التاريخ الإسلامي
دون تشويه أو تزوير
التاريخ الإسلامي يمتد منذ بداية الدعوة الإسلامية بعد نزول الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم تأسيس الدولة الإسلامية بالمدينة المنورة وحكم الخلفاء الراشدين، مرورًا بالدولة الأموية فالدولة العباسية بما تضمنته من إمارات ودول مثل السلاجقة والغزنوية في وسط آسيا والعراق وفي المغرب الأدارسة والمرابطين ثم الموحدين وأخيرًا في مصر الفاطميين والأيوبيين والمماليك ثم سيطرة الدولة العثمانية التي تعتبر آخر خلافة إسلامية على امتداد رقعة جغرافية واسعة، وهذه البوابة تعنى بتوثيق التاريخ من مصادره الصحيحة، بمنهجية علمية، وعرضه في صورة معاصرة دون تشويه أو تزوير، وتحليل أحداثه وربطها بالواقع، واستخراج السنن التي تسهم في بناء المستقبل.
ملخص المقال
كان السلطان العثماني مراد الثاني هو الحاكم السادس للدولة العثمانية، ويُعدُ من الحكام المتميِّزين الذين ساعدوا في استقرار وضع الدولة العثمانية.
عاد مراد الثاني إلى قصر حكمه في أدرنة نشيطًا متحمِّسًا، وبدأ في دراسة الملفَّات الكثيرة التي فُتِحت في العامين السابقين، وتعامل معها بجدِّيَّةٍ عظيمةٍ أنبأت عن قدراته القياديَّة والإداريَّة الكبيرة.
وَجَد السلطان مراد الثاني أنَّ أخطر الملفَّات التي تواجه الدولة العثمانية آنذاك كان الملف اليوناني؛ فالأمير قُسطنطين توسَّع في الأراضي العثمانيَّة، وأجبر بعض أتباعها على دفع الجزية له، وهو قريبٌ من أدرنة العاصمة العثمانيَّة، وإمكانات تعاونه مع الأساطيل الأوروبِّيَّة واردةٌ ممَّا قد يُهدِّد قلب الدولة العثمانيَّة، ولهذا آثر أن يُعطي هذه المسألة أولويَّة كبرى وحاسمة، ولذلك سعى إلى تسكين الجبهات الأخرى حتى يتفرَّغ كليَّةً لهذا الأمر. بدأ السلطان عمله بقبول تأكيد معاهدة السلام المبرَمة مع البندقيَّة، التي وقَّعها ابنه السلطان محمد الثاني منذ فبراير 1446م. تمَّت هذه الموافقة في 25 أكتوبر من العام نفسه[1]؛ أي بعد شهرٍ تقريبًا من عودة السلطان مراد الثاني للحكم، وكان السلطان مراد الثاني مطمئنًّا كذلك إلى الجبهة الصربيَّة؛ فالذي يحكم صربيا الآن هو أبو زوجته مارا، الزعيم الصربي برانكوڤيتش، الذي أبدى نزعةً سلميَّةً واضحةً في العامين الماضيين؛ حيث لم يشترك أصلًا في موقعة ڤارنا[2]، وآثر عدم التعاون مع المجر بعد ذلك.
في الوقت نفسه، وفور عودة السلطان مراد الثاني إلى الحكم، تقدَّم ڤلاد الثاني (دراكول) أمير الإفلاق بطلب عقد معاهدة سلامٍ وتبعيَّةٍ جديدةٍ مع الدولة العثمانيَّة، بل عرض إعادة بعض اللاجئين البلغار الذين لجئُوا إلى إمارته في وقت حربها مع العثمانيِّين، وعلى الرغم من فداحة الجرم الذي فعله ڤلاد الثاني قبل ذلك مع الدولة العثمانيَّة، فإنَّ السلطان مرادًا قَبِل عقد هذه المعاهدة[3] ليُعطي نفسه الفرصة للتوجُّه جنوبًا ناحية اليونان، وذلك بعد سكون الجبهة الشماليَّة (الإفلاق)، والجبهة الشماليَّة الغربيَّة (البندقيَّة وصربيا).
هكذا صار السلطان مراد الثاني متفرِّغًا لمسألة اليونان، ومع أنَّ الشتاء كان قد دخل، وكان من عادة الجيوش ألَّا تُقاتل في ذلك الوقت خوفًا من الأحوال الجويَّة السيِّئة، فإنَّ السلطان مرادًا الثاني لم يُؤخِّر الأمر؛ إنَّما تحرَّك من فوره على رأس جيشٍ يتراوح بين خمسين ألف مقاتل وستِّين ألفًا، فوصل إلى حائط هيكسامِليون Hexamillion Wall في 27 نوفمبر 1446م[4]، وحائط هيكسامِليون هو حائطٌ يمتدُّ على طول ستَّة أميال (ومن هنا جاء اسم هيكسا، التي تعني باليونانية ستَّة)، وهو مبنيٌّ على مضيق كورينث Isthmus of Corinth منذ عام 1415م، والذي بناه هو الإمبراطور مانويل الثاني، وهو أبو الإمبراطور چون الثامن إمبراطور الدولة البيزنطيَّة الآن، وقُسطنطين أمير المورة[5]، وكان قُسطنطين قد قَوَّى هذا الحائط ودَعَّمه، وهو يمنع تمامًا المرور من الأراضي الأساسيَّة لليونان إلى شبه جزيرة المورة، وبذلك لا يُمكن للجيوش البرِّيَّة أن تقتحم شبه جزيرة المورة، ممَّا يُعطيها حصانةً كبيرة.
كان مراد الثاني يحمل معه عدَّة مدافع تقصِف بالبارود، وهو ما لم يكن تقليديًّا في هذا العصر؛ فقد كان استعمال البارود في المعارك نادرًا، ولم يكن الحائط الشهير معدًّا لمقاومة البارود، فلمَّا قُصِف مرارًا تداعى من جرَّاء النيران، وتمكَّن العثمانيُّون من إحداث ثقبٍ كبيرٍ في الحائط في 10 ديسمبر 1446م، أي بعد أقل من أسبوعين من القصف[6].
تسلَّل الجيش العثماني من الثقب إلى شبه جزيرة المورة، وهو ما لم يكن متوقَّعًا من قُسطنطين، ومِنْ ثَمَّ أُخذ بالمفاجأة، وحقَّق الجيش العثماني نصرًا كبيرًا في أكثر من منطقةٍ في المورة، ودون الدخول في تفصيلات هذه المعارك المتعدِّدة يُمكن أن ننظر إلى نتائج هذه العمليَّة العسكريَّة الرائعة لنُدرك حجم النجاح الذي حقَّقه السلطان مراد الثاني في هذه الحملة:
1. استردَّ مراد الثاني كلَّ الأراضي التي كان قُسطنطين قد أخذها في العامين السابقين[7].
2. تمَّ تدمير أجزاء أخرى من حائط هيكسامِليون بحيث لا يُصبح عائقًا أمام الجيوش العثمانيَّة بعد ذلك[8].
3. حصل الجيش العثماني على كميَّةٍ كبيرةٍ من الغنائم، إلى درجة أنَّ الجنود كانوا يضطرُّون إلى الاختيار بين الغنائم لكثرتها حيث لم يتمكَّنوا من حملها كلِّها[9]!
4. عدد الأسرى اليونانيِّين غير متخيَّل! إذ أجمعت المصادر على أنَّه تجاوز الستِّين ألف أسير[10][11][12][13]!
5. عاد حاكم أثينا الفلورنسي نيرو الثاني Neiro II إلى تبعيَّة الدولة العثمانيَّة[14].
