د. راغب السرجاني

كانت البشرية تمرُّ بمرحلة عصيبة قبل ميلاد الرسول صلى الله عليه وسلم، فكانت فترة الانقطاع ستمائة عام، وكان الأنبياء متقاربين في الزمان.

بنو إسرائيل: في البخاري عن أَبِي هريرة عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «كَانَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ تَسُوسُهُمُ الأَنْبِيَاءُ، كُلَّمَا هَلَكَ نَبِيٌّ خَلَفَهُ نَبِيٌّ، وَإِنَّهُ لاَ نَبِيَّ بَعْدِي..»

ليس بنو إسرائيل فقط:

كلام هود: {وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ} [الأعراف: 69]
كلام صالح: {وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ عَادٍ} [الأعراف: 74]
كلام شعيب: {وَيَا قَوْمِ لَا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقِي أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ مَا أَصَابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صَالِحٍ وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ} [هود: 89]
مؤمن آل فرعون: {وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الْأَحْزَابِ (30) مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعِبَادِ} [غافر: 30، 31].
هذا الانقطاع النسبي تمهيد للانقطاع الكامل إلى يوم القيامة، ثم ولد النبي صلى الله عليه وسلم: روى مسلم عن عياض بن حمار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: قال الله: ".. وَإِنِّي خَلَقْتُ عِبَادِي حُنَفَاءَ كُلَّهُمْ، وَإِنَّهُمْ أَتَتْهُمُ الشَّيَاطِينُ فَاجْتَالَتْهُمْ عَنْ دِينِهِمْ، وَحَرَّمَتْ عَلَيْهِمْ مَا أَحْلَلْتُ لَهُمْ، وَأَمَرَتْهُمْ أَنْ يُشْرِكُوا بِي مَا لَمْ أُنْزِلْ بِهِ سُلْطَانًا، وَإِنَّ اللهَ نَظَرَ إِلَى أَهْلِ الْأَرْضِ، فَمَقَتَهُمْ عَرَبَهُمْ وَعَجَمَهُمْ، إِلَّا بَقَايَا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، وَقَالَ: إِنَّمَا بَعَثْتُكَ لِأَبْتَلِيَكَ وَأَبْتَلِيَ بِكَ، وَأَنْزَلْتُ عَلَيْكَ كِتَابًا لَا يَغْسِلُهُ الْمَاءُ، تَقْرَؤُهُ نَائِمًا وَيَقْظَانَ، وَإِنَّ اللهَ أَمَرَنِي أَنْ أُحَرِّقَ قُرَيْشًا، فَقُلْتُ: رَبِّ إِذًا يَثْلَغُوا رَأْسِي فَيَدَعُوهُ خُبْزَةً، قَالَ: اسْتَخْرِجْهُمْ كَمَا اسْتَخْرَجُوكَ، وَاغْزُهُمْ نُغْزِكَ، وَأَنْفِقْ فَسَنُنْفِقَ عَلَيْكَ، وَابْعَثْ جَيْشًا نَبْعَثْ خَمْسَةً مِثْلَهُ، وَقَاتِلْ بِمَنْ أَطَاعَكَ مَنْ عَصَاكَ..".

هذا القتال الذي ذُكِر في الحديث قد يوحي بالشدَّة أو العنف، والأمر عكس ذلك تمامًا، فالرسول صلى الله عليه وسلم بُعِث رحمةً. رحمة بالخلق جميعًا حتى صار رحمة بالإنسان، والحيوان، والطير، ورحمة بالنبات، والريح، والجمادات. لقد جاء لينهى عن الفساد في الأرض إنما شدُّته على الذين يبغون الفساد في الأرض.
وكذلك كان الأنبياء من قبله رحمة وهداية، لكن الفارق أن الرسول صلى الله عليه وسلم بُعِث رحمة للعالمين، وليس لقومه فقط كسابقه من الأنبياء، فصارت لحظة ميلاده مهمة لعامة البشر، عربهم وعجمهم، سواء في زمانه، أو في الأزمان التي تلحق إلى يوم القيامة.
قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء: 107]
وهداية: {الر كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ} [إبراهيم: 1].
هذه اللحظة التاريخية معروفة قبل بثِّ الروح في آدم عليه السلام
أحمد وهو صحيح عَنْ عِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ لَخَاتَمُ النَّبِيِّينَ، وَإِنَّ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمُنْجَدِلٌ فِي طِينَتِهِ، وَسَأُنَبِّئُكُمْ بِأَوَّلِ ذَلِكَ دَعْوَةُ أَبِي إِبْرَاهِيمَ، وَبِشَارَةُ عِيسَى بِي، وَرُؤْيَا أُمِّي الَّتِي رَأَتْ، وَكَذَلِكَ أُمَّهَاتُ النَّبِيِّينَ تَرَيْنَ».
وفي رواية: عند الله بدلًا من عبد الله
وفي رواية: الترمذي وهو صحيح عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالُوا يَا رَسُولَ اللهِ مَتَى وَجَبَتْ لَكَ النُّبُوَّةُ؟ قَالَ: وَآدَمُ بَيْنَ الرُّوحِ وَالجَسَدِ.
من الجميل أن تشعر يوم ميلاد الرسول صلى الله عليه وسلم بالنعمة الكبرى إذ جعلك من أمته، ولم يضع عليك عبء الاختيار:
{لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} [آل عمران: 164]
شكر نعمة النبي صلى الله عليه وسلم:
1- أن تحب الرسول صلى الله عليه وسلم
2- أن تلتزم بسُنَّته
3- أن تعرفه
4- أن تدافع عنه
5- أن تدعو له
6- أن تصلي عليه
7- أن تحب آل بيته وصحابته[1].


[1] لمشاهدة الحلقة على اليوتيوب اضغط هنا
 

https://islamstory.com/index.php/ar/artical/3410124/نعمة-ميلاد-النبي-صلى-الله-عليه-و-سلم