التاريخ الإسلامي
دون تشويه أو تزوير
التاريخ الإسلامي يمتد منذ بداية الدعوة الإسلامية بعد نزول الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم تأسيس الدولة الإسلامية بالمدينة المنورة وحكم الخلفاء الراشدين، مرورًا بالدولة الأموية فالدولة العباسية بما تضمنته من إمارات ودول مثل السلاجقة والغزنوية في وسط آسيا والعراق وفي المغرب الأدارسة والمرابطين ثم الموحدين وأخيرًا في مصر الفاطميين والأيوبيين والمماليك ثم سيطرة الدولة العثمانية التي تعتبر آخر خلافة إسلامية على امتداد رقعة جغرافية واسعة، وهذه البوابة تعنى بتوثيق التاريخ من مصادره الصحيحة، بمنهجية علمية، وعرضه في صورة معاصرة دون تشويه أو تزوير، وتحليل أحداثه وربطها بالواقع، واستخراج السنن التي تسهم في بناء المستقبل.
ملخص المقال
كان لقصي بن كلاب أربعة من الأولاد: عبد مناف، وعبد الدار، وعبد العزى، وعبد قصي، وقبيل موته قام بتوريث أعماله القيادية لأولاده بشكل عجيب! فماذا فعل؟
كان لقصي بن كلاب أربعة من الأولاد وهم: عبد مناف، وعبد الدار، وعبد العزى، وعبد أو عبد قصي، وقبيل موت قصي بن كلاب قام بتوريث أعماله القيادية لأولاده بشكل عجيب، حيث أعطى كلَّ المناصب لابنه عبد الدار على الرغم من أنه ليس الأكبر!
والسبب في ذلك أنَّ ابنه الكبير عبد مناف تميَّز جدًّا في مكة بتجارته وماله، فأراد الأب أن يدعم موقف ابنه الضعيف عبد الدار بهذه المناصب[1]، وهناك روايات أخر تقول أنَّه قسَّم بين أولاده المناصب، لكنها روايات ضعيفة[2].
ويبدو أنَّ عبد مناف تقبَّل الأمر على مضض، ولم يشأ أن يكون أول من يخرج على رأي أبيه سيِّدِ مكة بعد موته، فلم ينازع عبدَ الدار، وإن كانت بوادر الضغينة ظهرت بين الطرفين، أو على الأقل في أولادهما.
أيضًا نجد أمرًا في بعض الروايات يفسِّر لنا بعض أحداث التاريخ، فبعض الروايات تشير إلى تحالف عبد مناف بعد وفاة أبيه قصي مع قبيلتي خزاعة، وبني عبد مناة بن كنانة، وقد عُرف بحلف الأحابيش، وهم بنو الحارث بن عبد مناة[3].
قد يُفَسِّر هذا الحلف حسن العلاقة التي كانت بين خزاعة ورسول الله صلى الله عليه وسلم على الرغم من عدم إسلامهم المبكِّر، فقد كانوا يخبرونه بعد أن هاجر إلى المدينة بكلِّ أخبار مكة؛ حتى جاء في رواية البخاري عن المسور بن مخرمة وهو يصف أحداث صلح الحديبية: "فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ جَاءَ بُدَيْلُ بْنُ وَرْقَاءَ الخُزَاعِيُّ فِي نَفَرٍ مِنْ قَوْمِهِ مِنْ خُزَاعَةَ، وَكَانُوا عَيْبَةَ نُصْحِ[4] رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَهْلِ تِهَامَةَ"[5]، أيضًا في نهاية صلح الحديبية تواثبت خزاعة، وهي كافرة، في حلف رسول الله صلى الله عليه وسلم.
انقسام بني قصي والحرب بينهما، وتكوين حزبَي المطيبين والأحلاف:
أجمع بنو عبد مناف على أن يأخذوا من بني عبد الدار الرفادة والسقاية، فأبى بنو عبد الدار ترك ما في أيديهم وأصروا على الاحتفاظ به، فتفرقت عند ذلك قريش، فكانت طائفة مع بني عبد الدار، وطائفة مع بني عبد مناف، وكان لهذين الحلفين أثر كبير في العلاقات بين القبائل القرشية، وخاصة علاقات الحرب والزواج، وأهم من ذلك أمر الإسلام؛ فإن القبائل التي تحالفت مع بني هاشم بن عبد مناف كانت أخفَّ وطأة على رسول الله صلى الله عليه وسلم من القبائل التي تحالفت مع بني عبد الدار، بل سنجد أن أكابر المجرمين كانوا في غالبيتهم من هذا الفريق.
