أرض الواقع 56% من أرض الدولة العثمانية بينما يحكم عبد المجيد الأول 44% فقط!
ليس هذا فقط ولكن هناك -بالتحليل الدقيق- ملاحظات أخرى تبرز قوَّة دولة محمد علي. على سبيل المثال تأتي مسألة «الحكم المباشر»، بالقياس إلى «التبعيَّة السياسيَّة»؛ حيث إنه من المعروف أن الحكم المباشر أقوى بكثيرٍ من مجرَّد التبعيَّة. يحكم محمد علي باشا دولته «كلَّها» بشكلٍ مباشر، وليست هناك أقطارٌ تابعة، بينما الوضع مختلفٌ تمامًا عند عبد المجيد الأول، فهو يحكم بعض الأقطار بشكلٍ مباشر، ولكن يدخل في المساحة التي يحكمها أقطارٌ تابعةٌ كذلك (صربيا، والإفلاق، والبغدان، وتونس)، حتى البلاد التي يحكمها بشكلٍ مباشرٍ فإنَّ قبضته ضعيفةٌ على بعضها بشكلٍ لافت (ليبيا، والعراق، وإريتريا، وجيبوتي). إن البلاد التي يحكمها عبد المجيد الأول بشكلٍ قويٍّ نسبيًّا تبلغ مساحتها 1,18 مليون كيلو متر، أي 13.2% فقط من مساحة الدولة العثمانية!
ملاحظةٌ أخرى مهمَّة، وهي التجانس الواضح في دولة محمد علي، بينما يغلب التناقض على دولة عبد المجيد الأول؛ فمعظم شعب الدولة الأولى مسلم (87,3% من ولايات محمد علي)، بينما نسبة المسلمين في دولة عبد المجيد تصل إلى 74%، ومعظمهم في الأناضول، وإذا استثنينا الأناضول من الحسبة صارت نسبة المسلمين في مُلْكِ عبد المجيد الأول 53.5% فقط. -أيضًا- «كل» الشعوب المحكومة بمحمد علي باشا شعوب «عربيَّة» فقط، بينما تشمل دولة عبد المجيد عدَّة أعراقٍ غير متجانسة، بل متصارعة؛ ففيها التركي، والعربي، والصربي، واليوناني، والبلغاري، والأرمني، والبوسني، والألباني، والمقدوني، والروماني، ولا يخفى عدم الاستقرار في ظلِّ هذا التنوُّع الواسع. -أيضًا- تتكلم دولة محمد علي كلُّها باللغة العربيَّة، بينما تزيد اللغات المستعملة في دولة عبد المجيد على عشر لغاتٍ مختلفةٍ تمام الاختلاف، ممَّا يجعل التواصل بين شعوب هذه الدولة في غاية الصعوبة. التاريخ كذلك يصبُّ في مصلحة دولة محمد علي باشا؛ فتاريخ مصر، والسودان، والشام، والحجاز، يعتبر وحدةً واحدةً في معظم فترات التاريخ الإسلامي، فالطولونيون، ثم الإخشيديون، ثم العبيديون (الفاطميون)، ثم الأيوبيون، ثم المماليك، كلهم حَكَمَ هذه المناطق تحديدًا، بزيادةٍ أو نقصٍ طفيف، وبالتالي فالتجانس التاريخي واضحٌ جدًّا في دولة محمد علي، بخلاف دولة عبد المجيد الأول التي يتميَّز كلُّ شعبٍ فيها بتاريخٍ مختلف، وفي كثيرٍ من الأحيان هو تاريخٌ متعارض؛ فتاريخيًّا يُعتبر البوسنيون مثلًا أعداءً للصرب، واليونانيون أعداء للبلغار، والأتراك أعداء للبلقانيين، فهذا التاريخ العدائي بين شعوب الدولة الواحدة يخلق مشكلاتٍ لا حصر لها. جغرافيًّا -أيضًا- هناك وجه قوَّةٍ في دولة محمد علي حيث تتلاصق فيها كلُّ الولايات، ممَّا يُمثِّل وحدةً استراتيجيَّةً عظيمة، بينما تتباعد أقطار عبد المجيد الأول عن بعضها البعض بشكلٍ لافت.
يؤخذ في الاعتبار -أيضًا- أن التاريخ القريب لدولة محمد علي باشا يحمل انتصاراتٍ مجيدةً كثيرة، ونجاحاتٍ متكرِّرةً في أكثر من مجال، بينما لم تشهد الدولة العثمانية في السبعين سنةً الأخيرة (منذ 1768م) سوى الهزائم والكوارث، وهذا لا شَكَّ يكون له أثرٌ على حالة القائد، والحكومة، والشعب بشكلٍ عام.
لكلِّ ما سبق كان الأَولى أن تنتقل قيادة الأمَّة في هذه المرحلة الحرجة من تاريخها من العثمانيِّين إلى محمد علي باشا، وهذا كان من الممكن أن يُؤدِّي إلى نتائج أفضل كثيرًا من تلك التي وصلنا إليها، أو على الأقل لا تكون الخسائر بهذا الحجم. هذا التسليم للقيادة كان يحتاج لنفوسٍ متجرِّدةٍ تمامًا للحق، وعلماء حريصين على مصلحة «الأمَّة» التي ينتمون إليها لا «الدولة» التي يتبعونها، وشعوبٍ فاهمةٍ واعية، تُدرك مصالحها، ولا تُعلِّق آمالها على الأوهام، ولكن يبدو أن هذه النوعيَّات من البشر نادرة!
