التاريخ الإسلامي
دون تشويه أو تزوير
التاريخ الإسلامي يمتد منذ بداية الدعوة الإسلامية بعد نزول الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم تأسيس الدولة الإسلامية بالمدينة المنورة وحكم الخلفاء الراشدين، مرورًا بالدولة الأموية فالدولة العباسية بما تضمنته من إمارات ودول مثل السلاجقة والغزنوية في وسط آسيا والعراق وفي المغرب الأدارسة والمرابطين ثم الموحدين وأخيرًا في مصر الفاطميين والأيوبيين والمماليك ثم سيطرة الدولة العثمانية التي تعتبر آخر خلافة إسلامية على امتداد رقعة جغرافية واسعة، وهذه البوابة تعنى بتوثيق التاريخ من مصادره الصحيحة، بمنهجية علمية، وعرضه في صورة معاصرة دون تشويه أو تزوير، وتحليل أحداثه وربطها بالواقع، واستخراج السنن التي تسهم في بناء المستقبل.
ملخص المقال
صعد الأمير محمد رشاد إلى حكم الدولة العثمانية تحت اسم محمد الخامس. وكان من الواضح بدراسة الظروف التي تولى فيها أنه لن يكون له من الأمر شيءٌ البتَّة.
السلطان محمد الخامس (1909-1918م)
صعد الأمير محمد رشاد إلى الحكم بعد عزل أخيه، وذلك تحت اسم «محمد الخامس». كان من الواضح بدراسة الظروف التي تولى فيها هذا السلطان الجديد الحكم أنه لن يكون له من الأمر شيءٌ البتَّة! سيتولى حزب الاتحاد والترقي القيادة بلا جدال، أمَّا هو فسيكون مجرَّد «صورة». أوَّلًا لتحكُّم الاتحاديين بالجيش، وثانيًا لعدم فقه السلطان محمد الخامس للسياسة؛ فقد قضى سنوات حبسه في عهد السلطان عبد الحميد الثاني في تعلُّم اللغات الشرقيَّة، وفي دراسة الشعر الفارسي، ولم يكن يخرج -بأمر السلطان- من قصره إلَّا نادرًا[1].
يُعَدُّ السلطان عبد الحميد الثاني بذلك هو آخر الحكام الفعليِّين لآل عثمان، وسيكون آخر ثلاثة سلاطين في عمر الدولة بلا سلطةٍ تقريبًا. لا أدري في الواقع كيف كان السلطان عبد الحميد الثاني يتخيَّل شكل الدولة بعد موته؟ هل كان يتوقَّع لها السلامة تحت قيادة رجلٍ حُبِس أكثر من ستِّين سنة؟ أم كان يتوقَّع أن يعيش هو لدولته فلا يموت أبدًا؟! كان من الأجدر لرجلٍ عاقلٍ مثله أن يُدَرِّب وليَّ عهده على إدارة أمور البلاد والعباد، ولكن وساوس الانقلاب عليه كانت تمنعه من التفكير في مستقبل البلاد من بعده!
حدثت أمورٌ جسامٌ في عهد السلطان محمد الخامس، سواءٌ على مستوى الدولة العثمانية، أم على مستوى العالم كلِّه، وقد حكم تسع سنواتٍ فَقَدَ فيها معظم الأقطار المتبقية في الإمبراطوريَّة العثمانيَّة، ولم يبقَ مع الدولة في آخر عهده سوى الأناضول فقط تقريبًا بالإضافة إلى إسطنبول! إنَّنا يمكن أن نُقسِّم فترة حكمه إلى مرحلتين رئيستين؛ الأولى خمس سنوات، من 1909 إلى 1914م، وفيها تحلَّلت ولايات البلقان العثمانية، كما فقدت الدولةُ ليبيا لصالح إيطاليا، والمرحلة الثانية كانت أربع سنوات، من 1914م
إلى 1918م، ودخلت فيها الدولة العثمانية الحرب العالمية الأولى، وشهدت تحلُّلًا لولاياتها العربيَّة المتبقية. وفي هذا المقال سوف نتحدث عن المرحلة الثانية:
المرحلة الثانية: الحرب العالمية الأولى (1914-1918م)
