التاريخ الإسلامي
دون تشويه أو تزوير
التاريخ الإسلامي يمتد منذ بداية الدعوة الإسلامية بعد نزول الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم تأسيس الدولة الإسلامية بالمدينة المنورة وحكم الخلفاء الراشدين، مرورًا بالدولة الأموية فالدولة العباسية بما تضمنته من إمارات ودول مثل السلاجقة والغزنوية في وسط آسيا والعراق وفي المغرب الأدارسة والمرابطين ثم الموحدين وأخيرًا في مصر الفاطميين والأيوبيين والمماليك ثم سيطرة الدولة العثمانية التي تعتبر آخر خلافة إسلامية على امتداد رقعة جغرافية واسعة، وهذه البوابة تعنى بتوثيق التاريخ من مصادره الصحيحة، بمنهجية علمية، وعرضه في صورة معاصرة دون تشويه أو تزوير، وتحليل أحداثه وربطها بالواقع، واستخراج السنن التي تسهم في بناء المستقبل.
ملخص المقال
يُعدُّ بركة خان أوَّل من أسلم من حكَّام التتار؛ ولذلك كان مغول الشمال سبَّاقين في دخول الإسلام عن بقيَّة الأسر التتاريَّة.
يُعدُّ أبو المعالي ناصر الدين بركة خان أوَّل من أسلم من حكَّام التتار؛ ولذلك كان مغول الشمال سبَّاقين في دخول الإسلام عن بقيَّة الأسر التتاريَّة، وكان قد أسلم عام 650هـ وهو عائدٌ من قرة قورم عاصمة دولة التتار الكبرى، فمرَّ على بخارى، والتقى بأحد العلماء فيها فأشهر إسلامه[1]، وتولَّى حكم دولة مغول الشمال عام 653هـ، وبإسلامه دخل الكثيرون من مغول الشمال في الإسلام، وكان شديد الحبِّ والحماسة للإسلام، فبايع الخليفة المستعصم في بغداد، وأتمَّ بناء مدينة سراي (مدينة سراتوف في روسيا الآن) عاصمة مغول الشمال، وبنى بها المساجد، وجعلها من أكبر مدن العالم في ذلك الوقت[2].
العداء بين بركة وهولاكو وغيرته على المسلمين:
زيَّن هولاكو لأخيه الخان الأعظم مانغو الهجومَ على بغداد، والسيطرة على ما بقي من بلاد المسلمين، فرحَّب مانغو بالفكرة، وجهَّز جيشًا لتنفيذها، وما إن وصل الخبر إلى بركة خان -وكان ذلك في عهد باتو- إلَّا والتهبت مشاعره، وألحَّ على أخيه باتو في منع الهجوم على المسلمين، وقال له: (إنَّنا نحن الذين أقمنا مانغو خانًا أعظم وما جازانا على ذلك، إلَّا أنَّه أراد أن يُكافئنا بالسوء في أصحابنا، ويخفر ذمَّتنا، ويتعرَّض إلى ممالك الخليفة، وهو صاحبي وبيني وبينه مكاتبات وعقود ومودَّة، وفي هذا ما لا يخفى من القبح والشناعة).
واقتنع باتو تمامًا بكلام أخيه، فبعث باتو إلى هولاكو يكفه عمَّا ينويه، فامتثل هولاكو لباتو، وأجَّل تنفيذ ما ينوي، حتى مات باتو فسار هولاكو، واحتلَّ قلاع فرقة الإسماعيليَّة الحشَّاشين الضالَّة، وأكمل طريقه إلى بغداد في الوقت الذي تسلَّم فيه بركة خان الحكم، فأراد بركة أن يُوقِف تقدُّم هولاكو، إلَّا أنَّ جنوده رفضوا معاونته؛ لأنَّهم بذلك يُخالفون ما وافق عليه الخان الأعظم، ولأنَّ أكثر الجنود ما زالوا على وثنيَّتهم، وما زالوا متأثِّرين بجنكيزخان.