إذا لم يكن هذا الاختيار الأوَّل -اختيار تسليم الدولة العثمانية «كلِّها» لمحمد علي باشا- مُرْضِيًا لقادة الدولة العثمانية، فكان عليهم أن يأخذوا بالاختيار الثاني، وهو قبول تقسيم الإمبراطوريَّة إلى نصفين؛ أحدهما بقيادة محمد علي، والآخر بقيادة عبد المجيد الأول. أي الانقسام الهادئ الذي يمكن أن ينتج عنه تعاونٌ في المستقبل بعد أن تزول من النفوس آثار الحروب. هذا الاختيار فيه مشكلة إضعاف الأمَّة الإسلاميَّة بشطرها إلى نصفين، ولكنَّه -من الناحية العمليَّة، والواقعيَّة، وأهم من ذلك من الناحية الشرعيَّة- أفضل للعثمانيِّين، وللأمَّة، من التعاون مع بريطانيا وروسيا لضرب محمد علي باشا، وتقليص قوَّة دولته. واقع الأمر أن عبد المجيد الأول، وعددًا من رجال حكومته، كانوا يميلون إلى هذا الاختيار بقوَّة، وفي أعقاب معركة نصيبين مباشرة، وبعد موت محمود الثاني، كان الاتجاه العام في الديوان العثماني يميل إلى إعطاء محمد علي باشا حكمًا استقلاليًّا وراثيًّا كاملًا في مصر، والسودان، والشام، والحجاز[3][4]، ولكن هذا لم يتم للأسف!
مَنْ الذي اعترض على هذا الحل؟
إنها بريطانيا!!
دفعت بريطانيا السلطان عبد المجيد الأول إلى رفض الاستسلام لمحمد علي باشا، ووعدته بالإجارة. قال تعالى: ﴿وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ﴾ [الأنفال: 48]. لم تكتفِ بريطانيا بقوَّتها؛ إنما جمعت بسرعةٍ أكبر القوى العالميَّة آنذاك؛ فرنسا، وروسيا، وبروسيا، والنمسا، وفرَّغت نفسها، وهذه الدول، «لدعم» الدولة العثمانية المسلمة! الغريب أن العالم الإسلامي، بقادته، وحكمائه، وعلمائه، وشعوبه، كان يُتابع هذه المهزلة في غير اكتراث، بل كانوا في كثيرٍ من الأحيان يُصَفِّقون للجيوش الإنجليزيَّة والأوروبِّيَّة وهي تقصف الجيش المصري حمايةً -كما يزعمون- للدولة العثمانيَّة!
إنه ليس من فراغٍ أن تصل الأمَّة إلى ما نحن فيه الآن من ضعفٍ وهوانٍ على الناس إذا كانت هذه المشاهد موجودةً في تاريخنا!
إنَّنا يمكن أن ندرس فترة حكم عبد المجيد الأول الطويلة (اثنان وعشرون عامًا، من 1839 إلى 1861م) من خلال مرحلتين فقط؛ الأولى قصيرة، ولكنَّها شديدة الصخب، وهي أوَّل عامين من حكمه (من 1839 إلى 1841م)، وفيها أنهى الأوروبِّيُّون المسألة المصريَّة وَفق ما يريدون، والمرحلة الثانية طويلة تبلغ عشرين عامًا (1841-1861م)، ولكنَّها هادئةٌ رتيبةٌ لا تحفل بالأحداث الكبرى. وفي هذا المقال سنتناول الحديث عن المرحلة الأولى:
المرحلة الأولى: الإنجليز والأوروبِّيُّون يتفرَّغون لحسم الصراع العثماني المصري (1839-1841م)
فرَّغت بريطانيا والقوى العالميَّة نفسها لمدَّة عامين كاملين -من يوليو 1839 إلى يوليو 1841م- لأزمة الصراع بين الدولتين العثمانيَّة والمصريَّة. كان العنوان المعلن هو دعم الدولة العثمانيَّة التي «ظلمها» محمد علي باشا بتعدِّيه عليها، وسوف تقف معظم هذه القوى في وجهه بكلِّ طاقتها! إن هذه الوقفة في حدِّ ذاتها تُثبت صدق ما اخترناه قبل ذلك من أفضليَّة تسليم الدولة العثمانية كلِّها لمحمد علي باشا؛ فإن رهبة الدول الأوروبِّيَّة من تنامي قوَّته بهذه الصورة يُؤكِّد أنَّه كان يُمَثِّل أملًا حقيقيًّا للأمَّة الإسلاميَّة!
خشيت بريطانيا والدول الأوروبِّيَّة أن تتحرَّك روسيا للدفاع عن الدولة العثمانيَّة، فتلتهمها بمفردها، فتحرَّكوا بسرعة! في 27 شهر يوليو 1839م، وبعد موقعة نصيبين بشهرٍ تقريبًا، اجتمع ممثِّلون عن خمس دولٍ هي بريطانيا، وفرنسا، وروسيا، وبروسيا، والنمسا، وبعد مداولاتٍ وصلوا إلى كتابة مذكرةٍ قُدِّمت إلى السلطان عبد المجيد الأول في 28 يوليو، يطلبون منه بشكلٍ صريحٍ عدم أخذ قراراتٍ في المسألة المصريَّة إلَّا بالرجوع إليهم، وفي المقابل سيقومون هم بالتوسُّط بينه وبين محمد علي في حلِّ المشكلة. كان هذا الطلب لشراء الوقت كي يتمكنوا من تنفيذ ما يريدون دون أن يعيقهم ارتباط السلطان بأيِّ اتفاقٍ مع المصريِّين. وافق السلطان -للأسف- على طلبهم. في الوقت نفسه أبلغت هذه الدول محمد علي باشا بأنهم سيتدخلون في المسألة[5][6][7]. بهذه الموافقة من السلطان عبد المجيد الأول تكون الدولة العثمانية قد وضعت نفسها تحت وصاية هذه الدول الخمس، وبالتالي فقدت استقلالها، خاصَّةً أنها بلا جيشٍ أو أسطول.