6. الأهم من كلِّ ما سبق هو إقرار قُسطنطين وأخيه تُوماس Thomas Palaiologos، بالتبعيَّة للدولة العثمانيَّة، ودفع الجزية وخراج الأرض[15]، ممَّا يعني ضم أهم أجزاء اليونان، وهو الجزء الجنوبي الواقع على سواحل بحر إيجة والبحر المتوسط، إلى الدولة العثمانيَّة، وهو نصرٌ استراتيجيٌّ كبير، وذلك من ناحيتين: الأولى أنَّه أرغم واحدًا من أشد أعداء الدولة العثمانيَّة وأعنفهم في حربها على الركون والسكون إلى السلطان العثماني، وهذا أضعف النفسيَّة اليونانيَّة على وجه الخصوص، والأوروبِّيَّة على وجه العموم، والثانية أنَّ هذا النصر سيُعطي طريقًا عثمانيًّا إلى موانئ شبه جزيرة المورة، والمملوكة في معظمها لجمهوريَّة البندقيَّة، وهذا قد يُمثِّل ورقة ضغطٍ على البنادقة، خاصَّةً أنَّ نقضهم للعهد في ڤارنا لم يمر عليه إلَّا عامان فقط.
لقد كانت الحملة ناجحةً بكلِّ المقاييس، ولقد كان الضغط العصبي الذي تعرَّض له البيزنطيُّون فوق العادة، وبلغ شلل التفكير بالإمبراطور البيزنطي چون الثامن إلى الدرجة التي منعته من مساعدة أخيه قُسطنطين على هذه الأزمة[16]، مع أنَّه إذا أخرج جيشًا من القسطنطينية كان من الممكن أن يحصر جيوش مراد الثاني بينه وبين جيش المورة اليوناني، ولكن كان من الواضح أنَّ الدولة البيزنطيَّة تقضي أيَّامها الأخيرة.
***
بعد الحملة الناجحة على اليونان، وبعد تسكين الجبهات الشماليَّة والشماليَّة الغربيَّة، صار الهمُّ الأكبر لمراد الثاني هو إخضاع ألبانيا لسيطرة الدولة العثمانيَّة؛ فالتمرُّد الذي قام به إسكندر بك منذ عام 1443م ما زال مستمرًّا، بل تعرَّض الجيش العثماني لهزيمةٍ من الألبان في فترة حكم محمد الثاني، وهناك بوادر توسُّع للألبان في مقدونيا، ويبدو أنَّ الأوروبِّيِّين بعد حملة مراد الثاني على اليونان قد فَقَدوا الأمل في التعاون مع البيزنطيِّين على الدولة العثمانيَّة، ولهذا صارت آمالهم معلَّقةً برموزٍ مقاوِمَةٍ أخرى، وكان من أبرزهم إسكندر بك.
لكن يبدو أنَّ مرادًا الثاني لم يكن يثق بإمكانات الدولة العسكريَّة التي تُمكِّنه من عبور البلقان كلِّه والوصول في عمليَّةٍ عسكريَّةٍ ناجحةٍ إلى ألبانيا، أو أنَّه رأى أنَّ هناك اضطرابًا في الأنظمة الإداريَّة للدولة نتيجة الخلافات الحزبيَّة التي نشأت في فترة حكم محمد الثاني، أو أنَّه رأى أنَّ جيشه قد أُرهِق جدًّا في عمليَّة غزو اليونان، أو أنَّه كان قلقًا من أيِّ تطوُّراتٍ سياسيَّةٍ أو عسكريَّةٍ من مملكة المجر بعد تعيين چون هونيادي حاكمًا لها، أو كل هذه الأمور مجتمعة. خلاصة الأمر أنَّه نتيجةٌ لهذه العوامل قرَّر أن يتفرَّغ في عام 1447م للإعداد الداخلي والخارجي؛ حتى يتمكَّن في العام المقبل من فتح ملفِّ ألبانيا وهو في ظروفٍ أفضل، لذلك لن نجد في هذا العام حملاتٍ عسكريَّة، ولا صداماتٍ مع القوى المجاورة للدولة العثمانيَّة، ويبدو أنَّ هذه القوى هي الأخرى كانت تترقَّب الأحداث، وتُحاول أن تستكشف ردود الفعل لعودة السلطان مراد الثاني إلى الحكم.
أحد الأحداث المهمَّة في عام 1447م هو موت البابا أوچين الرابع في فبراير، ثم انتخاب البابا الجديد نيكولاس الخامس Nicholas V في مارس[17]، وكان هذا البابا مهتمًّا بأمور النهضة والعلوم والفنون أكثر من اهتمامه بالسياسة، حتى عند الدخول في المسائل السياسيَّة فإنَّه كان محبًّا لعدم المواجهة، وكان ماهرًا بأمور التفاوض والنقاش أكثر من الحرب والصدام[18]، وهذا كله ولا شَكَّ كان أفضل للدولة العثمانيَّة، بل أرى أنَّ الله عز وجل كان يُمهِّد لأمرٍ كبير؛ فولاية هذا البابا ستمتدُّ إلى 1455م، ممَّا يعني أنَّ بداية عهد حكم محمد الثاني للدولة العثمانيَّة في عام 1451م وفتحه للقسطنطينية عام 1453م، سيكون في فترة هذا البابا، وهذه الميول السلميَّة التي عنده قد تُفسِّر عدم تفاعل أوروبَّا الغربيَّة بدرجةٍ مناسبةٍ مع الحدث المزلزل المتمثَّل في فتح القسطنطينيَّة وانهيار الدولة البيزنطية.
ودعمًا لهذا المعنى يذكر المؤرِّخ الألماني بابينجر أنَّ الحاكم المجري چون هونيادي أرسل سفيرًا مرَّتين إلى البابا الجديد بعد ولايته طالبًا دعمه في حربٍ للدولة العثمانيَّة، ولكنَّه لم يحصل منه إلَّا على وعودٍ غامضةٍ مبهمة، ممَّا عطَّل چون هونيادي عن القيام بحملةٍ صليبيَّةٍ على المسلمين، وسوف يتأجَّل مشروعه العسكري عامًا كاملًا، أي سيكون في 1448م؛ وذلك بسبب عدم حماسة البابا للحرب[19].
مع أنَّ چون هونيادي لم يجد ما يُريده عند البابا الجديد فإنَّ نفسيَّته لم تهدأ؛ فمسألة الانتقام من مراد الثاني ودولته صارت الشغل الشاغل له، كما صارت أولويَّته الأولى على الرغم من وجود مشاكل داخليَّة وخارجيَّة كثيرة لمملكة المجر، وهذه النفسيَّة دفعته في أواخر نوفمبر 1447م إلى غزو إمارة الإفلاق (جنوب رومانيا) بجيشه ممَّا أدَّى إلى فرار أميرها ڤلاد الثاني، الذي كان قد عاد لدفع الجزية إلى الدولة العثمانيَّة، ووضع چون هونيادي على رأس الإمارة أميرًا تابعًا له هو ڤلاديسلاڤ الثاني Vladislav II، وهو يُعْرَف كذلك باسم دان Dan، ثم تتبَّع جنوده ڤلاد الثاني وقاموا بقتله؛ لتعاونه مع الدولة العثمانيَّة، وهكذا صارت إمارة الإفلاق تابعةً للمجر في هذه المرحلة[20].