شهد عصر السلطان محمد الخامس حربًا من أكثر الحروب دمويَّةً في التاريخ، وهي الحرب العالمية الأولى، وقد شاركت فيها الدولة العثمانية، وتعدُّ هذه الحرب الكبرى هي المسمار الأخير في نعش «الإمبراطوريَّة» العثمانيَّة، لم تبقَ بعد هذه الحرب «إمبراطوريَّةٌ» تضمُّ عدَّة أقطار؛ ولكن بقي الأناضول وإسطنبول فحسب، أي «دولة» تركيا الحديثة، -أيضًا- حدثت أثناء الحرب عدَّة أحداثٍ أخرى مهمَّة كلها يرتبط بشكلٍ مباشرٍ بها؛ يمكن أن ندرس الحرب العالمية الأولى من خلال النقاط التالية:
اشتعال الحرب العالمية الأولى:
كانت حروب البلقان هي الفتيل الذي قاد إلى انفجار هذه الحرب المدمِّرة، لقد خلَّفت هذه الحرب توتُّرًا شديدًا بين القوى العظمى، إضافةً إلى انهيار الدولة العثمانية في هذه الحروب أمام قوًى ضعيفةٍ لا يُعْتَدُّ بها في العالم بأيِّ حالٍ من الأحوال! إنها قوى وليدة لم تتأسَّس دُولها إلَّا منذ سنواتٍ معدودات، ومع ذلك استطاعت اقتسام الأملاك العثمانيَّة في غضون شهور، ولولا تدخُّل القوى الكبرى لاحتلت إسطنبول بلا جدال! رأى «الكبار» في العالم أن إهمالهم لمسألة تقسيم تركة الرجل المريض -الدولة العثمانية- سمح لهذه القوى الهزيلة أن تفرض واقعًا لا يرضونه، فهم -كإمبراطوريَّاتٍ استعماريَّةٍ تُسيطر جيوشهم على الممالك المختلفة في شرق العالم وغربه- لا يقبلون بتقسيم الدولة العثمانيَّة المتهالكة على غيرهم. كان لا بُدَّ للصراع أن يبدأ إذن؛ في الوقت نفسه رأت بريطانيا وفرنسا أن نموَّ القوَّة الألمانيَّة صار مخيفًا؛ حيث اقتربت قوَّتها في المجمل من قوَّة بريطانيا، وفاقت قوَّة فرنسا، وصار التنافس بين بريطانيا وألمانيا صريحًا[2]؛ بل تعدُّ القوَّات البرِّيَّة الألمانيَّة هي الأقوى في العالم، وإن كانت البحريَّة الإنجليزيَّة تُرَجِّح كفَّة بريطانيا في النهاية[3].
رأت بريطانيا، وفرنسا، كذلك أن التقارب الألماني العثماني صار كبيرًا، وأن تغلغل الشركات الألمانيَّة في المشاريع العثمانيَّة أصبح في كلِّ المجالات تقريبًا، ولم يعد مقصورًا على التسليح أو التدريب العسكري؛ إنما تعدَّاه إلى إنشاء السكك الحديديَّة، ومشاريع التجارة، والزراعة، والمعمار، وتوريد التقنيات العلميَّة، والبحث عن الآثار، والتنقيب عن البترول. يمكن مراجعة البحث القيِّم الذي كتبه المؤرخ الكندي ألريتش ترومبنر Ulrich Trumpener عن مجالات العلاقة بين العثمانيِّين والألمان في آخر عهد الدولة العثمانية لنُدرك مدى العلاقة الوثيقة بين الدولتين في هذه المرحلة[4]. هذا التغلغل يجعل ألمانيا مرشحةً بقوَّةٍ لتسلُّم ميراث الدولة العثمانية عند انهيارها؛ خاصَّةً في ظلِّ الدعم الألماني للنمسا القريبة من المنطقة، وصاحبة الخبرة في التعامل مع العثمانيِّين. كان لهذين العاملين -الانهيار السريع للدولة العثمانية، والنموِّ الألماني المتزايد- الأثر السيِّء على بريطانيا وفرنسا، وكذلك روسيا، ممَّا سيدفعهم إلى «ترقُّب فرصةٍ» لحرب الألمان، واقتسام ما تبقَّى من الدولة العثمانية، وقد جاءت هذه «الفرصة» في صيف 1914م!