أدرك محمد علي مغزى الدول الأوروبية، فأرسل إلى السلطان عبد المجيد الأول يطلب منه الجلوس للتسوية السلميَّة دون تدخل الدول الأجنبيَّة، لكنَّه رفض[8]! تجمَّد الموقف في الأناضول والشام، وسكن العثمانيون والمصريون في انتظار ما تصل إليه القوى العظمى، وبدأت الدول الأوروبية في الجلوس سويًّا لاقتراح الحلول، وكانت هذه اللقاءات بحضور الصدر الأعظم العثماني وغياب ممثِّلٍ عن المصريِّين[9]! تباينت وجهات نظرهم تبعًا لمصالحهم؛ فمالت بريطانيا، والنمسا، وبروسيا إلى ضرورة إعادة الشام إلى الدولة العثمانية لتقوية جانبها، وإضعاف محمد علي، بينما رغبت فرنسا في معاداة بريطانيا عن طريق الحفاظ على قوَّة محمد علي بإبقاء الشام معه، ومالت روسيا إلى جانب فرنسا، ومع أنهم كانوا قد أقرُّوا مبدأ الأغلبيَّة إلا أنهم اختلفوا في الآليَّات، بالإضافة إلى تصلُّب روسيا المتضرِّرة من تدخل الدول الأوروبية. لم يصل المتشاورون نتيجة هذه التشابكات إلى اتِّفاقٍ حاسم[10][11]! يُلاحَظ في هذه الاجتماعات أن الأغلبيَّة المقصودة كانت بخصوص الدول الأوروبية الخمس فقط، ولم يكن للدولة العثمانية نفسها -على الرغم من حضورها للاجتماعات- ولو رأيٌ واحدٌ في هذه العمليَّة الديموقراطيَّة!
ظهرت مشكلةٌ جديدةٌ في الاجتماعات الأوروبية؛ إذ أرادت بريطانيا وفرنسا إلغاء معاهدة خونكار إسكيله سي لعام 1833م، والقاضية بالسماح للسفن الروسيَّة فقط بالمرور في المضايق، ولكن روسيا أصرَّت على بقاء المعاهدة. أعرضت بريطانيا وفرنسا عن روسيا وتواصلتا بشكلٍ مباشرٍ مع السلطان عبد المجيد للسماح لسفنهم بدخول المضايق للدفاع عن إسطنبول. علمت روسيا بالأمر فهدَّدت الدولة العثمانية بالحرب إن رضخت لبريطانيا وفرنسا. هنا تدخلت النمسا، وهدَّدت بالخروج من التحالف إن أصرَّت بريطانيا وفرنسا على طلبهما. تأزَّم الموقف نسبيًّا، وعندها طلب السلطان من بريطانيا وفرنسا التنازل عن شرط دخول المضايق لئلَّا يتفرَّق التحالف[12]. لم تيأس بريطانيا إنما اتَّفقت مع السلطان على السماح لسفنها هي -دون فرنسا- لدخول المضايق في مقابل أن تضغط على محمد علي باشا لإعادة الأسطول العثماني إلى الدولة العثمانية! وافق السلطان[13]! ومع ذلك كانت الخطوات تسير بشكلٍ رتيب، ولذلك لم يَعُدْ الأسطول العثماني حينها، وغالب الأمر أن بريطانيا لم تُرِد التصعيد مع روسيا فلم تأخذ الموافقة العثمانية مأخذ الجد!
حاولت روسيا أن تحلَّ مشكلتها مع بريطانيا عن طريق اقتراح أن تتولى هي مهاجمة محمد علي وتدمير قوَّته في مقابل أن توافق بريطانيا على إنزال الروس لقوَّاتٍ عسكريَّةٍ في سينوب بالأناضول! هكذا تطلب روسيا من بريطانيا وليس من الدولة العثمانية! وافقت بريطانيا بشرط إلغاء معاهدة خونكار إسكيله سي، ولكن روسيا رفضت[14]!
بعد شهورٍ من المداولات حاول رئيس الوزراء البريطاني بالمرستون الوصول إلى حلٍّ وسطٍ يجمع القوى الأوروبية الخمس، فاقترح أن يأخذ محمد علي باشا مصر كحكمٍ وراثي، بالإضافة إلى فلسطين فقط، ودون عكا الحصينة. يعني أنه أضاف هذا الجزء الفلسطيني للمصريين ليقنع الفرنسيين والروس بعدم اشتراط إعطاء الشام كلِّها لمحمد علي باشا. وافق الروس بتردُّد، ورفض الفرنسيون، فعرض الإنجليز إضافة عكا كذلك على ألَّا يتوارثها أبناء محمد علي، ولكن فرنسا رفضت مجدَّدًا[15][16].
في يوليو 1840م، وبعد سنةٍ من المفاوضات، قرَّر الإنجليز إخراج الفرنسيين من التحالف، ودعوا بقيَّة الأطراف إلى الجلوس للوصول إلى تصوُّرٍ نهائيٍّ حول المسألة المصريَّة، وبالفعل اتَّفقت بريطانيا، وروسيا، وبروسيا، والنمسا، على اتَّفاقٍ عجيب للضغط على محمد علي باشا، فيما عُرِفَ بمعاهدة لندن، وذلك في يوم 15 يوليو 1840م. كان الاتفاق على الصورة التالية:
· يكون لمحمد علي وخلفائه حكم مصر الوراثي أبدًا، ويكون له مدَّة حياته فقط حكم فلسطين، بما فيها مدينة عكا، بشرط أن يقبل ذلك في مدَّةٍ لا تتجاوز عشرة أيَّامٍ من تاريخ تبليغه هذا القرار، وأن يشفع قبوله بإخلاء جزيرة كريت، وبلاد العرب، وإقليم أضنة، وسائر الشام عدا ولاية عكا، وأن يُعيد الى الدولة العثمانية أسطولها.
· إذا لم يقبل محمد علي هذا القرار في مدَّة عشرة أيَّام يُحْرَم من ولاية عكا.
· يُمْهَل محمد علي عشرة أيَّامٍ أخرى لقبول الحكم الوراثي لمصر وحدها، فاذا انقضت هذه المهلة دون قبول تلك الشروط كان للسلطان الحقُّ في حرمانه ولاية مصر نفسها.