فلم يجد بركة خان من طريقةٍ لمحاربة هولاكو إلَّا باختلاق الذرائع للحرب، فطالب بأعمال تبريز ومراغة، اللَّذين يدخلان ضمن حدوده، واعتبر تعدِّي جنود هولاكو عليها تعدِّيًا عليه، ومن جهةٍ أخرى طالب هولاكو بثلث الغنائم كما جرت العادة في عهد باتو، وبعث رسله بذلك إلى هولاكو، فاغتاظ هولاكو وقتل الرسل، بل وسيَّر جيشًا لمحاربة بركة خان، فانهزم جيش هولاكو شرَّ هزيمة في عام 660هـ، ثم عاود الهجوم على بركة خان في العام نفسه بقيادة قائده تاباي نويان، فانهزم جيش بركة بقيادة نوغاي، وأراد هولاكو أن يُجْهِزَ على بركة خان فأرسل جيشًا كبيرًا يُؤازر جيشه المنتصر بقيادة ابنه أباقا، فسار الجيش لملاقاة بركة خان، فخرج لهم بركة خان بنفسه على رأس الجيش، واستطاع أن يُلحق بجيش هولاكو هزيمةً منكرة عام 661هـ في القوقاز، وفرَّ ما بقي من جيش هولاكو مع ابنه أباقا.
التعاون مع المماليك:
كثرت المراسلات والاتصالات بين بيبرس وبركة خان؛ حيث حثَّه بيبرسُ على قتال هولاكو، ولفت نظره إلى أنَّ الإسلام يُوجِب عليه قتال أعداء الدين حتى لو كانوا أهله وعشيرته، وبالفعل ساعد بركة خان بيبرس في قتال هولاكو، وفي الوقت نفسه كان يحارب هولاكو مباشرة؛ ليُخفِّف من وطأته على المماليك[3].
محاولات بركة خان لزعزعة وحدة التتار الوثنيِّين:
لم يكتفِ بركة خان بمناصرة المسلمين ومحاربة أبناء جلدته في سبيل الله؛ بل عَمِل على إضعاف دولة التتار الوثنيَّة وتفتيت كلمتها[4]؛ لتتوفَّر له فرصة السيطرة عليها وإدخالها في الإسلام، فاستغلَّ خروج الخان الأعظم مانغو لقتال بعض الخارجين عليه ومعه أخوه قبلاي، وكان قد ترك أخاه أرتق بوكا مكانه لحين عودته، فاستغلَّ بركة خان موت مانغو في الطريق لإثارة الفتنة بين أرتق بوكا وقبلاي؛ حيث اتَّفق الجند والأمراء على تولية قبلاي، بينما بعث بركة خان إلى أرتق بوكا قوَّةً لمنازعة أخيه قبلاي على الخانيَّة العظمى، وحرَّض -أيضًا- أسرة أوغطاي على مساعدة أرتق بوكا، ووقعت الحرب بينهما عام 658هـ، واستمرَّت عدَّة سنوات، واضطرَّ هولاكو إلى ترك الحروب في الشام، وعاد إلى قرة قورم وتدخَّل لإنهاء الحرب، فأنهاها ونصب أخاه قبلاي خانًا أعظم بعد أن أخضع أسرة أوغطاي، وفي ذلك الوقت حثَّ بركة خان الكثير من جنود هولاكو في الشام على الانضمام إلى جيش بيبرس والدخول في الإسلام، وأطاعه الكثيرون وتحوَّلوا إلى حرب هولاكو، فاشتدَّ الغيظ والحقد في قلب هولاكو لما سبَّبه بركة من متاعب، حتى أُصيب بالصرع ومات عام 663هـ، وورث أباقا ابن هولاكو الحقد على بركة خان، فسار لمحاربته، إلَّا أنَّ نوغاي قائد جيش بركة قد صدَّ الهجوم، فعاود أباقا الكَرَّة واستطاع أن ينتصر على جيش بركة، وأصيب نوغاي في هذه المعركة بسهمٍ في عينه، وقد كانت له مكانةٌ خاصَّةٌ عند بركة لإسلامه معه، فسار بركة خان بنفسه لقتال أباقا، ولكنَّه تُوفِّي في الطريق عام 665هـ.
[1] ابن خلدون: التاريخ 5/603.
[2] بدر الدين العيني: عقد الجمان في تاريخ أهل الزمان، 1/90.
[3] محمود شاكر: التاريخ الإسلامي 7/137.
[4] محمود شاكر: التاريخ الإسلامي، 7/146.
التعليقات
إرسال تعليقك