لم يستطع مراد الثاني أن يفعل شيئًا في هذا التوقيت لسببين؛ أمَّا الأوَّل فهو أنَّ هذه الأحداث تمَّت في فصل الشتاء، وسيكون صعبًا جدًّا على جيوشه أن تتَّجه إلى هذه المناطق الشماليَّة الباردة؛ حيث يُمكن أن تكون خسارته في ثلوجها كبيرة، والسبب الثاني هو أنَّه كان مشغولًا بملفِّ ألبانيا، ولا يُريد أن يُشتِّت قوَّاته بين الشمال والغرب، وحيث إنَّ الإفلاق كانت مجرَّد إمارةٍ تابعة، ولم تكن جزءًا أصيلًا في الدولة العثمانيَّة، بعكس ألبانيا، صارت قضيَّة ألبانيا بالنسبة إليه أولى، وهذا رأيٌ صائب.
هذه هي أحداث عام 1447م المهمَّة، ولم نسمع عن أحداثٍ خاصَّة في حياة محمد الثاني في هذه السنة، اللهمَّ إلَّا من حادثٍ واحدٍ سعيد، وهو ولادة أوَّل أبنائه «بايزيد»، وكان هذا في ديسمبر 1447م[21]، أو أوَّل يناير 1448م[22]، وسيُصبح بايزيد لاحقًا سلطانًا للدولة العثمانيَّة في الفترة من 1481 إلى 1512م، وسيُلقَّب حينها باسم «بايزيد الثاني»، واللافت للنظر أنَّه وُلِد في بلدةٍ اسمها ديموتيكا Demotika[23]، وهي بلدةٌ يونانيَّةٌ الآن تقع على بُعْد خمسةٍ وثلاثين كيلو مترًا فقط جنوب أدرنة التركيَّة، وهذا يعني أنَّ محمدًا الثاني كان قد انتقل من مانيسا الأناضوليَّة للحياة في هذه البلدة القريبة من العاصمة في وقتٍ ما من عام 1447م، ولعلَّ هذا كان بقصد أن يكون قريبًا من السلطان مراد الثاني لتدريبه على بعض الأمور، أو لإشراكه في الإعداد للخطوات العسكريَّة المزمع القيام بها في عام 1448م، ومع ذلك فقد عاد محمد الثاني إلى مانيسا بعد ولادة بايزيد، لأنَّنا سنراه يأتي بعد ذلك بقليلٍ من مانيسا قائدًا للجيش العثماني المرابط في الأناضول.
***
إذا كان عام 1447م تميَّز بالهدوء وقلَّة الأحداث الكبرى فإنَّ عام 1448م كان على العكس من ذلك تمامًا؛ إذ شهد حملتين كبيرتين من الحملات العسكريَّة الهمايونيَّة؛ حيث كانت الأولى على إسكندر بك في ألبانيا، وكانت الثانية على چون هونيادي في كوسوڤو Kosovo، وكان محمد الثاني مشاركًا لأبيه في الحملتين، وهذا هو أوَّل خروجٍ عسكريٍّ له.
كان التمرُّد الذي قام به إسكندر بك في ألبانيا هو أحد أخطر الانشقاقات التي حدثت في الدولة العثمانيَّة في كلِّ تاريخها؛ فقد بدأ في عام 1443م، وسيستمرُّ لمدَّة خمسٍ وثلاثين سنةً كاملةً بعد أن يستنزف الكثير من طاقات الدولة، والأخطر أنَّ قائد هذا التمرُّد -وهو إسكندر بك- كان مسلمًا ثم ارتدَّ إلى النصرانيَّة، ومِنْ ثَمَّ وَجَد الدعم من أوروبَّا الغربيَّة، وصار شوكةً كبيرةً في حلق الدولة العثمانيَّة، ولم يقف طموحه عند ألبانيا؛ إنَّما توسَّع شرقًا حيث احتلَّ في عام 1444م قلعة سڤيتيجراد Svetigrad (تقع الآن في قرية كودزادزيك Kodžadžik المقدونيَّة)[24]، وهي قلعةٌ مهمَّةٌ للغاية؛ إذ تقع تقريبًا على الحدود بين مقدونيا وألبانيا، ويفصل بينها ومدينة كرويه Krujë الألبانيَّة -وهي العاصمة آنذاك- سبعون كيلو مترًا فقط، وبذلك تُعَدُّ هذه القلعة هي المدخل إلى ألبانيا، كما أنَّها نقطة الانطلاق إن أراد إسكندر بك أن يتوسَّع في مقدونيا أو ما بعدها من الأراضي العثمانيَّة.
بالإضافة إلى هذه الخطورة فإنَّ إسكندر بك كان متعاونًا مع قادة الغرب المعادين للدولة العثمانيَّة، فكان يُراسل چون هونيادي حاكم المجر، وألفونسو الخامس Alfonso V ملك أراجون Aragon ونابولي Naples، وكذلك البابا في روما، ومع أنَّه كان في عداءٍ مع البندقيَّة لاختلافه معها على ملكيَّة بعض المدن في شمال ألبانيا، فإنَّ إمكانيَّة التعاون معها واردة؛ خاصَّةً إذا ما توسَّط البابا في ذلك، وخاصَّةً أيضًا إذا عرفنا أنَّ البندقيَّة كانت داعمةً له في بداية تمرُّده.
إذا أضفنا إلى هذه الخلفيَّة إيقاعه هزيمةً كبيرةً بالجيش العثماني بالقرب من جبل موكرا المقدوني عام 1445م -أي في فترة حكم محمد الثاني المؤقَّتة- أدركنا أنَّ اهتمام مراد الثاني بأمر إسكندر بك سيكون كبيرًا.
كان القرار هو إخراج حملة همايونيَّة -أي بقيادة السلطان نفسه- إلى ألبانيا، وقد بلغ تعداد الجيش العثماني في بعض التقديرات حوالي مائةٍ وسبعين ألف مقاتل، وإن كان الأصوب أنَّه حوالي ثمانين ألف مقاتل[25]، وهو في كلِّ الأحوال رقمٌ كبيرٌ حيث إنَّ جيوش إسكندر بك كانت حوالي ثمانية آلاف جنديٍّ فقط في المجمل[26]، وإن كانت تزيد أحيانًا عن ذلك عندما يقوم بتجنيد الأفراد العاديِّين من الشعب، أو يتلقَّى المساعدات العسكريَّة من إحدى الدول الأوروبِّيَّة.
استدعى السلطان مراد الثاني ابنه محمدًا الثاني من مانيسا ليشترك في الحملة[27]، وكان هذا على الأغلب في شهر أبريل؛ لأنَّنا شاهدنا الجيش العثماني في ألبانيا في منتصف شهر مايو، وحيث إنَّ المسافة بين أدرنة وألبانيا تزيد على خمسمائة كيلو متر فإنَّ تحرُّك الجيش من أدرنة يكون في منتصف أبريل تقريبًا، أو بعد ذلك بقليل.
كانت وجهة السلطان مراد الثاني هي قلعة سڤيتيجراد، البوابة الشرقيَّة لألبانيا، وقد وصل إليها بالفعل، وضرب حولها الحصار، بدايةً من 14 مايو 1448م[28].
تزامن مع قدوم الجيش العثماني إلى ألبانيا حدوث حروبٍ أخرى بين الجيش الألباني بقيادة إسكندر بك وجيش البندقيَّة، في شمال ألبانيا، وكانت هذه الحروب قد بدأت في ديسمبر 1447م، وما زالت مستمرَّةً حتى قدوم الجيش العثماني[29]، ومعنى هذا أنَّ قوَّات إسكندر بك كانت موزَّعةً بين الشمال لقتال البنادقة، والشرق لقتال العثمانيِّين، وهذا ولا شَكَّ أعطى فرصةً جيِّدةً للجيش العثماني، ومع ذلك كانت القوَّات الألبانيَّة تستعمل طريقة حرب العصابات، ولا تُواجه الجيوش البندقيَّة أو العثمانية بشكلٍ مباشر، ممَّا أعطاها قدرةً فائقةً على استمرار القتال[30]، آخذين في الاعتبار الطبيعة الجبليَّة في هذه المناطق، وقدرة الألبان على التحرُّك في طرقها الوعرة، ودرايتهم بخباياها، بالإضافة إلى الروح الدينيَّة العالية التي كان يبثُّها إسكندر بك في الشعب، الذي كان كلُّه من النصارى في ذلك الوقت.