· يدفع محمد علي باشا جزيةً سنويَّةً إلى الباب العالي تتحدَّد نسبتها حسب البلاد التي ستئول إليه إدارتها.
· تسري في مصر وعكا القوانين العثمانية.
· تُعَدُّ قوات مصر البرِّيَّة والبحريَّة جزءًا من قوَّات الدولة العثمانية.
· يتكفَّل الحلفاء في حالة رفض محمد علي باشا لتلك الشروط بتنفيذها بالقوَّة[17][18].
وصلت صيغة المعاهدة إلى محمد علي باشا في 14 أغسطس 1840م[19]، وأصبح أمامه -بهذه الصورة- عشرون يومًا فقط، وبعدها تُعلن الدول الأربعة المتحالِفة في معاهدة لندن الحربَ عليه. غضبت فرنسا لإقصائها من التحالف الدولي، ورغبت في الوقوف في وجه بريطانيا فشجَّعت محمد علي على المماطلة، ووعدته بالمساعدة[20]. قال تعالى: ﴿يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ﴾ [النساء: 120]. ترك الوالي المصري الأيَّام العشرة الأولى تمرُّ دون ردٍّ رسمي، فأبلغه قناصل الدول الأوروبِّيَّة -في اليوم الحادي عشر- الإنذار الثاني، وأمهلوه عشرة أيَّامٍ أخرى، كما أبلغوه أنه لم يعد له الحقُّ في ولاية عكا. وعندما مرَّت الأيَّام العشرة الثانية دون ردٍّ كذلك اعتبر الحلفاء أن هذا رفضٌ من محمد علي للشروط، فأبلغوا السلطان الذي أصدر فرمانًا بخلعه من ولاية مصر[21].
تحركت بريطانيا عسكريًّا بعد انتهاء المهلة مباشرة، وقامت باحتلال بيروت في أكتوبر 1840م، وكذلك عكا في 3 نوفمبر، وسقطت في أيديهم صور، وصيدا، وحيفا، ويافا، واستعدَّ الإنجليز لحربٍ شاملةٍ ضدَّ محمد علي[22]، واشتركت الدولة العثمانية معهم في تهييج الشعب الشامي على الثورة ضدَّ محمد علي [23]، وقامت بريطانيا -أيضًا- بتشجيع الثورة في لبنان عن طريق النصارى والدروز[24]، وسحبت الدول الأوروبية الأربعة قناصلها من مصر، وبعد قليلٍ ظهر الأسطول الإنجليزي أمام السواحل المصريَّة ذاتها[25][26].
كان محمد علي باشا مطمئنًّا إلى أنَّ تدخُّل فرنسا في الأمر -كما وعدته- سيُعيد توازن الأمور؛ لأن بريطانيا لن ترغب في التصعيد العسكري حينذاك، ولكن للأسف كان موقف فرنسا عجيبًا! لقد وجد الملك الفرنسي لويس فيليب الأول Louis Philippe I أن السياسة الفرنسيَّة تجاه القضيَّة المصريَّة ستعزلها عن القوى الأوروبية، فغيَّر الملكُ الحكومةَ في 21 أكتوبر 1840م، أي أثناء الأحداث الساخنة في مصر والشام، وقرَّر التملُّص من وعد دولته لمحمد علي باشا، على أساس أن هذا كان وعد الحكومة السابقة[27]! هكذا يفعلون بالعهود! وجد الوالي المصري نفسه فجأةً وحيدًا أمام أقوى دولةٍ في العالم، ومِن ورائها روسيا! اضطرَّ محمد علي باشا في 27 نوفمبر 1840م إلى الرضوخ لقرار العزل ليُجنِّب البلاد الغزو الإنجليزي الحتمي، ولكنَّه طلب بقاء ولاية مصر معه، فأمرت بريطانيا السلطان برفض طلبه[28]! في رأيي كانت بريطانيا تريد إعطاء مصر لمحمد علي لكيلا تعود الدولة العثمانية إلى حجمها الأوَّل، لكنَّها كانت تريد إذلال الوالي المصري ليظلَّ تحت السيطرة الإنجليزيَّة، ولهذا كان الرفض المبدئي. يؤكِّد هذا أنه عند وساطة سريعة للنمسا وبروسيا، ومساندة «شفويَّة» من فرنسا، قَبِلَت بريطانيا بعودة محمد علي باشا لولاية مصر، وأبلغت السلطان عبد المجيد بموافقتها، فأعاده واليًا على مصر[29]! لقد كان السلطان ألعوبةً حقيقيَّةً في أيدي القوى الأوروبية!
انتهت الأزمة بسحب محمد علي لكلِّ جيوشه من الشام في ديسمبر 1840م[30]، وإعادة الأسطول العثماني، وقبوله بالولاية على مصر وحدها، دون الشام، والحجاز، وكريت، وبذلك قُلِّصت دولته تمامًا، وضاعت أحلام الإمبراطوريَّة الواسعة القويَّة! -أيضًا- أقرَّ محمد علي باشا بدفع الجزية السنويَّة إلى الدولة العثمانية، وتطبيق قوانينها في مصر، ممَّا يعني التبعيَّة الكاملة لها. المشكلة الأكبر في هذه الصورة هي أن الضامن لتنفيذ هذه التبعيَّة كانت بريطانيا، وليست الدولة العثمانية، بمعنى أن تدخل بريطانيا عسكريًّا لتحجيم قوَّة مصر ومحمد علي صار متَّفقًا عليه بين السلطان عبد المجيد الأول وبالمرستون الإنجليزي، وكان هذا الأخير يُضمر عداوةً كبيرةً لمصر، وبشكلٍ شخصيٍّ لمحمد علي باشا، ويرى فيه طموحًا يمكن أن يُهدِّد مصالح بريطانيا في المنطقة، كما يُهدِّد طريق التجارة من الهند إلى أوروبا عبر البحر المتوسط[31]، ولذلك عمل على تقويض مشروعه، ونجح في ذلك.