في 28 يونيو، في مدينة سراييڤو، اغتال رجلٌ صربيٌّ يُدْعَى جاڤريلو برينسيب Gavrilo Princip وليَّ عهد النمسا الأرشيدوق فرانز فرديناند Franz Ferdinand وزوجته[5]. كان القتل بدوافع قوميَّة[6]، وقد أثار في الأيَّام التالية عددًا من جرائم استهداف الصربيين في البوسنة[7]. اشتعلت أوروبا على المستوى الدبلوماسي، وتبادلت الدول الكبرى الرأي في جوٍّ من التوتُّر الشديد فيما عُرِف بأزمة يوليو July Crisis[8]. في 23 من يوليو أرسلت النمسا إنذارًا إلى صربيا يتضمَّن عددًا من المطالب تشمل إرسال محقِّقين نمساويين إلى صربيا للتحقيق في حادث الاغتيال، وقد تعمَّدت النمسا أن تكون الطلبات غير مقبولةٍ لتفتعل الحرب[9].
رفضت صربيا الانصياع للتهديد فأعلنت النمسا الحرب عليها في 28 من يوليو[10]. كان من الممكن أن يظلَّ الصراع محلِّيًّا، لولا التوتُّر الأوروبي الكبير نتيجة تغيُّرات موازين القوى في الفترة الأخيرة، خاصَّةً بعد حروب البلقان؛ كان كلُّ طرفٍ يشعر بأنه ينبغي ألَّا يتأخَّر في ردِّ الفعل، هذا التسرُّع أدَّى إلى قراراتٍ -أراها في الواقع- مجنونة! قامت روسيا بتحريك قوَّاتها في 30 يوليو ناحية الحدود لدعم صربيا. تحرَّكت ألمانيا لدعم النمسا، وطلبت من روسيا سحب قوَّاتها، وعند رفض الروس أعلن الألمان في أوَّل أغسطس الحرب على روسيا[11]! كانت ألمانيا تعلم أن فرنسا ستقف إلى جوار الروس في هذه الحرب، فأرسلت لها طلبًا بأن تبقى محايدة، ولكن فرنسا حرَّكت جيوشها في اتجاه الشرق (في اتجاه ألمانيا)، فقامت ألمانيا باحتلال لكسمبورج Luxembourg في 2 أغسطس، وطلبت من بلچيكا السماح لها باختراقها للوصول إلى فرنسا، وعندما رفضت بلچيكا قامت ألمانيا في 3 أغسطس بإعلان الحرب عليها! هدَّدت بريطانيا الألمان وطالبوا بضرورة احترام حياديَّة بلچيكا، ولما لم تستجب ألمانيا قامت بريطانيا في 4 أغسطس بإعلان الحرب عليها[12][13]! انقسمت أوروبا إلى فريقين كبيرين إذن؛ دولتي المركز، وهما: ألمانيا، والنمسا، في مواجهة الحلفاء، وهم: بريطانيا، وفرنسا، وروسيا.
بعد قليل -في 23 أغسطس- انضمَّت اليابان إلى الحلفاء، وهجمت على الممتلكات الألمانيَّة في الصين، والمحيط الهادي[14]. كان من المفترض أن تدخل إيطاليا الحرب إلى جانب حليفتيها ألمانيا والنمسا، ولكنَّها تردَّدت، ثم حسمت الأمر في النهاية في عام 1915م بالدخول مع الطرف الآخر -الحلفاء- نظير مساعداتٍ ماليَّةٍ ووعود[15][16]! هكذا اشتعل العالم!
وجدت ألمانيا أنه من الصعب القتال في جبهتين متباعدتين؛ روسيا في الشرق، وفرنسا في الغرب، فوضع رئيس أركانها المارشال ألفريد ڤون شليفين Alfred von Schlieffen خطَّة، عُرِفَت بخطة شليفين Schlieffen Plan، تقضي بالتركيز على غزو فرنسا فقط، مع توقُّع أن روسيا -لتخلُّفها العسكري نسبيًّا- لن تتمكن من إعداد جيشها إلا بعد مرور ستَّة أسابيع على الأقل. في هذا الوقت تكون ألمانيا قد أخضعت فرنسا، ثم تُسحب بعدها القوَّات الألمانيَّة للتركيز في جبهة روسيا وحدها. على الرغم من منطقيَّة الخطة فإنها لم تنجح! السبب كان في المقاومة الفرنسيَّة الشرسة غير المتوقَّعة، ودعم قوَّات التدخل السريع البريطانيَّة، وجاهزيَّة الروس في وقتٍ أقل من الذي توقَّعه الألمان، بالإضافة إلى صعوبة تحريك العدد الضخم للجنود الألمان في مساحاتٍ كبيرةٍ في بلچيكا وفرنسا[17].