كان من الواضح أنَّ جمهوريَّة البندقيَّة تُعاني من ضغط إسكندر بك عليها، وهذا ما دفعها إلى محاولة التعاون مع العثمانيِّين عليه؛ حيث أرسلت أحد مبعوثيها في 27 يونيو 1448م إلى السلطان مراد الثاني أثناء حصاره لسڤيتيجراد لإقناعه بغزو ألبانيا بجيشه[31]، ولكن السلطان رفض لخوفه من ترك القلعة الحصينة وراء ظهره ممَّا قد يحصره في داخل ألبانيا[32].
استمرَّ الحصار للقلعة على الرغم من المعاناة من الطرفين العثماني والألباني، وفي يوم 23 يوليو 1448م وصلت الأنباء بحدوث هزيمةٍ كبيرةٍ لجيش البندقيَّة على يد جيش إسكندر بك عند نهر درين Drin River، فَقَدَ فيها البنادقةُ ألفين وخمسمائة قتيلٍ غير الأسرى[33].
كان قد مرَّ على حصار قلعة سڤيتيجراد أكثر من شهرين حتى هذه اللحظة، وكان من المتوقَّع أن ترفع أخبار هزيمة البندقيَّة معنويَّات الحامية الألبانيَّة المرابطة داخل القلعة، وخاصَّةً أنَّ الأنباء قد وصلت بأنَّ إسكندر بك قد ترك حاميةً عند مكان انتصاره على البندقيَّة وتحرَّك بجيشه في اتِّجاه الجيش العثماني[34]، ومع ذلك فمِنْ قَدَر الله ولطفه بالمسلمين اكتشف المسلمون مصدر تموين القلعة بالمياه، فقطعوا هذا الإمداد المائي عن القلعة ممَّا أجبر الحامية الألبانيَّة على طلب التسليم[35]. عرضت الحامية أن تخرج من القلعة دون قتالٍ على أن يتركها الجيش العثماني تعود آمنةً إلى إسكندر بك داخل ألبانيا، فوافق السلطان مراد الثاني، وخرجت الحامية بكاملها في يوم 31 يوليو 1448م، ووفَّى السلطان بوعده فلم يتعرَّض بأذًى لأيِّ فردٍ من أفرادها، وتسلَّم المسلمون القلعة[36].
كان نصرًا عظيمًا بعد حصار شهرين ونصف، وكانت تجربةً إيجابيَّةً للأمير الصغير محمد الثاني، أعطته الكثير من الأفكار عن وسائل الحصار، وطرق التفاوض، وآليَّات جمع المعلومات، وأمور أخرى كثيرة لا يُمكن تحصيلها من القراءة النظريَّة، أو التعليم الأكاديمي؛ إنَّما تُحَصَّل فقط في الميادين العمليَّة، ولا شَكَّ أنَّ هذا كلَّه سيُضيف إلى خبراته بالصورة التي تجعله بعد ذلك مؤهَّلًا لقيادة أمثال هذا الحصار بمفرده.
ويبدو أنَّ مرادًا الثاني وَجَد نفسه قد مَكَثَ أكثر من حساباته في هذا الحصار، وقد ترك عاصمته لمدَّةٍ تزيد عن ثلاثة شهور، ولهذا فقد آثر الرجوع دون إكمال المهمَّة بغزو ألبانيا، ودون الالتقاء المباشر مع إسكندر بك، خاصَّةً أنَّ القائد الألباني كانت منتشيًا بنصره على البندقيَّة، وصار البنادقة متردِّدين جدًّا في إكمال القتال ضدَّه[37].
عاد السلطان مراد الثاني إلى أدرنة فورًا بعد تسليم القلعة، وترك الحامية العثمانيَّة مع أحد قادته اسمه مصطفى باشا، الذي يبدو أنَّه استُدْرِج لمعركةٍ عسكريَّةٍ ضدَّ إسكندر بك، فكان الصدام عند مدينة أورانيك Oranik، وهي تقع الآن عند مدينة ديبار Debar المقدونيَّة على مسافة عشرة كيلو مترات تقريبًا شمال قلعة سڤيتيجراد، وللأسف فقد أوقع إسكندر بك هزيمةً كبيرةً بالجيش العثماني[38]، وفَقَدَ العثمانيُّون في المعركة ثلاثة آلاف جندي، ووقع قائدهم مصطفى باشا في الأسر، ثم أُطْلِقَ سراحه نظير فدية[39].
كانت الهزيمة قاسية، وأفقدت الحملة بريقها، ومع ذلك فإنَّ قلعة سڤيتيجراد ظلَّت مع الدولة العثمانيَّة، ولم يستطع إسكندر بك أن يستردَّها، ومِنْ ثَمَّ صارت نقطة انطلاقٍ يُمكن للدولة العثمانيَّة أن تُحاول في السنوات القادمة أن تغزو ألبانيا منها.
شعرت البندقيَّة أنَّ الأمور ستتطوَّر في صالح إسكندر بك بصورةٍ أكبر، خاصَّةً بعد الهزيمة التي أوقعها بالجيش العثماني عند أورانيك، ورأت أنَّها من المحتمل أن تفقد مدنًا أهم في شمال ألبانيا، فتقدَّمت بطلبٍ للسلام مع إسكندر بك، وبعد مفاوضاتٍ قَبِلَ القائدُ الألباني طلب البندقيَّة، في مقابل أن تدفع له البندقيَّة ألفًا وأربعمائة دوكا (عملة البندقيَّة الذهبيَّة) سنويًّا، مع بعض التسهيلات التجاريَّة لألبانيا، ووُقِّعَت هذه المعاهدة في أكتوبر 1448م[40].
كان النصر كبيرًا للألبان من أكثر من جهة؛ ففوق المصالح الاقتصادية المتحقَّقة، فإنَّ إسكندر بك قد اطمئنَّ إلى الجبهة الشماليَّة لألبانيا، ومِنْ ثَمَّ صار متفرِّغًا بالكلِّيَّة لحرب العثمانيِّين، وبالإضافة إلى ذلك فإنَّه سيحصل على دعم البندقيَّة مستقبلًا في حربه للدولة العثمانيَّة، ممَّا سيكون له أثرٌ واضحٌ في استمرار تمرُّده.
هكذا كانت الحملة الهمايونيَّة على ألبانيا خليطًا من المكاسب والخسائر؛ فعلى الرغم من تمكُّن العثمانيِّين من السيطرة على نقطةٍ متقدِّمةٍ في مقدونيا على مقربةٍ من حدود ألبانيا -أعني قلعة سڤيتيجراد- فإنَّ تعرُّض الجيش العثماني هناك لخسائر في معركة أورانيك واستتباب الأمر لصالح إسكندر بك في صراعه مع البنادقة، رَفَع أسهم القائد الألباني، وشحن الروح المعنويَّة للألبان، وهذا سيكون له مردودٌ مهمٌّ في المستقبل لهذه المنطقة.
