د. راغب السرجاني
المشرف العام على الموقع
طبيب ومفكر إسلامي، وله اهتمام خاص بالتاريخ الإسلامي، رئيس مجلس إدارة مركز الحضارة للدراسات التاريخية بالقاهرة، صاحب فكرة موقع قصة الإسلام والمشرف عليه، صدر له حتى الآن 58 كتابًا في التاريخ والفكر الإسلامي.
ملخص المقال
هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يهتمُّ بيوم ميلاده؟ يتذكَّر يوم ميلاده؟ يلتفت إلى أن اليوم هو يوم ميلاده؟
هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يهتمُّ بيوم ميلاده؟ يتذكَّر يوم ميلاده؟ يلتفت إلى أن اليوم هو يوم ميلاده؟ الإجابة: نعم، كان يهتمُّ ويتذكَّر ويلتفت، بل ويحتفل بيوم ميلاده، لكنه نظر إليه بطريقة فريدة غير تقليدية: (في أمرين)
أولًا: موعد الاحتفال: لم يكن ينظر إلى اليوم السنوي الذي وُلِدَ فيه، إنما إلى اليوم الأسبوعي، وهو يوم الاثنين.
وثانيًا: طريقة الاحتفال: لم يكن يحتفل بمأدبة أو حفلة أو ما شابه كما نفعل نحن اليوم، إنما كان يحتفل بعبادة معينة، وهي عبادة الصيام.
روى مسلم: «عَنْ أَبِى قَتَادَةَ الأَنْصَارِيِّ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سُئِلَ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ الاِثْنَيْنِ قَالَ: «ذَاكَ يَوْمٌ وُلِدْتُ فِيهِ وَيَوْمٌ بُعِثْتُ أَوْ أُنْزِلَ عَلَىَّ فِيهِ»[1].
أولًا: اهتمام الرسول صلى الله عليه وسلم بيوم ميلاده، فهذا يوم منَّ الله عليه فيه بالإيجاد: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 21]، وهي نعمة يجب على كل حيٍّ أن يشكرها: نعمة الحياة
جاء في البخاري عن شَدَّادُ بْنُ أَوْسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "سَيِّدُ الِاسْتِغْفَارِ أَنْ تَقُولَ: اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي لاَ إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، خَلَقْتَنِي وَأَنَا عَبْدُكَ، وَأَنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْتُ، أَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ، وَأَبُوءُ لَكَ بِذَنْبِي فَاغْفِرْ لِي، فَإِنَّهُ لاَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ"، قَالَ: «وَمَنْ قَالَهَا مِنَ النَّهَارِ مُوقِنًا بِهَا، فَمَاتَ مِنْ يَوْمِهِ قَبْلَ أَنْ يُمْسِيَ، فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ، وَمَنْ قَالَهَا مِنَ اللَّيْلِ وَهُوَ مُوقِنٌ بِهَا، فَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يُصْبِحَ، فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ».
ثانيًا: لأن النعمة كبيرة كان لابد من شكرها بعبادة، وهذه العبادات توقيفية، بمعنى أن الله هو الذي شرعها، أو أن الرسول صلى الله عليه وسلم فعلها وأقرَّها الله تعالى، فهي في النهاية اختيار من رب العالمين، وتطبيق من الرسول الكريم
· اختار عند حدوث نعمة مفاجئة أن نسجد سجدة الشكر
· اختار طول القيام لأن الله غفر له ما تقدَّم من ذنبه وما تأخر: أفلا أكون عبدًا شكورًا
· اختار أن يشكر يوم مولده؛ الاثنين، بالصيام، والأمر توقيفي، فلا يمكن أن يفرد بقيام خاص، ولا بقراءة سورة معينة، ولا بأذكار خاصة، إنما الاتباع هنا يكون بالصيام
· هذا الاختيار يعني الاحتفال بالمولد خمسين مرَّة في السنة وليس يومًا واحدًا!
