د. راغب السرجاني

لفت الأنظار في الأسبوع الماضي توقيع الاتحاد الأوروبي لكرة القدم عقابًا على اللاعب التركي ديميرال لاحتفاله بإحراز هدفين في النمسا في بطولة أمم أوروبا المقامة بألمانيا عن طريق رفع يده بعلامة تنظيم تركي يعرف بتنظيم الذئاب الرمادية.

تحية الذئاب الرمادية هي علامة باليد على شكل رأس ذئب: «رفع الإصبع الصغير والسبابة مع تجميع بقية الأصابع ممتدة إلى الأمام».

يتساءل الكثير: ما تنظيم الذئاب الرمادية؟ ولماذا يعاقب من يرفع شعاره؟ ولماذا اختار هذا التنظيم الذئب الرمادي شعارًا له؟ وما رد فعل الأتراك والألمان على هذا الموقف؟

تنظيم الذئاب الرمادية، وتسمى أيضا الشباب المثالي:

· منظمة تركية يمينية تشكلت في أواخر عام 1960م، وتعد الذراع المسلح غير الرسمي لحزب الحركة القومية. (منظمة يمينية تعني متطرفة بشكل قومي أو ديني، بعكس المنظمات اليسارية أو الليبرالية التي تدعو إلى المساواة والتحرر من التقاليد).
· تعلي بقوة من شأن العرق التركي، ولذا فكل أعضائها حصريًّا من الأتراك، وليس بالضرورة أن يكونوا من دولة تركيا، ولكنهم أتراك من الناحية العرقية، وهذا يعني وجود أعضاء من أذربيجان مثلًا، ولهذا شاركوا في حرب أذربيجان أرمينيا في إقليم ناجورنو كاراباخ.
· انطلاقًا من اعتقاد التنظيم بتفوق العرق التركي فإنه يسعى لاستعادة أمجاد الأتراك عن طريق السعي لتوحيد الشعوب التركية في دولة واحدة تمتد من وسط البلقان إلى وسط آسيا.
· هذه الحركة مشهورة بكرهها المتطرف للأكراد، والعرب، والأرمن، واليونانيين، وهم من أشد المعارضين للقضية الكردية في تركيا.
· اسمها مستوحى من أسطورة تركية قديمة لذئبة اسمها أسينا، كانت في منطقة أرجينيكون، في سهول آسيا الوسطى، وهي ذئبة تساعد العرق التركي.
· يرمز الذئب بشكل عام في تركيا إلى الشرف.
· أسس المنظمة ألب أرسلان توركش، وهو عقيد سابق في الجيش التركي.
· لها انتشار في تركيا، خاصة في الأحياء الفقيرة والريف، ولهم تجمعات كبرى في إسطنبول، وأنقرة، ولهم تواجد في كثير من الجامعات، كما أن لهم تواجدًا في شمال قبرص، وسوريا، وكذلك في الكثير من البلدان الأوروبية التي تشهد كثافة تركية كألمانيا، وبلجيكا، وهولندا.
·اسمها مرتبط بعدد كبير من الصدامات المسلحة داخل تركيا وخارجها، وقتل عدد من النشطاء والمفكرين اليساريين والليبراليين، وأيضًا بعدد من المذابح والاغتيالات، وإن كانت الأمور غير محسومة تمامًا ضدها لكونها في الأساس جماعة سريَّة غير رسمية، ولكن لأجل هذا التاريخ يصنَّف التنظيم من قبل الكثيرين على أنه تنظيم إرهابي.
· الجماعة محظورة في عدد من الدول الأوروبية، كألمانيا، وفرنسا، والنمسا، ومحظورة كذلك في أذربيجان وكازاخستان بعد محاولات انقلاب فاشلة.
 
الحدث الآن:

· بالنسبة لما فعله اللاعب فهو مرفوض في ألمانيا، على أساس أن المنظمة عنصرية تدعم عرقًا معيَّنًا، وبالتالي تم توقيع العقوبة، ولذا علَّقت وزيرة الداخلية الألمانية على الحدث.
· ردَّت أنقرة باستدعاء السفير الألماني، وردَّت ألمانيا كذلك باستدعاء السفير التركي، وتوتَّرت الأجواء قليلًا.
· ومع ذلك حضر أردوجان مباراة فريق بلده مع هولندا في ألمانيا، وعلَّق على أن اللاعب أشار برمز الذئب المقدَّر عند الأتراك، كما الحال بالنسبة للنسر عند الألمان، والديك عند الفرنسيين، وهذا تحايل دبلوماسي لأن الرمز لا يقصد به حيوانًا مقدَّرًا عند البلد، ولكن تنظيمًا معينًا له أيدولوجية خاصة، وهو ممنوع في أوروبا.
· لكن في كل الأحوال لن يكون للحدث تأثير كبير لقوة العلاقات التركية الألمانية منذ أزمان طويلة، ولكثرة الأتراك في ألمانيا.

الآن يحاول هذا التنظيم دمج الهوية التركية والدين الإسلامي في توليفة واحدة، ولهذا هم متحالفون مع حزب أردوجان.

· عمومًا نحن لا نملك معلومات كبيرة عن التنظيم، ولكن بشكل عام نحن لا نؤيد التجمعات المبنية على العرق، وخاصة عند خلط الأمور، ومحاولة تأصيل المسألة إسلاميًّا، فالإسلام حارب بشدة مسألة الاعتزاز بالقبليَّة والعنصر، وجعل المعيار الأساس في الأخوة هو الدين، وأنكر بقوة على من يعلون عرقًا على عرق.
· روى الترمذي عَنْ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ خَطَبَ النَّاسَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ، فَقَالَ: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَذْهَبَ عَنْكُمْ عُبِّيَّةَ الجَاهِلِيَّةِ وَتَعَاظُمَهَا بِآبَائِهَا، فَالنَّاسُ رَجُلَانِ: بَرٌّ تَقِيٌّ كَرِيمٌ عَلَى اللَّهِ، وَفَاجِرٌ شَقِيٌّ هَيِّنٌ عَلَى اللَّهِ، وَالنَّاسُ بَنُو آدَمَ، وَخَلَقَ اللَّهُ آدَمَ مِنْ تُرَابٍ"، قَالَ اللَّهُ: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [الحجرات: 13][1].
· وروى أبو داود وغيره عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، أن النبي r قال: «مَنْ نَصَرَ قَوْمَهُ عَلَى غَيْرِ الْحَقِّ، فَهُوَ كَالْبَعِيرِ الَّذِي رُدِّيَ، فَهُوَ يُنْزَعُ بِذَنَبِهِ»[2].
فنسأل الله أن يوحد صفوف المسلمين، وأن يجمع كلمتنا على أساس الدين، وأن يرزقنا التقوى والعمل الصالح[3].


[1] الترمذي: كتاب تفسير القرآن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب ومن سورة الحجرات (3270)، وقال الألباني: صحيح.
[2] أبو داود: كتاب الأدب، باب إخبار الرجل الرجل بمحبته إياه (5117).
[3] لمشاهدة الحلقة على اليوتيوب اضغط هنا
 

https://islamstory.com/index.php/ar/artical/3410120/الذئاب-الرمادية-التركية-تشعل-أوروبا