لم يكد السلطان مراد الثاني يستريح في أدرنة من الحملة المرهقة حتى أتته الأخبار فورًا بتصعيدٍ جديدٍ في الجبهة الغربيَّة أيضًا، ولكن مع عدوٍّ جديدٍ غير إسكندر بك، وهو چون هونيادي حاكم المجر!
إنَّ الأولويَّة الكُبرى عِند چون هونيادي في هَذه المرحلة كانتِ الانتقام من الدولة العُثمانيَّة وسلطانها مراد الثاني، وكان الهدف النهائي الذي أعلنه هونيادي في رسائله إلى البابا وملوك أوروبا هو «طرد العدو من أوروبا كلها»[41]، كذلك أنه قَتَل ڤلاد الثاني أمير الإفلاق في آخر عام 1447م ووضع مكانه أميرًا تابعًا له هو ڤلاديسلاڤ الثاني، ثم ها هو الآن، أواخر صيف 1448م يسعى لحملة صليبية جديدة على الدولة العُثمانيَّة تهدف إلى إخراجها من البلقان كله.
كان چون هونيادي يعلم أن صِدامًا مع الجيش العثماني الكبير سيكون أمرًا صعبًا على جيشه منفردًا، ولذلك سعى بكل طاقته لاستنفار زعماء أوروبا لمساعدته على هذه المُهمَّة، ولقد جاءت ردود الفعل متفاوتة بشكل كبير! وإن كانت في المجمل سلبيَّة على غير ما توقَّع هونيادي!
جاء رد فعل البابا صريحًا بالرفض إذ رأى تأجيل الحملة، ومن ثم لم يشارك، ولم يدعُ أحدًا للمشاركة[42]، وكذلك فعلت البندقية، والتي كانت حريصة على استمرار عَلاقاتها السلمية بالدولة العُثمانيَّة، ومثلهما فعل ملك أراجون ونابولي ألفونسو الخامس، الذي لم يرغب في الدخول في مغامرةٍ مشكوك في نجاحها[43].
وكما رَفَضَ هؤلاء الزعماء المشاركة مع هونيادي في حملته المرتقبة، رفض كذلك چورچ برانكوڤيتش أمير صربيا، لكنَّ هذا الرفض تحديدًا دفع هونيادي إلى تصعيد كبير مع إمارة صربيا؛ لأنَّ رفضها كان يُمثِّل أزمةً كبيرة لهونيادي من أكثر من وجه!
لقد عدَّ هونيادي رَفْضَ برانكوڤيتش خيانة للنصرانية وولاء للعُثمانيين المسلمين، ولأنه يحتاج المرور في أرض صربيا لينزل من الشمال إلى الجنوب في اتِّجاه الدولة العثمانية فقد عَدَّ صربيا دولةً معادية، وهدَّد بالسماح لجنوده بنهبها وتدميرها، وهذا التصعيد دَفَعَ برانكوڤيتش إلى مُراسلة مراد الثاني، وإخباره بنيَّة هونيادي في تحريك حملة صليبية قريبًا لحرب الدولة العثمانية، كما أخبره كذلك عن خط السير المتوقع للجيش المجري عندما يَعْبُر صربيا[44].
كان هذا التصعيد هَدِيَّةً ربانيةً للدولة العُثمانيَّة؛ إذْ إنَّ اتِّحاد المَجر مع صربيا كان سيُمثِّل خطورةً عَسكريَّة على الجيش العثماني، كما أنه كان سببًا في سرعة معرفة مراد الثاني بخطط هونيادي، حيث جاءته هذه الأخبار -فيما أعتقدُ- في شهر أغسطس 1448م، أي بمجرد عودة السلطان مراد من ألبانيا، فصارت عنده فرصة للتجهيز من جديد للصدام مع المجر.
لقد كان چورچ برانكوڤيتش George Branković حَريصًا على بقاء إمارة صربيا وحدة واحدة تحت حُكمه، وكان يرى أن جيش المجر لن يتمكن من هزيمة الجيش العثماني، وبذلك آثر أن يحتفظ بعَلاقته مع السلطان القوي مراد الثاني، الذي يمكن أن يضمن له سلامة أراضيه من تعدي المجر عليها، خاصَّةً أن المجر كاثولِيكيَّة، بينما الصرب أُرثوذكس، مع كل الإرث العدائي بين الطائفتين، بالإضافة إلى أن برانكوڤيتش كان يرى هونيادي في صورة أقل منه، لكونه ليس من أفراد العائلات المالكة الأصيلة في أوروبا.
هكذا كانت معظم رُدود زعماء أوروبا سلبيَّة بالنسبة لهونيادي، ومع ذلك فقد جاءته موافقة للمشاركة بأعداد صغيرة نسبيًّا مِن مملكة بوهيميا (جزء من دولة التشيك الآن)، وكذلك من بعض الإمارات الألمانيَّة[45]، أما الموافقة الأكبر، والرد الإيجابي الأقوى، فقد جاء من زعيم التمرد الألباني إسكندر بك[46]، وهو رد فعل متوقع؛ لأنَّ إسكندر بك كان يعلم أن مرادًا الثاني سيعود إليه حتمًا، ومن ثَمَّ فالحرب عليه مؤكَّدة، والأفضل أن يكون إلى جوار المجر بدلاً من أن يكون منفردًا.
أطلق السُّلطان مراد الثاني الدعوة إلى الحرب مباشرة بعد قدوم الخبر، وكان من همِّه أن تتحرك جيوشه بسرعه في اتِّجاه الغرب، لكي يمنع هونيادي من عبور الجبال غرب بلغاريا؛ لأنَّه لو فعل لصار طريقه إلى أدرنة سهلاً، ومن هنا كان عامل الوقت في غاية الأهمية، كما أنه كان يُريد أن يَقطعَ الطريق على هونيادي قبل أن تصل جيوشه إلى نُقطةٍ يمكن أن تلتقي فيها مع جيش إسكندر بك القادم من ألبانيا. نتيجة هذا النداء العسكري تحركتِ الجيوش العُثمانيَّة القادمة من الأناضول فورًا إلى أدرنة مع الأمير الشاب محمد الثاني، الذي صار قائدًا لها كلها، وجاءت جيوش العثمانيين في الروملي (أوروبا) إلى أدرنة كذلك، ثم تحركت الجيوش كلها معًا من أدرنة إلى صوفِيا غرب بلغاريا[47]. بلغت الجيوش العُثمانيَّة في بعض التَّقديرات أربعينَ ألفَ مقاتلٍ[48]، وارتفعت بها تقديراتٌ أخرى إلى ستينَ ألفَ مقاتلٍ[49].
على الناحية الأخرى تحرَّك هونيادي جنوبًا بجيشه المجري في أوائل سبتمبر 1448م ليقتحم حدود صربيا عند بلدة كوڤين Kovin بالقرب من سمندرية Smederevo، (وهي أهم المُدن الصربية بعد بلجراد)، وعَسْكَر هناك منتظرًا قُدوم الجيوش البوهيمية والألمانية، وقد جاءته -هناك أيضًا- جيوش الإفلاق تحت زَعامة أميرِها المُوالي له الآن، ڤلاديسلاڤ الثاني[50].
كانت الفرقة الإفلاقية الرومانية مُكوَّنة من ثمانية آلاف إلى عشرة آلاف جندي، وكان إجمالي جيش هونيادي حوالي 30 ألف مقاتل[51]، وارتفعت به بعض التَّقديرات إلى 47 ألف مقاتل[52].