فريق بني عبد مناف "المطيبون":
خمس قبائل؛ وهم:
1- بنو عبد مناف: وهم هاشم، وعبد شمس، والمطَّلب، ونوفل.
2- بنو أسد بن عبد العزى: وهم أولاد أخي عبد مناف.
3- بنو تيم بن مرَّة: ولعل هذه إحدى خلفيَّات صداقة الرسول صلى الله عليه وسلم مع أبي بكر الصديق التيمي.
4- بنو زهرة بن كلاب:
5- بنو الحارث بن فهر: وهذا الفرع الموجود منهم بمكة، وهو فرع قريش البطاح، ومنهم أبو عبيدة بن الجراح، أما الفرع الرئيس لهم فخارج مكة، وهم من قريش الظواهر، ولم يشتركوا في الحلف.
وقد أخرج حلف بني عبد مناف جفنة مملوءة طيبًا، فوضعوها عند الكعبة، وتحالفوا، وجعلوا أيديهم في الطيب، ثم مسحوا الكعبة بأيديهم توكيدًا؛ فسموا المطيَّبين.
فريق بني عبد الدار "الأحلاف":
خمس قبائل أيضًا، وهم:
1- بنو عبد الدار: وهم عثمان، وعبد مناف، والسبَّاق، ومنهم النضر بن الحارث
2- بنو سهم: وهم أول من نصر بني عبد الدار، وسخروا من المطيَّبين، وقالوا إن الطِّيب لربَّات الحجال، فذبحوا بقرةً وقالوا: «من أدخل يده في دمها ولعق منه فهو منا»، فسُمِّي حلفهم: "لَعَقَةُ الدَّم"! ويقول بعض المؤرخين إن حلف لَعَقَة الدَّم هو حلف كوَّنه بنو عدي قبل ذلك، وعمومًا كان بنو عدي منضمين لحلف بني عبد الدار، ففي كل الأحوال كان لعقة الدم في هذا الفريق.
ومن المهم أن نلاحظ أن العاص بن وائل من بني سهم، وكان من أشد المعادين لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ومع ذلك فهو الذي دافع عن عمر بن الخطاب العدوي يوم أسلم وضربه أهل مكة، وهذا لحلف قبيلته سهم مع قبيلة عدي.
3- بنو جمح: ومنهم أمية بن خلف.
4- بنو مخزوم بن يقظة: وهم أشدُّ الكارهين لانفراد قصي بالشرف، ومنهم أبو جهل، والوليد بن المغيرة.
5- بنو عدي بن كعب: ومنهم عمر بن الخطاب، وقد يكون لهذا التحالف خلفية في العداء الذي أكنَّه عمر لرسول الله صلى الله عليه وسلم في بداية الدعوة.
لم يشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الأحلاف، إنما كان ذلك في زمن أبي جدِّه هاشم بن عبد مناف:أما ما جاء في الرواية الصحيحة في مسند أحمد وغيره عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «شَهِدْتُ حِلْفَ الْمُطَيَّبِينَ مَعَ عُمُومَتِي وَأَنَا غُلامٌ، فَمَا أُحِبُّ أَنَّ لِي حُمْرَ النَّعَمِ، وَأَنِّي أَنْكُثُهُ»[6].
المراد بهذا الحلف حلف الفُضُول، وكان في دار عبد الله بن جُدْعان التيمي، وكان قبل الإسلام بعشرين سنة، ولا يُمنع -كما يقول ابن كثير- أن يسمى الحلف الذي شهده رسول الله "حلف المطيبين"، فهو حلف آخر كان قبل البعثة، ولعله كان توكيداً للحلف القديم.
القتال، أو الاستعداد للقتال:
غالب الأمر أن القتال لم يحدث أصلًا، أو حدث لفترة قصيرة، ثم تداعوا إلى الصلح، على أن يعطوا بني عبد مناف السقاية والرفادة، وظلَّت الحجابة واللواء والندوة مع بني عبد الدار، وبقيت الرئاسة متردِّدة بينهم، فرضوا بذلك، وتحاجز الناس عن الحرب[7].
[1] ابن الأثير "2/ 9"، نسب قريش، للزبيري "14".
[2] اليعقوبي "1/ 211" "طبعة النجف".
[3] اليعقوبي "1/ 212".
[4] عيبة النصح: أي محل السِّرِّ، وموطن الأمانة.
[5] البخاري: كتاب الشروط، باب الشروط في الجهاد والمصالحة مع أهل الحرب وكتابة الشروط (2581).
[6] أحمد (1655)، وشعيب الأرناءوط: إسناده صحيح.
[7] لمشاهدة الحلقة على اليوتيوب اضغط هنا: صراع بني قصي على قيادة مكة وسدانة الكعبة
التعليقات
إرسال تعليقك