لم يكن مِن همِّ بريطانيا تقويض المشروع المصري حاليًّا فقط؛ إنما أوعزت إلى السلطان عبد المجيد الأول أن يفرض على محمد علي باشا شروطًا تُكَبِّل المشروع المصري مستقبلًا أيضًا، وكان السلطان بلا حولٍ ولا قوَّة، فأرسل إلى الوالي المصري في فبراير 1841م شروطًا تهدف إلى عرقلة النهضة المصريَّة في السنوات القادمة؛ كان منها أن يعود اختيار وريث محمد علي إلى السلطان، بحيث يختار السلطان من يُواليه من أولاد محمد علي، أو من ترضى عنه بريطانيا، ومن المؤكَّد مثلًا أنهم لن يختاروا إبراهيم باشا بهذا الشرط؛ لأن كفاءته العسكريَّة والإداريَّة صارت واضحةً للجميع، ومن الشروط -أيضًا- عدم ارتفاع رتبة الوالي المصري عن رتبة الوزير العثماني؛ فيظلُّ الصدر الأعظم وقادة الجيش العثماني أعلى منه، ومنها عدم السماح للوالي المصري بفرض ضرائب على الرعيَّة إلا على النسق العثماني، وستأخذ الدولة العثمانية ربع هذه الضرائب، والهدف هو تقليص إمكانات الدولة المصريَّة الاقتصاديَّة، ومنها تكليف مصر بالإنفاق على الحجاز، مع أن إداراتها ستئول للدولة العثمانية لا لمصر، وهذا يصبُّ في الهدف نفسه، وهو تقليص قدرات مصر الماليَّة! أمَّا أخطر الشروط وأشدها سوءًا، فهو عدم السماح لمصر بزيادة أفراد جيشها عن ثمانية عشر ألف جنديٍّ فقط في أوقات السلم، مع العلم أن تعداد الجيش المصري كان يبلغ مائةً وتسعةً وخمسين ألف جندي في هذه الفترة (1839م)[32].
هذا يعني أن محمد علي باشا سيقوم بتسريح مائةٍ وواحدٍ وأربعين ألف جندي، وهذا يُمَثِّل أكثر من ثمانيةٍ وثمانين بالمائة من الجيش المصري! إن هذا نوعٌ من الخبل في الحقيقة! ولا أدري أين كان عقل السلطان عبد المجيد الأول وهو يكتب مثل هذه التُّرَّهات؟! اشترط السلطان -أيضًا- عدم السماح للوالي المصري بإعطاء رتبٍ عسكريَّةٍ أعلى من ملازم، وستكون الرتب الأعلى من ذلك بموافقةٍ مباشرةٍ من السلطان. -أيضًا- لا يُسْمَح لمصر من الآن فصاعدًا بناء السفن الحربيَّة! تجد النصَّ الكامل لهذا الفرمان العثماني المخزي عند المؤرِّخ محمد فريد، وقد قَبِلَه محمد علي في البداية، ولكنَّه وسَّط الإنجليز لطلب تخفيف الشروط، فَقَبِل السلطان -بإيعازٍ من بريطانيا بلا شك- أن يتنازل عن ثلاثة شروط؛ أولًا اختيار وريث محمد علي؛ فجعل الولاية من بعده للأكبر فالأكبر بشرط موافقة السلطان عليه، وثانيًا التنازل عن ربع الضرائب الذي كانت ستحصل عليه الدولة العثمانية، وثالثًا السماح للوالي المصري بإعطاء الرتب العسكريَّة حتى رتبة الأميرالاي (عميد) وليس الملازم! الحقُّ أن الأمر لم يكن يعدو مهزلةً تاريخيَّة؛ إذ إن الضامن الوحيد لتنفيذ هذه الاشتراطات والقيود المجحفة كان بريطانيا بجيشها وأسطولها! يلفت النظر اللهجة المتكبِّرة التي صاغ بها السلطان فرمانه، وكأنه حقَّق النصر بنفسه أو بجيشه، ويكفي أنه بدأ كلامه بهذه المقدمة: «رَأينَا بسرورٍ مَا عرضتموه من الْبَرَاهِين على خضوعكم، وتأكيدات أمانتكم، وصدق عبوديَّتكم لذاتنا الشاهانيَّة..»[33]! كان على الرجل أن يستحي في خطابه وهو يعلم أنه لا يقف أمام محمد علي باشا إلا خلف الدرع الأوروبي، ولكن كما قال رسول الله ﷺ: «إِنَّ مِمَّا أَدْرَكَ النَّاسُ مِنْ كَلَامِ النُّبُوَّةِ الْأُولَى إِذَا لَمْ تَسْتَحِي فَافْعَلْ مَا شِئْتَ»[34]!
بقيت مشكلةٌ واحدةٌ أمام بريطانيا بعد انتهاء الأزمة المصريَّة، وهي مشكلة المضايق البحريَّة؛ البوسفور والدردنيل، المرتبطة بروسيا عن طريق معاهدة خونكار إسكيله سي عام 1833.م كانت بريطانيا تريد استغلال تفوُّقها في القوَّة، وريادتها في قمع محمد علي باشا وجيشه الكبير، في إلغاء معاهدة الروس مع العثمانيِّين، ووضع معاهدةٍ جديدةٍ تخدم مصالحها. أدركت بريطانيا أن وقوفها بمفردها في وجه الروس يمكن أن يُشعل حربًا، فعملت على إعادة فرنسا إلى التحالف الأوروبي؛ ليتعاونا سويًّا في إلغاء المعاهدة، على الرغم من عدائها للفرنسيين! هكذا كانت السياسة البريطانيَّة العجيبة! عادت فرنسا إلى التحالف في 15 مارس 1841م[35].