هذا يعني أن الجيوش كانت متكافئة نسبيًا في العدد مع زيادة طفيفة في الجانب العثماني، ومع ذلك فقد ذكر يلماز أوزتونا Yılmaz Öztuna أن الجيش المجري كان يبلغ مائة ألف مقاتل[53]، وأعتقدُ أن هذه مبالغة، خاصَّةً مع رفض معظم الزُّعماء الأوروبيين المشاركة، وأيضًا بالنظر إلى مُجْرَيَاتِ الأمور في المعركة، وكذلك إلى الأعداد التَّقريبيَّة للجيش المجري في ظروفٍ تاريخيَّة أخرى في الفترة نفسها.
اضْطَرَّ الجيش المجري أن ينتظر شهرًا كاملاً في معسكره بصربيا لكي تكتمل صفوفُه بالفرق البوهيمية والألمانية[54]، وكانت هذه فرصة للجيش العثماني للقدوم من أدرنة إلى صوفِيا، ثم التحرك غربًا لملاقاة الجيش المجري، وهي مسافة حوالي خمسمائة كيلو متر، فضلاً عن أنها مليئة بالعوائق الطبيعية كالأنهار والجبال.
خرج الجيش العثماني من أدرنة -غالبًا- في منتصف سبتمبر، وفي الوقت نفسه أخرج مراد الثاني جيشًا آخر إلى الإفلاق مصحوبًا بالأمير الروماني ڤلاد الثالث Vlad III، وهو ابن ڤلاد الثاني الأمير المقتول على يد هونيادي، وذلك لإعادة الإفلاق إلى سيطرة الدولة العثمانية، واستغلال غياب أميرها ڤلاديسلاڤ الثاني التابع لهونيادي، حيث خرج بجيشه لمساعدة الجيش المجري على حملته[55].
كانت حركة الجيش المجري في أرض صربيا عنيفة للغاية، حيث قاموا بحرق القرى والمدن ونهبِها، مما عمَّق العداوة بين هونيادي وبرانكوڤيتش بصورة أكبر[56].
كان هونيادي يريد اختراق صربيا كلها من الشمال إلى الجنوب متجهًا ناحية الجيش الألباني القادم من ألبانيا بقيادة إسكندر بك، ليتَّحدَ الجيشان في مواجهة الجيش العثماني، وعليه فإن الالتقاء في كوسوڤو يُعدَّ منطقيًّا[57]، حيث تقع كوسوڤو جنوب صربيا، وشمال ألبانيا، فهي نقطة التقاء مناسبة، وقد قرأ السلطان مراد الثاني هذا السيناريو، سواء عن طريق مخابراته، أو عن طريق رُسل برانكوڤيتش، فأسرع بالجيش العثماني إلى كوسوڤو ليتمكن من قطع الطريق على الجيشين، وقد ساعدت الظروف الجيش العثماني على تحقيق هذه الغاية؛ إذْ إنَّ الجيش المجري تأخَّر في صربيا -كما ذكرنا- انتظارًا للجيوش البوهيمية والألمانية، كما أن الجيش الألباني تأخر هو أيضًا في ألبانيا انتظارًا لإتمام معاهدة السلام مع البندقية، وذلك لخوف إسكندر بك من ترك ألبانيا قبل الاطمئنان إلى موقف البندقية، وقد تمَّت معاهدة السلام بالفعل في 4 أكتوبر 1448م[58]، وبدأ إسكندر بك في الإعداد للخروج لمساعدة هونيادي، وهذا لا شك أخذ وقتًا كان في صالح العثمانيين.
في اليوم نفسه الذي تمَّت فيه معاهدة السلام بين البندقية وألبانيا (أي: في يوم 4 أكتوبر 1448م)، أو قبله بيوم، وصل مراد الثاني إلى المكان الذي يتوقع أن يمرَّ من خلاله چون هونيادي في كوسوڤو[59]، وهذا المكان هو سهل كبير كانت تتم فيه المعارك التي تدور في هذه المنطقة على مر التاريخ، وهو يقع بالقرب من مدينة «كوسوڤو بولي Kosovo Polje»، والتي تقع غرب العاصمة الكوسوڤويَّة بريشتينا Pristina، ومن أعجب الأمور أن هذا السهل شهد موقعة ضارية قبل تسعٍ وخمسين سنة من هذه الأحداث، أي في عام 1389م، بين الجيش العثماني بقيادة مراد الأول (أبو جدِّ السلطان مراد الثاني) ودولة صربيا بقيادة ملكها لازار، فيما عُرِف في التاريخ بمعركة كوسوڤو الأولى، وكان النصر فيها حليف الجيش العثماني[60]، ولهذا ستُعرف المعركة التي ستدور الآن بين الجيش العثماني وجيش المجر بمعركة كوسوڤو الثانية.
لا شك أن هذا كان من قبيل الفأل الحَسن للعثمانيين، وهو أمر تحتاجه الجيوش بقوة، وخاصة في مثل هذه المعارك الفاصلة.
هذا المكان الذي تمت فيه المعركة يُعْرَف كذلك باسم «ساحة الطيور السوداء»، (Field of Blackbirds)، وكلمة الطائر الأسود في اللغة الصربية تعني «Kos»، وكانت هذه الطيور تملأ سماء هذه المنطقة، ومنها سُمِّيَت الساحة، وكذلك سُمِّيَت المنطقة بكاملها، والتي صارت دولة مستقلة بعد ذلك (Kosovo)[61].
لم يستطع چون هونيادي أن ينتظر جيش إسكندر بك كثيرًا، وخشى مِن مباغتة الجيش العثماني، فاضطر إلى التقدم بجيوشه ليصل إلى ساحة الطيور السوداء في يوم 17 أكتوبر 1448م[62].
كان لوجود السُّلطان مراد الثاني في ساحة القتال قَبلَ الجيش المجري بأسبوعين كاملين الأثر الجيد في جيشه؛ إذ كانت هناك فرصة لراحته وشحن همَّته، كما كانت هناك فرصة جيدة لترتيب الجيش بالشكل المناسب، وكان مراد الثاني قد وضع ابنه محمدًا الثاني على رأس جيوش الأناضول في الميمَنَة، ووضع جيوش الروملي في الميسَرَة، بينما كان هو نفسه في قلب الجيش مع فرقة من الإنكشارية المُشاة[63].
كانت هذه هي التجربة الأولى لمحمد الثاني في القِتال المُباشر والحروب المَيدانيَّة، فقد كانت حملة ألبانيا السابقة حصارًا طويلًا لقلعة سڤيتيجراد دون الدخول في قتال حقيقيٍّ مع العدو، أما الآن فالبداية ساخنة جدًا؛ إذْ إنَّ الجيوش بالآلاف، والسلاح يشمل المدافع وأسلحة البارود اليَدويَّة، وكذلك السيوف والأقواس.
بدأ القتال من أول أيام وصول هونيادي (أي: في يوم 17 أكتوبر 1448م)، واستمر ثلاثة أيام كاملة (17 -19 أكتوبر)، وكان القتال ضاريًا، وسقط القتلى بالآلاف، وكانت الكِفَّة في يوم 18 أكتوبر لصالح المجريين، ولكن في يوم 19 أكتوبر الموافق (20 شعبان 852هـ) صارت في صالح الجيش العثماني، وشعرت الفرقة الإفلاقية الرومانية في جيش هونيادي بالتغيير في خط سَير المعركة ففكرت في الانضمام إلى مراد الثاني، ولكنه رَفض طلبهم، بل عاملهم كألدِّ الأعداء؛ إذْ إنَّه لم يَكن يَضمن حُدوث خديعة أو غَدرٍ، خاصَّةً أنهم خرجوا مع هونيادي لقتاله بينما كانوا تابعين في الأساس للدولة العثمانية. هذا التغير في الفرقة الرومانية أحدث اضطرابًا في الجيش المجري، وسرعان ما قرأ هونيادي أن الهزيمة آتية لا محالة، ومن ثم أخذ القرار المفاجئ بالهرب تاركًا عددًا كبيرًا من رجاله وأسلحته في أرض القتال[64][65][66][67].