لذا يشكر الرسول صلى الله عليه وسلم ربه على إيجاده بعبادة وهي الصيام، فيتحقَّق مع الشكر ثوابٌ يُبَلِّغ المرء الجائزة التي يريدها (عصفورين بحجر واحد)
بل ويتحقَّق مع الشكر بُعْدٌ عن النار، فتزداد فرصة دخول الجنة: في البخاري عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَنْ صَامَ يَوْمًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، بَعَّدَ اللَّهُ وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا».
ثالثًا: هناك فضائل أخرى ليوم الاثنين:
1- يوم تفتح فيه أبواب الجنة:
روى مسلم: «عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: «تُفْتَحُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَ الاِثْنَيْنِ وَيَوْمَ الْخَمِيسِ فَيُغْفَرُ لِكُلِّ عَبْدٍ لاَ يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا إِلاَّ رَجُلاً كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاءُ فَيُقَالُ أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا»»[2].
2- يوم تحقَّقت فيه عدة أحداث تاريخية نبوية مؤثِّرة جدًّا:
روى أحمد: «عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: "وُلِدَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ الاثْنَيْنِ، وَاسْتُنْبِئَ يَوْمَ الْإِثْنَيْنِ، وَخَرَجَ مُهَاجِرًا مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ يَوْمَ الْإِثْنَيْنِ، وَقَدِمَ الْمَدِينَةَ يَوْمَ الْإِثْنَيْنِ، وَتُوُفِّيَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْإِثْنَيْنِ، وَرَفَعَ الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ يَوْمَ الاثْنَيْنِ»[3].
3- يوم ترفع فيه الأعمال إلى الله:
روى الترمذي: «عن أبي هريرة: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال: «تُعْرَضُ الْأَعْمَالُ يَوْمَ الاثْنَيْنِ وَالْخَمِيسِ فَأُحِبُّ أَنْ يُعْرَضَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ»[4].
يبقى السؤال: هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يلتفت إلى يوم الميلاد السنوي الذي لا يتكرَّر إلا مرة واحدة؟
العلماء غير متفقين على يوم مولده السنوي
الجمهور على أنه وُلِد في 12 ربيع الأول
وبعضهم على أنه ولد في 8 ربيع الأول
وهناك آراء أخرى في 2، و10، وغير ذلك، ومنهم من جعله في رمضان، وهو بعيد
هذا الاختلاف يؤكِّد أن الرسول لم يكن يلفت أنظار الصحابة إلى قدوم يوم 12 ربيع أول، لأنه ليست فيه عبادة خاصة، إنما كان يلفت أنظارهم إلى أيام العبادات كعاشوراء، وعرفة، ورمضان، وغير ذلك، وكان يلفت أنظارهم إلى يوم الاثنين كذلك.
أعتقد بعد هذه الخواطر حول تفاعل الرسول صلى الله عليه وسلم مع يوم الاثنين صار من المناسب أن نتَّفق جميعًا على صيام يوم الاثنين القادم
1- نأخذ فيه نية اتِّباع الرسول صلى الله عليه وسلم
2- ونية الاحتفال بمولد الرسول صلى الله عليه وسلم
3- ونية المباعدة سبعين خريفًا عن جهنم
4- ونية فلاح الأعمال التي تُعْرَض على الله تعالى في هذا اليوم[5].
[1] مسلم: كتاب الصيام، باب استحباب ثلاثة أيام من كل شهر وصوم يوم عرفة وعاشوراء والاثنين والخميس (1162).
[2] مسلم: كتاب البر والصلة والآداب، باب النهي عن الشحناء والتهاجر (2565).
[3] مسند أحمد - طبعة مؤسسة قرطبة (1/ 277) (2506)، وقال أحمد شاكر: إسناده صحيح.
[4] سنن الترمذي - ترقيم احمد شاكر (3/ 122) (747)، وقال الترمذي: حديث حسن غريب. قال الألباني: صحيح.
[5] لمشاهدة الحلقة على اليوتيوب اضغط هنا
التعليقات
إرسال تعليقك