د. راغب السرجاني
المشرف العام على الموقع
طبيب ومفكر إسلامي، وله اهتمام خاص بالتاريخ الإسلامي، رئيس مجلس إدارة مركز الحضارة للدراسات التاريخية بالقاهرة، صاحب فكرة موقع قصة الإسلام والمشرف عليه، صدر له حتى الآن 58 كتابًا في التاريخ والفكر الإسلامي.
ملخص المقال
للنبيِّ في القرآن والسُّنَّة أسماء كثيرة، وكثرة الأسماء هذه تدلُّ على شرف المسمَّى، وكان من عادة العرب أن تطلق الأسماء الكثيرة على من كان عظيم الشأن.
أصحُّ ثلاثة عشر اسمًا لرسول الله ﷺ
للنبيِّ ﷺ في القرآن والسُّنَّة أسماء كثيرة، وكثرة الأسماء هذه تدلُّ على شرف المسمَّى، وعلوِّ مكانته، وكان من عادة العرب أن تطلق الأسماء الكثيرة على من كان عظيم الشأن.
كثير من أسماء الرسول ﷺ توقيفيَّة، بمعنى أنَّ الله تعالى هو الذي أوحى إليه بها، أو ذكرها I في الكتب السماويَّة.
لهذا اهتمَّ العلماء المسلمون بهذه الأسماء وأوضحوا معانيها، وصنَّفوا فيها مصنَّفاتٍ كثيرة؛ منها على سبيل المثال: «الرياض الأنيقة في شرح أسماء خير الخليقة» للسيوطي، و«المستوفى في أسماء المصطفى» لابن دحية. (وصل بها ابن دحية إلى نحو ثلاثمائة اسم)
التوثيق قبل التحليل:
كثير من هذه الأسماء هي صفات، الوحيد العلم هو محمد، وقد يكون أحمد، وبقية الأسماء صفات، وليتنا في الصفات نتقيَّد بما صحَّ عن رسول الله ﷺ أنه قال هذا اسمٌ لي!
أول خمسة أسماء:
عن جُبَيْر بن مُطْعم، قال: قال رسولُ الله ﷺ: «لِي خَمْسَةُ أَسْمَاءٍ: أَنَا مُحَمَّدٌ، وَأَحْمَدُ، وَأَنَا المَاحِي الَّذِي يَمْحُو اللهُ بِي الكُفْرَ، وَأَنَا الحَاشِرُ الَّذِي يُحْشَرُ النَّاسُ عَلَى قَدَمِي، وَأَنَا العَاقِبُ»[1].
أولاً: محمد:
ثانيًا: أحمد:
ثالثًا: الماحي:
ذكر رسول الله ﷺ في حديث جبير بن مطعم t، اسمًا جديدًا له، فقال: «.. وَأَنَا المَاحِي الَّذِي يَمْحُو اللهُ بِي الكُفْرَ».
1- قال القاضي عياض: إمَّا من مكة وبلاد العرب وما زَوَى له ﷺ من الأرض،
2- أو يكون المحو عامًّا بمعنى الظهور والغلبة.
3- المحو الأخير للكفر من الدنيا بعد نزول عيسى u ليحكم بشريعة محمد ﷺ؛ فعندها يعمُّ الإسلامُ الأرضَ بكاملها.
4- «.. وَأَمَّا مَاحٍ فَإِنَّ اللهَ مَاحٍ بِهِ سَيِّئَاتِ مَنِ اتَّبَعَهُ»، وفي قصة إسلام عمرو بن العاص، قال الرسول ﷺ: «أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ الْإِسْلَامَ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ؟ وَأَنَّ الْهِجْرَةَ تَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهَا؟ وَأَنَّ الْحَجَّ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ؟».
رابعًا: الحاشر:
ذَكَرَ رسول الله ﷺ في حديث جبير بن مطعم، اسمًا آخر له، فقال: «وَأَنَا الحَاشِرُ الَّذِي يُحْشَرُ النَّاسُ عَلَى قَدَمِي»، وفي لفظ: «وَأَنَا الحَاشِرُ الَّذِي يُحْشَرُ النَّاسُ عَلَى عِقِبِي».
1- وَأَنَا الْحَاشِرُ الَّذِي يُحْشَرُ النَّاسُ عَلَى قَدَمِي أَيْ عَلَى أَثَرِي، أَيْ إِنَّهُ يُحْشَرُ قَبْلَ النَّاسِ، وقوله: «أَنَا أَوَّلُ مَنْ تَنْشَقُّ عَنْهُ الْأَرْضُ».
2- وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْقَدَمِ الزَّمَانَ، أَيْ وَقْتَ قِيَامِي عَلَى قَدَمِي[2] بِظُهُورِ عَلَامَاتِ الْحَشْرِ إِشَارَةً إِلَى أَنَّهُ لَيْسَ بَعْدَهُ نَبِيٌّ وَلَا شَرِيعَةٌ. وقد جاء في الحديث أنَّ بعثة الرسول ﷺ من علامات الساعة، فعَنْ أَنَس، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَةُ كَهَاتَيْنِ». قَالَ: وَضَمَّ السَّبَّابَةَ وَالْوُسْطَى.
خامسًا: العاقب:
فسَّر رسول الله ﷺ معنى العاقب في روايةٍ أخرى بقوله: «.. وَأَنَا الْعَاقِبُ، وَالْعَاقِبُ الَّذِي لَيْسَ بَعْدَهُ نَبِيٌّ»[3]. وهذا يعني أنَّه ﷺ جاء عقب الأنبياء كلِّهم، ولا يأتي نبيٌّ عقبه.
سادسًا: الخاتم:
في روايةٍ أخرى زاد نَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ[4] اسمًا سادسًا؛ وهو الخاتم، نقلًا عن أبيه، فقد دخل نافعٌ رحمه الله عَلَى عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ، فَقَالَ: أَتَحْصِي أَسْمَاءَ رَسُولِ اللهِ ﷺ الَّتِي كَانَ جُبَيْرُ بْنُ مُطْعِمٍ، يَعُدُّهَا؟ قَالَ: «نَعَمْ، هِيَ سِتٌّ: مُحَمَّدٌ، وَأَحْمَدُ، وَخَاتَمٌ وَحَاشِرٌ وَعَاقِبٌ وَمَاحٍ..»[5].
قال تعالى: ﴿مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ﴾ [الأحزاب: 40].
قال الصالحي الشامي: «والخاتَم بالفتح معناه أنَّه أحسن الأنبياء خَلقًا وخُلقًا، ولأنَّه ﷺ جمال الأنبياء ﷺ كالخاتَم الذي يتجمَّل به، وقيل: لما تمَّت النبوَّة كان كالخاتَم الذي يُختَم به الكتاب عند الفراغ، والخاتِم بالكسر معناه آخر الأنبياء»[6].
سابعًا، وثامنًا، وتاسعًا:
في حديثٍ آخر ذكر رسول الله ﷺ عدَّة أسماء أخرى له، مع تكرار لبعض الأسماء التي ذكرها في الروايات السابقة، فعَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ يُسَمِّي لَنَا نَفْسَهُ أَسْمَاءً، فَقَالَ: «أَنَا مُحَمَّدٌ، وأَحْمَدُ، والْمُقَفِّى، والْحَاشِرُ، ونَبِيُّ التَّوْبَةِ، ونَبِيُّ الرَّحْمَةِ»[7]. هذه الرواية تُضيف لنا ثلاثة أسماء جديدة.
سابعًا: الـمُقَفِّي:
نقل القاضي عياض قول شمر في معنى اسم «المقفِّي» أنَّه بمعنى العاقب، ومع ذلك أميل لقول ابن الأعرابي حيث قال: «هو المتَّبِعُ للأنبياء، يقال: قَفَوْتُه، أَقْفُوه، وقَفَّيتُه بتشديد الفاء المفتوحة، أَقْفِيه، إذا اتَّبعته، وقافيةُ كلِّ شيءٍ آخرُه». ويؤيد هذا المعنى ما جاء في القرآن الكريم في قوله تعالى: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ﴾ [الأنعام: 90].
ثامنًا: نبيُّ التوبة:
منذ عهد آدم كانت التوبة من المعصية كلماتٌ يقولها العبد بإخلاصٍ لله تعالى فيقبل الله منه، ويغفر له. قال تعالى: ﴿فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ﴾ [البقرة: 37]، وعندما أسرف الناس على أنفسهم في المعاصي، ووصل الأمر إلى الكفر بالله تعالى شدَّد الله عليهم، حتى جعل التوبة في بني إسرائيل تصل إلى قتل النفس أحيانًا! قال تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ﴾ [البقرة: 54].
ثم جاء رسول الله ﷺ بالتوبة الميسَّرة؛ إذ عاد الأمر إلى ما كان عليه من التوبة إلى الله باللسان، مع الإقلاع عن الذنب، والندم على فعله، والعزم على عدم العودة إليه.