كانت الهزيمة كارثية على الجيش المجري. فَقَدَ هونيادي في هذه المعركة 17 ألف قتيل[68]. لم تكن الخسارة في الجنود النظاميين فقط، إنما سقط كُلُّ النُبلاء والقادة الذين كانوا في جيش هونيادي، وكان هو الوحيد من نُبلاء المجر الذي نجا بحياته[69] بالإضافة إلى أمير الإفلاق الروماني ڤلاديسلاڤ الثاني[70].
تتفاوت التَّقديرات بشدة في خسائر الجيش العثماني، فبينما يذكر بابينجر أنها تقترب من 35 ألف قتيل[71] يهبط بها أوزتونا إلى أربعة آلاف شهيد فقط[72]، وبين هذا وذاك توجد تقديرات أخرى كثيرة، ولكن على العموم فإن كل المراجع بلا استثناء، سواء كانت تركية أو غربية، تؤكد أن النصر كان للجيش العثماني بشكل حاسم، بل إن بعض المؤرخين يعدّون هذه المعركة أهم من معركة ڤارنا الشهيرة (عام 1444م)، فعلى سبيل المثال يصف المؤرخ الأرجنتيني، والأستاذ بجامعة سوانزي الإنجليزية، روبرت بيديلو Robert Bideleux موقعة كوسوڤو الثانية بالقياس إلى ڤارنا قائلاً: «كانت أقل شهرة لكنها أكثر حسمًا»[73]. ويقول المؤرخ المجري بال إنچل Pál Engel: «انتهت معركة كوسوڤو الثانية بهزيمة ثقيلة Heavy defeat للنصارى، وهلك الجزء الأعظم من جيوشهم»[74]. وتذهب المؤرخة الأميركية چين سيدلار Jean Sedlar، الأستاذة بجامعة بيتسبرج Pittsburgh، والمتخصصة في تاريخ شرق أوروبا، إلى أبعد من ذلك، فتؤكد أن المعركة كانت لها نتائج فكرية واستراتيجية قائلة: «أوضحت معركة كوسوڤو الثانية باختصار أن المجر بمفردها لا تستطيع الانتصار على الأتراك في ميدان مفتوح»[75]!
هذه هي معركة كوسوڤو الثانية عام 1448م! وهي لا تختلف كثيرًا عن معركة كوسوڤو الأولى عام 1389م؛ إذ تحقق في كُلٍّ منهما النصر الحاسم للمسلمين.
ولم تقف أزمة چون هونيادي عند الهزيمة في المعركة؛ إذ استمرت معه الأزمات حتى بعد انسحابه! فبعد هروبه شمالاً من كوسوڤو في اتِّجاه بلاده، كان مضطرًا لاختراق صربيا حتى يصل إلى المجر، وهناك وقع في الأسر في يد چورچ برانكوڤيتش، ونُقِل في الأغلال إلى قلعة سمندرية، وكان برانكوڤيتش يُفكِّر في تسليمه للعثمانيين، لكن البارونات أقنعوه بعقد معاهدة سلام مع المجر، والاستفادة من وجود هونيادي بيده، فوافق على أن تعيد المجر أملاكًا كثيرة كانت قد استولت عليها من صربيا، بالإضافة إلى دفع مائة ألف فلورين ذهبي، تعويضًا عن الدمار الذي لحق بصربيا في أثناء عبور الجيش المجري إلى كوسوڤو، وتمَّ الاتِّفاق بالفعل، وأُطلق هونيادي إلى بلاده آخر ديسمبر 1448م، أي بعد شهرين كاملين في الأسر[76][77]، ومع ذلك، وبعد هذا الاتِّفاق، غَدَرَ هونيادي ببرانكوڤيتش، وصادر كل أملاكه في المجر بعد وصوله إلى بودابست Budapest، ولم يدفع شيئًا من التعويض الذي اتَّفقا عليه[78]! وهذا -ولا شك- أدى إلى توتر شديد بين البلدين، انتهى بحملة عسكرية قادها هونيادي على صربيا في عام 1449م أحدث فيها دمارًا كبيرًا في البلد[79]!
هذا التوتر والصراع المجري- الصربي كان يَصُب في مصلحة الدولة العثمانية بالتأكيد؛ إذْ إنَّ هونيادي لن يفكر في حربها لعدة سنوات قادمة، ولن يظهر اسمه من جديد إلا في عام 1456م في زمن حكم السلطان محمد الثاني، ولم يكن هناك من نتائج سلبية على الدولة العثمانية، اللهمَّ مِن فَقد إمارة الإفلاق مؤقتًا؛ إذْ إنَّ ڤلاديسلاڤ الثاني كان قد هرب من أرض كوسوڤو هو الآخر، ولكنَّه تمكَّن من الوصول إلى إمارته، واستطاع بمعاونة بعض النُبلاء الرومانيين من إقصاء ڤلاد الثالث تابع الدولة العُثمانيَّة، وإعادة الحكم لنفسه مواليًا للمجر، وذلك في 7 ديسمبر 1448م بعد أقل من شهرين من موقعة كوسوڤو الثانية[80]، ومع ذلك فقد تمكَّن العثمانيون من إعادة السيطرة على حصن چورچيو؛ الذي كان المجريون قد سيطروا عليه عام 1445م، وبذلك أمَّنوا حدودهم الشمالية أسفل الدانوب على الرغم من فقدانهم للإفلاق[81].
هكذا انتهى الصدام العسكري الكبير بين الدولة العُثمانيَّة والمجر، وتحوَّل هونيادي من سياسة الهجوم إلى سياسة الدفاع، ولم يبقَ في البلقان رافعًا راية الحرب ضد العثمانيين إلا متمرد ألبانيا إسكندر بك، وعليه كانت تُعوِّل النصرانية الغربية في مقاومة الدولة العُثمانيَّة، وإن كانت موقعة كوسوڤو الثانية قد أنهت كل طُموحات الغرب في إخراج العثمانيين من البلقان بشكلٍ كاملٍ[82].
[1] Babinger Franz Mehmed the Conqueror and His Time [Book]. - [s.l.] : Princeton University Press, 1978., p. 47.
[2] Fine John Van Antwerp The Late Medieval Balkans: A Critical Survey from the Late Twelfth Century to the Ottoman Conquest [Book]. - [s.l.] : University of Michigan Press, 1994., p. 554.
[3] Treptow Kurt W. Vlad III Dracula: The Life and Times of the Historical Dracula [Book]. - [s.l.] : The Center of Romanian Studies, 2000., p. 52.
[4] Gregory Timothy E. The Hexamilion and the Fortress [Book]. - Princeton, NJ, USA : American School of Classical Studies at Athens, 1993., vol. 5, p. 149.
[5] Piccolomini Aeneas Silvius (Pope Pius II) Europe (c.1400-1458) [Book] / trans. Brown Robert. - Washington, D. C, USA : the catholic university of America Press, 2013. - introduced and annotated by Nancy Bisaha., p. 108.
[6] Nicol Donald M. The Last Centuries of Byzantium, 1261-1453 [Book]. - Cambridge, UK : Cambridge University Press, 1993., p. 364.
[7] Babinger, 1978, p. 50.
[8] Venning Timothy A Chronology of the Byzantine Empire [Book]. - Now York, USA : palgrave Macmillan, 2006. - Introduction by Jonathan Harris., p. 719.
[9] Babinger, 1978, p. 50.
