د. راغب السرجاني
المشرف العام على الموقع
طبيب ومفكر إسلامي، وله اهتمام خاص بالتاريخ الإسلامي، رئيس مجلس إدارة مركز الحضارة للدراسات التاريخية بالقاهرة، صاحب فكرة موقع قصة الإسلام والمشرف عليه، صدر له حتى الآن 58 كتابًا في التاريخ والفكر الإسلامي.
ملخص المقال
ما أقل المطلوب في الصيام؟
المشهور عند الحديث عن الصيام:
· التحفيز على كثرة الصيام لعظم فوائده: روى البخاري ومسلم عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «مَنْ صَامَ يَوْمًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، بَعَّدَ اللَّهُ وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا».
· وعند الحديث عن الصيام نفسه يقسِّمون الصيام إلى صيام العوام، وصيام الخواص، وصيام خواص الخواص، ويطلب منك بالطبع صيام خواص الخواص.
. هذا في الواقع يعجِّز كثيرًا من المسلمين، فليس كل الناس بدرجة إيمان أبي بكر وعمر، وليس كل الناس يقوى على هذا العمل.
· أحببت في هذه الحلقة أن أتناول عكس ما يتناوله الدعاة في هذا الشأن، وهو أقل المطلوب في الصيام؛ سواء في الكيف في رمضان وغيره، أو في الكمِّ في النوافل بعد رمضان.
· هذا المنهج نبوي، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسعى دومًا للتيسير على الناس، وكان كذلك يُثمِّن ما يفعلون، حتى لو كان قليلًا جدًّا بالنسبة له، أو بالنسبة لكبار الصحابة.
من ناحية الكيف:
اجتناب المحرَّم، وفعل الخير قدر المستطاع: روى الشيخان عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ، قَالَ: «.. فَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَاجْتَنِبُوهُ، وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ».
الحرام هنا:
أولًا: ما كان ممنوعًا في الصيام؛ وهو حلال في غير وقته: الطعام، والشراب، والجماع.
ثانيًا: ما كان حرامًا في الصيام وغيره ولكنه آكد في الصيام، ويشمل كل المحرَّمات، وقد روى ابن ماجه -وقال الألباني: حسن صحيح- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «رُبَّ صَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ صِيَامِهِ إِلَّا الْجُوعُ، وَرُبَّ قَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ قِيَامِهِ إِلَّا السَّهَرُ».
ونخصُّ من المحرَّمات ما ورد النصُّ به:
· روى البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالعَمَلَ بِهِ، فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ».
· روى البخاري عن أبي هُرَيْرَةَ، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «.. وَالصِّيَامُ جُنَّةٌ، وَإِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ فَلاَ يَرْفُثْ وَلاَ يَصْخَبْ، فَإِنْ سَابَّهُ أَحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ، فَلْيَقُلْ إِنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ».
أما من ناحية الكمِّ:
· فالبداية أن نعلم أن المفروض علينا هو رمضان وحده، ولو صام أحدنا هذا الشهر حق الصيام قُبِل منه، ودخل الجنة، ومع ذلك فقد لا يكون صيامه كله مقبولًا، فاستحب صيام بعض النفل لنجبر كسر الصيام غير المقبول، أو غير الصحيح.
· أقل الصيام النفل أن تصوم أيامًا معينة في السنة جاء الحضُّ الشديد على صيامها:
o روى مسلم عَنْ أَبِي قَتَادَةَ الْأَنْصَارِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم سُئِلَ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ؟ فَقَالَ: «يُكَفِّرُ السَّنَةَ الْمَاضِيَةَ وَالْبَاقِيَةَ» قَالَ: وَسُئِلَ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ؟ فَقَالَ: «يُكَفِّرُ السَّنَةَ الْمَاضِيَةَ».
o أيام أخرى مهمة: روى مسلم عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ قَالَ: «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ، كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ».
· بعد هذه الأيام، وبالنسبة لصيام النفل الدوري، فالمشهور عند الناس أن أقل الصيام ثلاثة أيام في الشهر، ومع ذلك هناك رواية صحيحة عند النسائي، وأحمد، والطبراني عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قال: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «صُمْ مِنَ الشَّهْرِ يَوْمًا وَلَكَ أَجْرُ مَا بَقِيَ»، قُلْتُ: إِنِّي أُطِيقُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، قَالَ: «فَصُمْ يَوْمَيْنِ وَلَكَ أَجْرُ مَا بَقِيَ»، قُلْتُ: إِنِّي أُطِيقُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، قَالَ: «فَصُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَكَ أَجْرُ مَا بَقِيَ»، قُلْتُ: إِنِّي أُطِيقُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، قَالَ: «صُمْ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ وَلَكَ أَجْرُ مَا بَقِيَ»، قُلْتُ: إِنِّي أُطِيقُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «أَفْضَلُ الصَّوْمِ صَوْمُ دَاوُدَ كَانَ يَصُومُ يَوْمًا وَيُفْطِرُ يَوْمًا».
· هناك صيام يوم وفطر يومين، وصيام يوم وفطر يوم، ولكن هذه درجات كبرى لا أنصح بالبدء بها، وكذلك النبي صلى الله عليه وسلم لم ينصح بالبدء بها، ولكن نحافظ على القليل الدائم، وهو كما شرحنا، ومع ذلك، فبعد أن يعتاد المرء على الصيام سيصبح الإكثار منه غير مرهق، وسيُلْقِي الله محبة هذه العبادة العظيمة في القلب.
ومن الرائع أن نختم هذه الحلقة بحديث البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إِلَّا الصَّوْمَ، فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ، وَلَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ المِسْكِ»[1].
[1] لمشاهدة الحلقة على اليوتيوب اضغط هنا
التعليقات
إرسال تعليقك