وبعدها بأربعة شهور، في 13 يوليو 1841م، وُقِّعت معاهدة لندن للمضايق، بحضور ستِّ دولٍ هي بريطانيا، وفرنسا، وروسيا، وبروسيا، والنمسا، بالإضافة إلى الدولة العثمانية[36][37]، وفيها أُلغيت معاهدة خونكار إسكيله سي، ووُضِعت معاهدةٌ جديدةٌ ظلَّت ساريةً إلى الحرب العالمية الأولى (1914م). في هذه المعاهدة اتَّفق المشاركون على منع أيِّ سفنٍ حربيَّةٍ لأيِّ دولةٍ من دخول المضايق إلا بإذن السلطان العثماني، الذي لن يرجع إلى الروس كما كان في معاهدة خونكار إسكيله سي[38]. لم يكن هذا بالطبع من باب عودة الحقوق لأصحابها، ولم يكن نتيجة قوَّة السلطان العثماني، ولم يكن نتيجة «العدل» بين القوى العظمى؛ إنما كان ذلك علامةً على قوَّة وهيمنة الإنجليز، الذين حقَّقوا نصرًا دبلوماسيًّا كبيرًا على الروس؛ لأن قرار فتح المضايق -الذي وُضِعَ ظاهريًّا في يد السلطان- هو في الحقيقة في يد الإنجليز الذين صاروا مهيمنين على سياسة الدولة، ومتحكِّمين في مسارها، ومدافعين عنها بجيشهم، وأسطولهم، وسياسيِّيهم.
في رأيي أن معاهدة لندن للمضايق كانت صورةً من صور الاحتلال «المـُقَنَّع»، ولم تكن استقلالًا قط للعثمانيِّين، وأنا أعتبر أن عام 1839م -وهو العام الذي بدأت فيه الجيوش الإنجليزيَّة تُدافع عن العثمانيين- هو عام احتلال بريطانيا للدولة العثمانية، مع إبقائهم «لشخصٍ» -أيًّا كان هذا الشخص- في مركز السلطان للقيام بالأعمال الإداريَّة، ولمنع الشعب من الثورة على الاحتلال الأجنبي. هذه صورةٌ متكرِّرةٌ في معظم صور الاحتلال في القرنين التاسع عشر والعشرين؛ حيث يحرص الاحتلال على وضع رمزٍ «وطنيٍّ» على قمَّة الدولة بدلًا من الحاكم العسكري الأجنبي، وهذا يُعطي سلاسةً أكبر في إدارة الدولة المحتلَّة، وبأقلِّ التكاليف!
تعتبر أحداث السنتين الأخيرتين (1839-1941م) تجسيدًا واضحًا للهيمنة الإنجليزيَّة شبه الكاملة على السياسة العالميَّة في القرن التاسع عشر، ومثالًا صارخًا لتوضيح «مكر» الساسة الإنجليز واستخدامهم لأساليب مبتكرةٍ لإخضاع الشعوب والقادة. تنوَّعت وسائلهم بين الترغيب والترهيب، وبين السياسة والحرب، وبين طاولات المفاوضات والأساطيل الحربيَّة، وبين الكذب كثيرًا، والصدق أحيانًا، وفي النهاية أخضعت بريطانيا لإرادتها فرنسا وروسيا، وكذلك النمسا وبروسيا، فضلًا عن الدولة العثمانية، ومصر. كان هذا «المكر» مدعومًا بالقوَّة العسكريَّة الجبَّارة، التي كانت تردع مَنْ عصا، كمحمد علي باشا، كما كان مدعومًا كذلك بالاقتصاد الإنجليزي القوي الذي فاق القوى العظمى الأخرى مجتمعةً في هذه الحقبة التاريخيَّة.
كلمة أخيرة ختاميَّة أقولها تعليقًا على الطريقة التي انتهت بها الأزمة بين الدولة العثمانية ومصر. إنَّني في الواقع في غاية الحزن من الحالة التي وصلت إليها الشعوب المسلمة في هذه المرحلة. لقد رأينا الشعب في مصر يثور على محمد علي في بدايات حكمه للدولة، ورأينا الأمر يتكرَّر في الشام، بل كانت الثورة الشعبيَّة في الشام هي إحدى الوسائل التي استخدمها العثمانيُّون والإنجليز في إقصاء الحكم المصري عن الشام. هل كانت هذه الثورات تعبيرًا عن صحوة الشعوب ورغبتها في الحياة الفاضلة؟ في الحقيقة لا! لقد كانت هذه الثورات -في رأيي- تعبيرًا عن غفلة الشعوب وجهلها، وتعبيرًا كذلك عن إصابتها بأدواءٍ فكريَّةٍ وعقديَّة تحتاج إلى أزمانٍ لعلاجها! ما الذي نقمت منه الشعوب على محمد علي باشا وأبنائه؟! إن غضبهم راجع إلى أمرين في الأساس؛ فَرْضِ الضرائب الكثيرة، والتجنيد الإجباري في الجيش. أمَّا الأمر الأوَّل فلأنه يحتاج إلى المال الغزير لإقامة المشاريع العملاقة التي تجعل الأمَّة تستعيد مكانتها المرموقة. إنه يبني الأسطول، ويؤسِّس الجيش الحديث ويُسَلِّحه بأحدث التقنيَّات، ويُنشئ المدارس والمعاهد العلميَّة، ويشقُّ التُّرع، ويُمهِّد الطرق، ويُقيم المصانع، ويُرسل البعثات، ويطبع الكتب.