[10] Venning, 2006, p. 719.
[11] Andrews Kevin Castles of the Morea [Book]. - Princeton, N. J, USA : American school of classical studies at Athens, 2006., p. 165.
[12] Nicol Donald M The Immortal Emperor: The Life and Legend of Constantine Palaiologos [Book]. - New York, USA : Cambridge University Press, 2002, p. 32.
[13] Boulanger, 1989, p. 145.
[14] Andrews, 2006, p. 165.
[15] Venning, 2006, p. 720.
[16] Finlay George A History of Greece: Mediaeval Greece and the empire of Trebizond, A.D. 1204 – 1461 [Book]. - [s.l.] : The Clarendon Press, Oxford, 1877., vol. 3, p. 496.
[17] Holmes J. Derek and Bickers Bernard w. Short History of the Catholic Church [Book]. - New York, USA : Burns & Oates, 2002., p. 117.
[18] Norwich John Julius Viscount The Popes: A History [Book]. - London, UK : Chatto & Windus, 2011., p. 237.
[19] Babinger, 1978, p. 52.
[20] Treptow, 2000, p. 53.
[21] Kia Mehrdad The Ottoman Empire: A Historical Encyclopedia [Book]. - santa Barbara, CA, USA : ABC-CLIO, 2017., vol. 1, p. 84.
[22] Freely John The Grand Turk: Sultan Mehmet II, Conqueror of Constantinople and Master of an Empire An Empire And Lord Of Two Seas [Book]. - New York : The Overlook Press, 2009., p. 18.
[23] Babinger, 1978, p. 51.
[24] Pitcher Donald Edgar An historical geography of the Ottoman Empire from earliest times to the end of the sixteenth century with detailed maps to illustrate the expansion of the Sultanate [Book]. - Leiden : E. J. Brill, 1973., p. 69.
[25] Francione Gennaro Skënderbeu, një hero modern : (Hero multimedial) [Skanderbeg, a modern hero (Hero multimedia)] (in Albanian) [Book] / ed. Aliaj Donika and Aliaj Tasim. - Tiranë, Albania : Naim Frashëri, 2003., p. 74.
[26] Fox Robert The inner sea: the Mediterranean and its people [Book]. - New York, USA : Alfred A. Knopf, 1993., p. 195.
[27] Babinger, 1978, p. 51.
[28] Tibbetts Jann 50 Great Military Leaders of All Time [Book]. - New Delhi, India : Vij Books, 2016., p. 567.
[29] Fine, 1994, p. 557.
[30] Hodgkinson Harry Scanderbeg.. From Ottoman Captive to Albanian Hero [Book]. - London, UK : Centre for Albanian Studies, 1999., p. 99.
[31] Fine, 1994, p. 557.
[32] Hodgkinson, 1999, p. 101.
[33] Noli Fan Stilian George Castrioti Scanderbeg (1405–1468) [Book]. - New York, USA : International Universities Press, 1947., p. 40.
[34] Hodgkinson, 1999, pp. 87-88.
[35] Noli, 1947, p. 199.
[36] Hodgkinson, 1999, p. 102.
[37] Fine, 1994, p. 557.
[38] Elsie Robert A Biographical Dictionary of Albanian History [Book]. - New York, USA : I.B.Tauris, 2013., p. 397.
[39] Hodgkinson, 1999, p. 89.
[40] O'Connell Monique Men of Empire: Power and Negotiation in Venice's Maritime State [Book]. - Baltimore, USA : The Johns Hopkins University press, 2009., p. 34.
[41] Cartledge Sir Bryan The Will to Survive: A History of Hungary [Book]. - New York, USA : Columbia University Press, 2011., p. 58.
[42] Teke Zsuzsa Hunyadi János és kora [John Hunyadi and his Times] (in Hungarian) [Book]. - Budapest : Gondolat, 1980., p. 168.
[43] Babinger, 1978, pp. 51- 52.
[44] Fine, 1994, p. 554.
[45] Rogers Clifford J The Oxford Encyclopedia of Medieval Warfare and Military Technology [Book]. - New York, USA : Oxford University Press, 2010., vol. 1, p. 471.
[46] Mureşanu Camil John Hunyadi: Defender of Christendom [Book]. - Iasi , Romanian : The Center for Romanian Studies, 2001., p. 152.
[47] Babinger, 1978, p. 54.
[48] Bennett Matthew [et al.] The Hutchinson Dictionary of Ancient and Medieval Warfare [Book]. - New York, USA : Routledge, 1998., p. 182.
[49] Sedlar Jean W East Central Europe in the Middle Ages [Book]. - Seattle, USA : University of Washington Press, 1994., p. 248.
[50] Rogers, 2010, vol. 1, p. 471.
[51] Bennett, et al., 1998, p. 182.
[52] Babinger, 1978, p. 52.
[53] أوزتونا: تاريخ الدولة العثمانية، المترجمون عدنان محمود سلمان و مراجعة وتنقيح: محمود الأنصاري- إستانبول: مؤسسة فيصل للتمويل، 1988م صفحة 1/128.
[54] Rogers, 2010, vol. 1, p. 471.
[55] Treptow, 2000, p. 55.
[56] Fine, 1994, p. 554.
[57] Babinger, 1978, p. 54.
[58] Housley Norman Reconfiguring the Fifteenth-Century Crusade [Book]. - London, UK : Palgrave Macmillan, 2017., p. 258.
[59] Babinger, 1978, p. 54.
[60] Cox John K The History of Serbia [Book]. - westport, CT, USA : Greenwood Publishing Group, 2002., p. 29.
[61] Oliver Ian and Oliver Jan War and Peace in the Balkans [Book]. - New York, USA : I.B.Tauris, 2005.., 2005, p. vii.
[62] Venning, 2006, p. 720.
[63] Babinger, 1978, p. 55.
[64] Venning, 2006, p. 720.
[65] Engel, 2001, p. 291.
[66] Babinger, 1978, pp. 55-56.
[67] Freely, 2009, p. 18.
[68] Cartledge Sir Bryan The Will to Survive: A History of Hungary [Book]. - New York, USA : Columbia University Press, 2011., p. 58.
[69] Engel, 2001, p. 291.
[70] Cazacu Matei Dracula [Book]. - The Netherlands : Brill, Leiden, 2017., p. 53.
[71] Babinger, 1978, p. 55.
[72] أوزتونا، 1988م صفحة 1/129.
[73] Bideleux Robert and Ian Jeffries A History of Eastern Europe: Crisis and Change [Book]. - London, UK : Routledge, 2006.., 2006, p. 68.
[74] Engel, 2001, p. 291.
[75] Sedlar Jean W East Central Europe in the Middle Ages [Book]. - Seattle, USA : University of Washington Press, 1994., p. 248.
[76] Teke Zsuzsa Hunyadi János és kora [John Hunyadi and his Times] (in Hungarian) [Book]. - Budapest : Gondolat, 1980., p. 174.
[77] Mureşanu, 2001, p. 168.
[78] Fine, 1994, p. 555
[79] Bradbury Jim The Routledge Companion to Medieval Warfar [Book]. - New York, USA : Routledge, 2004., p. 175.
[80] Cazacu, 2017, p. 57.
[81] İnalcık Halil Mehmed the Conqueror (1432-1481) and His Time [Article] // Speculum. - Chicago, USA : The University of Chicago Press, 1960., vol. 35, no. 3, p. 411.
[82] دكتور راغب السرجاني: قصة السلطان محمد الفاتح، مكتبة الصفا، القاهرة، الطبعة الأولى، 1441ه= 2019م، 1/ 96- 112.
التعليقات
إرسال تعليقك