تاسعًا: نبيُّ الرحمة:
﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾ [الأنبياء: 107]
عاشرًا: نبيُّ الملاحم:
جاء هذا الاسم في روايةٍ صحيحةٍ عن حُذَيْفَةَ بنِ اليمان قال: بَيْنَمَا أَنَا أَمْشِي فِي طَرِيقِ الْمَدِينَةِ، قَالَ: إِذَا رَسُولُ اللهِ ﷺ يَمْشِي فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: «أَنَا مُحَمَّدٌ، وَأَحْمَدُ، وَنَبِيُّ الرَّحْمَةِ، وَنَبِيُّ التَّوْبَةِ، وَالْحَاشِرُ، وَالْمُقَفِّي، وَنَبِيُّ الْمَلَاحِمِ»[8].
والملاحم هي المعارك، وكان رسول الله ﷺ مجاهدًا عظيمًا، وكان يُقَاتِل مَنْ قاتله من المشركين وأهل الكتاب، وكان ذا بأسٍ شديدٍ في قتاله.
بعث الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام، وأيَّدهم بالمعجزات، فَمن أنكر من تِلْكَ الْأُمَم الْحق بعد الْحجَّة والمعجزة عذِّبُوا بِالْهَلَاكِ والاستئصال، وَلَكِنَّ الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَمر نبيَّه عَلَيْهِ السَّلَام بِالْجِهَادِ مَعَهم بِالسَّيْفِ، ليرتدعوا عَن الْكفْر، وَلم يُجتاحوا بِالسَّيْفِ؛ فَإِنَّ للسيف بَقِيَّة، وَلَيْسَ مَعَ الْعَذَاب الْمنزل بَقِيَّة..»[9].
حادي عشر: المتوكِّل:
جاء هذا الاسم في التوراة؛ فعَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ[10]، قَالَ: لَقِيتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ العَاصِ ب، قُلْتُ: أَخْبِرْنِي عَنْ صِفَةِ رَسُولِ اللهِ ﷺ فِي التَّوْرَاةِ؟ قَالَ: «أَجَلْ، وَاللَّهِ إِنَّهُ لَمَوْصُوفٌ فِي التَّوْرَاةِ بِبَعْضِ صِفَتِهِ فِي القُرْآنِ: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا﴾ [الأحزاب: 45]، وَحِرْزًا لِلْأُمِّيِّينَ[11]، أَنْتَ عَبْدِي وَرَسُولِي، سَمَّيْتُكَ المتَوَكِّلَ..»[12].
ثاني عشر وثالث عشر: المدَّثر والمزمِّل
أسماء (صفات) أخرى:
سُمِّي رسول الله ﷺ بأسماء أخرى أقلَّ شهرةً من الأسماء التي ذكرناها، وقد حفلت بها الكتب المتخصِّصة، ونورد منها على سبيل المثال لا الحصر، بعضها، فهو الشَّاهِدُ، والْمُبَشِّرُ، والنَّذِيرُ، والْمُبِينُ، والدَّاعِي إِلَى اللهِ، والسِّرَاجُ الْمُنِير، والْمُذَكِّرُ، وَالرَّحْمَةُ، وَالنِّعْمَةُ، وَالْهَادِي، وَالشَّهِيدُ، وَالْأَمِينُ، والْمُخْتَارُ، وَالشَّفِيعُ، والْمُشَفَّعُ، وَالصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ، وَغير ذَلِك.
أسماء دارجة ليست من أسمائه [طه – ياسين][13].
[1] البخاري: كتاب المناقب، باب ما جاء في أسماء رسول الله r (3532)، ومسلم: كتاب الفضائل (2354).
[2] وقت بعثتي؛ لأنَّ بعثته من علامات يوم القيامة؛ إذ لا نبيَّ بعده، وبه r خُتِمت الرسالات، فقَرُبَ الحشرُ.
[3] مسلم: كتاب الفضائل، باب في أسمائه r (2354).
[4] تابعي فقيه، وعالم متمكن، وهو ابن الصحابي الجليل راوي الحديث جبير بن مطعم.
[5] الحاكم (7718)، وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي. وورد الحديث بألفاظ أخرى: أحمد (16794)، والطبراني: المعجم الكبير (1564)، والبيهقي: شعب الإيمان (1334).
[6] الصالحي الشامي: سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد 1/453.
[7] مسلم، كتاب الفضائل، باب فِي أسمائه r (2355)، وأحمد (23492).
[8] أحمد (23492)، وقال الأرناءوط: صحيح لغيره.
[9] البغوي: شرح السنة للبغوي، 13/ 213، 214.
[10] من كبار التابعين الثقات.
[11] حرزًا للأميِّين: أي: حصنًا للعرب.
[12] البخاري: كتاب البيوع، باب كراهية الصخب في الأسواق (2018)، واللفظ له، وأحمد (6622).
[13] لمشاهدة الحلقة على اليوتيوب اضغط هنا
التعليقات
إرسال تعليقك