هل يمكن أن يُقيم هذه النهضة بغير مال؟ هل الأفضل أن يفرض الضرائب الآن على الشعب ليتمكَّن من اللحاق بركب الأمم المتقدِّمة، أم يُنحِّي هذه المشاريع جانبًا ويعيش هو وشعبه على هامش التاريخ؟ أم يمد يده للأجانب ويقترض؟ إن محمد علي باشا استلم قيادة بلادٍ -مصر، والشام، والحجاز- تخلَّفت عن الدنيا على مدار ثلاثة قرونٍ كاملة من الحكم العثماني؛ حيث لم تكن تُمثِّل للدولة العثمانية إلا مصدرًا للخراج والثمار. هذه -للأسف- حقيقة! إن بناء مثل هذه البلاد يحتاج لأموالٍ طائلة، ولئن أُرْهِق الآباءُ الآن في دفع المال فإن الأبناء سيقتطفون الثمرة ناضجةً بعد سنين، هذا لو «فَهِمَ» الشعب هذه المعادلة. أمَّا الأمر الثاني الذي نقموا على محمد علي باشا فيه فهو التجنيد الإجباري! لقد كانت الشعوب لا تريد أن تدافع عن نفسها في هذه المرحلة التاريخيَّة التعيسة! كانت تريد من أيِّ زعيم أن يأتي بمجموعةٍ من المرتزقة أو المماليك ليُدافعوا عن البلد بينما هم يعيشون حياتهم «الآمنة» بعيدًا عن ساحات الوغى! في المقابل لا مانع عندهم من أن يأكل هذا المدافع عنهم نصف أرزاقهم أو ثلاثة أرباعها، كما كان يفعل المماليك قبل محمد علي باشا. لا يهمهم كذلك لو كان المـُدافع هذا شركسيًّا أم تركيًّا، چورچيًّا أم إفريقيًّا. لم تشترك هذه الشعوب في الدفاع عن نفسها على مدار ألف سنة وأكثر! كان للطولونيِّين جيشهم الذي لا يضمُّ مصريًّا ولا شاميًّا واحدًا؛ إنما كان «كلَّه» -بلا مبالغة- من المماليك «المستورَدين»! كذلك كان الإخشيديون، والعبيديون، والأيوبيون، والمماليك، ثم العثمانيون. هذه رحلةٌ طويلةٌ ممتدَّةٌ من القرن التاسع الميلادي إلى القرن التاسع عشر الميلادي (ألف سنة!).
الآن يطلب محمد علي باشا من الشعب أن يُدافع عن نفسه، وأولاده، وأمواله، ومستقبله، لكن الشعوب التي ألِفَت العبوديَّة رأت هذا الرأي «غريبًا» منه! طلبوا منه أن يُدَبِّر جنوده من خارج البلاد، كأن يأتي بهم مثلًا من ألبانيا أو السودان، فإن لم يستطع فليترك الأمر إلى الأتراك العثمانيين، وهو سيتولون الدفاع عن الدولة! إن هذا حقًّا هو المضحك المبكي! كانت الشعوب تخاف من «الحرِّيَّة»؛ لأن الحرِّيَّة غالية الثمن. يمكن أن يكون الثمن أموالًا، وأرواحًا، وجُهدًا مُضنيًا، والعبيد الكسالى لا يرغبون في دفع هذه الأثمان! هذه ليست قسوةً في الحكم على الشعوب؛ لأنهم رأوا الجيوش الإنجليزيَّة تحتلُّ بيروت، وعكا، وحيفا، وغيرها من المدن الإسلاميَّة، لتسحق الجيش المصري الذي يتألَّف «كلُّه» من مصريِّين مسلمين، وليس فيه مملوكٌ مستورَدٌ واحد، ومع ذلك استمرَّ الشعب في ثورته ضدَّ الجيش المصري داعمًا للقوَّات الإنجليزيَّة في سحقها للمشروع المسلم «الوحيد» الناضج في هذه المرحلة التاريخيَّة الصعبة.
ليس هذا -أيضًا- دفاعًا مطلقًا عن محمد علي باشا؛ لأن من المؤكد أن له ولأبنائه مخالفات وأخطاء، ولكنَّنا نشهد أنه لم يكن مترَفًا، ولم يكن يستخدم هذه الأموال المحصَّلة من الشعب في متعه الشخصيَّة؛ إنما كان جلُّها -إن لم يكن كلُّها- يوجَّه إلى مشاريع لم تعرفها البلاد على مدار قرون، بل لم تعرفها إسطنبول ذاتها، مع كلِّ الزَّخَم التاريخي الذي كانت تتمتَّع به هذه المدينة العريقة! كيف وصلت الشعوب إلى هذه الحالة من «الضمور» الفكري؟ الأسباب كثيرة، ولكن السبب الرئيس في رأيي هو نقص العلماء، أو عدم كفايتهم العلميَّة، أو عدم مشاركتهم للأمَّة في واقعها. عند توقُّف العلماء عن أداء دورهم الإرشادي ينبغي توقُّع الضلال للأمَّة. قال رسول الله ﷺ: «إِنَّ اللهَ لاَ يَقْبِضُ العِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنَ العِبَادِ، وَلَكِنْ يَقْبِضُ العِلْمَ بِقَبْضِ العُلَمَاءِ، حَتَّى إِذَا لَمْ يُبْقِ عَالِمًا اتَّخَذَ النَّاسُ رُءُوسًا جُهَّالًا، فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ، فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا»[39].
إن مقارنة محمد علي باشا بالسابقين الأولين من القادة والمجاهدين ستظلمه دون شك؛ لأن الزمن غير الزمن، وقد دخلت الأمَّة في مرحلةٍ عزَّ فيها الرجال الصادقون، ولكنَّ العدل هو أن نُقارنه بمَنْ عاصره من قادة المسلمين لنعرف قدره وقيمته؛ فهو قد عاش في ظروفهم نفسها، ولكنَّه تفوَّق عليهم تفوُّقًا لا يُنكره إلا جاحد. تفوَّق عليهم في مَلَكَات القيادة، وفي أمور الإدارة، وفي سموِّ الطموح، وفي رباطة الجأش، وفي عمق الرؤية، وفي صلابة المواقف. أحسب أنه لو وَجَدَ عونًا من بقيَّة المسلمين في الأمَّة لكان له، وللأمَّة، شأنٌ آخر. إنه ليس من فراغ أن تجتمع قُوى الأرض في زمانه على حربه، وعلى تقويض مشروعه! إن الإنجليز والروس والنمساويين أرادوا وأد نهضته ولو كان ذلك عن طريق نصرة العثمانيين؛ ألدِّ أعدائهم في التاريخ! إن هذا «الاتحاد» العالمي للوقوف في وجه محمد علي باشا لهو -في رأيي- أرفع الأوسمة التي وُضِعت على صدره[40].
[1] الشافعي، أبى عبد الله محمد بن إدريس: ديوان الإمام الشافعي، اعتنى به: عبد الرحمن المصطاوي، دار المعرفة، بيروت، الطبعة الثالثة، 2005م. صفحة 18.
[2] البخاري: كتاب الصلح، باب قول النبي ﷺ للحسن بن علي ب: «ابني هذا سيد ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين»، وقوله جل ذكره: «فأصلحوا بينهما» (2557) عن أبي بكرة t، وأبو داود (4662)، والترمذي (3773)، والنسائي (1718)، وأحمد (20408).
[3] سرهنك، إسماعيل: حقائق الأخبار عن دول البحار، المطابع الأميرية، بولاق، مصر، الطبعة الأولى، 1312هـ=1895م. صفحة 1/690.
[4] الرافعي، عبد الرحمن: عصر محمد علي، دار المعارف، القاهرة، الطبعة السادسة، 2001م. صفحة 288.
[5] فريد، محمد: تاريخ الدولة العلية العثمانية، تحقيق: إحسان حقي، دار النفائس، بيروت، الطبعة الأولى، 1401هـ=1981م. صفحة 192.
[6] الرافعي، 2001 الصفحات 285-289.
[7] صبري، محمد: تاريخ مصر الحديث من محمد علي إلى اليوم، مطبعة دار الكتب المصرية، القاهرة، الطبعة الأولى، 1926م. صفحة 74.
[8] الرافعي، 2001 صفحة 296.
[9] سامي، أمين: تقويم النيل، الهيئة العامة لقصور الثقافة، القاهرة، الطبعة الثالثة، 2009م. صفحة 2/501.
[10] فريد، 2005 الصفحات 192، 193.
[11] سامي، 2009 صفحة 2/501.
[12] فريد، محمد: البهجة التوفيقية في تاريخ مؤسس العائلة الخديوية، تحقيق: أحمد زكريا الشلق، دار الكتب والوثائق القومية، القاهرة، الطبعة الثانية، 1426هـ=2005م. الصفحات 193، 194.
[13] فريد، 1981 صفحة 458.
[14] فريد، 2005 صفحة 195.
[15] الرافعي، 2001 صفحة 290.
[16] فريد، 2005 صفحة 196.
[17] Hurewitz, J. C. (Editor): The Middle East and North Africa in World Politics: A Documentary Record, Compiled and Translated: J. C. Hurewitz, D. Van Nostrand Company, New York, USA, 1956., vol. 1, pp. 116-119.
[18] الرافعي، 2001 الصفحات 290، 291.
[19] فريد، 1981 صفحة 464.
[20] كامل، مصطفى: المسألة الشرقية، مطبعة الآداب، القاهرة، الطبعة الأولى، 1898م. الصفحات 98-100.
[21] فريد، 2005 الصفحات 201، 202.
[22] لوتسكي: تاريخ الأقطار العربية الحديث، ترجمة: عفيفة البستاني، دار الفارابي، بيروت، الطبعة الثامنة، 1985م. الصفحات 142، 143.
[23] بازيلي، قسطنطين ميخالوفيتش: سوريا ولبنان وفلسطين تحت الحكم التركي من الناحيتين السياسية والتاريخية، مراجعة: منذر جابر، ترجمة: يسر جابر، دار الحداثة للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، الطبعة الأولى، 1988م.صفحة 291.
[24] فريد، 1981 صفحة 463.
[25] بازيلي، 1988 صفحة 306.
[26] الرافعي، 2001 الصفحات 297، 300.
[27] Shaw, Stanford Jay & Shaw, Ezel Kural: History of the Ottoman Empire and Modern Turkey: Reform, Revolution and Republic: The Rise of Modern Turkey, 1808-1975, Volume II, Cambridge University Press, New York, USA, 1977., vol. 2, p. 57.
[28] الرافعي، 2001 صفحة 577.
[29] كامل، 1898 صفحة 100.
[30] فريد، 1981 صفحة 468.
[31] الرافعي، 2001 صفحة 288.
[32] السروجي، محمد محمود: الجيش المصري في القرن التاسع عشر، دار المعارف، القاهرة، 1967م.الصفحات 19-21.
[33] فريد، 1981 الصفحات 470-475.
[34] البخاري: كتاب الأدب، باب إذا لم تستح فاصنع ما شئت، (5769) عن أبي مسعود t، وأبو داود (4797)، وابن ماجه (4183)، وأحمد (17131).
[35] الشناوي، عبد العزيز محمد: الدولة العثمانية دولة إسلامية مفترى عليها، مكتبة الأنجلو المصرية، القاهرة، 1980م.صفحة 1/221.
[36] فريد، 1981 صفحة 476.
[37] أوزتونا، يلماز: تاريخ الدولة العثمانية، ترجمة: عدنان محمود سلمان، مراجعة وتنقيح: محمود الأنصاري، مؤسسة فيصل للتمويل، إستانبول، صفحة 2/40.
[38] Hurewitz, 1956, vol. 1, p. 123.
[39] البخاري: كتاب العلم، باب كيف يقبض العلم (100) عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما واللفظ له، ومسلم: كتاب العلم، باب رفع العلم وقبضه وظهور الجهل والفتن في آخر الزمان (2673).
[40] دكتور راغب السرجاني: قصة الدولة العثمانية من النشأة إلى السقوط، مكتبة الصفا للنشر والتوزيع، القاهرة، مصر، الطبعة الأولى، 1442هـ= 2021م، 2/ 1064- 1080.
لشراء كتاب قصة الدولة العثمانية من النشأة إلى السقوط يرجى الاتصال على الرقم التالي: 01116500111
التعليقات
إرسال تعليقك