كان الألمان قد اقتحموا فرنسا بتسعمائة ألف مقاتل! ولكنَّهم جوبهوا عند نهر مارني Marne، على بُعد خمسين كيلو مترًا فقط شرق باريس، بأكثر من مليون جندي فرنسي وإنجليزي. دارت عدَّة معارك شرسة بين يومي 5 و12 سبتمبر 1914م هُزِمَ فيها الألمان هزيمةً حاسمة، وتوقَّف تقدُّمهم[18]، بل ظلت هذه الجبهة على هذا الوضع أربع سنواتٍ كاملة، أي إلى نهاية الحرب كلِّها[19]. قُتِل من الألمان في هذه الموقعة ما يقرب من سبعةٍ وستِّين ألفًا، بينما قُتِل من الحلفاء خمسةٌ وثمانون ألفًا معظمهم من الفرنسيين[20].
قرار دخول الدولة العثمانية الحرب إلى جانب ألمانيا:
لا شَكَّ أن الفريقين المتحاربَيْن كانا حريصيْن على دخول الدولة العثمانية الحرب، خاصَّةً مع وجودها بالقرب من روسيا، بالإضافة إلى وجود مستعمراتٍ إنجليزيَّةٍ وفرنسيَّةٍ كثيرة في داخل الدولة العثمانية نفسها؛ فبريطانيا تحتلُّ مصر والسودان وقبرص، أمَّا فرنسا فتحتلُّ الجزائر وتونس. كانت أمام الدولة العثمانية خياراتٌ ثلاثة؛ إمَّا الدخول إلى جانب الألمان، أو الدخول إلى جانب الحلفاء، أو البقاء على الحياد. كان الاختيار الأخير -في رأيي- هو الأفضل؛ فالمعركة لا ناقة للدولة العثمانية فيها ولا جمل! إنها معركةٌ بين قوى العالم الكبرى، وميادينها حتى الآن بعيدة، في شمال أوروبا وغربها، وستدوم -فيما يبدو- لعدَّة سنوات، والدولة العثمانية منهكةٌ من حروب البلقان، وقد يتيسر لها في هذا الوقت الذي تتقاتل فيه القوى العظمى أن تُعيد بناء قوَّتها، بدلًا من الإنهاك الجديد في حربٍ ضدَّ قوَّةٍ عظيمةٍ أيًّا كانت. نَعَمْ قد يُملي المنتصر شروطه على القوى الضعيفة التي لم تشترك في القتال، لكن هذا سيكون في حدود، وهي في كلِّ الأحوال أقلُّ جدًّا من الشروط التي سيُمليها المنتصر على الخاسر في المعركة. إن الدخول في مثل هذه الصراعات الخطرة غير المحسومة هو نوعٌ من المقامرة فيما أرى، وينبغي ألَّا تُقْدِم عليها الدول الحكيمة.
لم يكن جنرالات الحرب العثمانيون يُفكِّرون بهذه الطريقة؛ إنما يبدو أنهم أرادوا صنع مجدٍ شخصيٍّ يمسح عار هزائم البلقان الفاضحة. لم يكن للسلطان، ولا لصدره الأعظم، رأيٌ في المسألة، بل لعلهم لم يعرفوا بالقرار إلَّا بعد اتِّخاذه[21]! قرَّر الباشوات الثلاثة دخول الحرب، ولكنَّهم اختلفوا على الجانب الذي يدخلون في صفِّه، ممَّا يؤكد أن الدخول لم يكن ضرورةً إلزاميَّة. كان أنور باشا يُفضِّل الدخول إلى جانب الألمان، وكان يرى أنه لا يوجد جيشٌ في العالم يمكن أن يهزم الألمان، ونقل شعوره هذا إلى طلعت باشا، أمَّا جمال باشا، فكان يُفضِّل الدخول إلى جانب الحلفاء، وفرنسا تحديدًا، ونظرًا إلى هيمنة أنور باشا على المجلس العسكري فقد استقرَّت الدولة على الدخول إلى جانب ألمانيا[22]! كان هذا عجيبًا في الواقع، وزاد من العجب التوقيت الذي قرَّرت فيه الدولة العثمانية الدخول في هذه الحرب المدمِّرة؛ إذ أُخِذَ هذا القرار بعد هزيمة الألمان في موقعة مارني قرب باريس (بعد شهر ونصف تقريبًا)، ممَّا يعني أن القادة العثمانيِّين يُقامرون مع الطرف الخاسر، كما أن التفوُّق العظيم للبحريَّة الإنجليزيَّة والفرنسيَّة والروسيَّة على بحريَّة ألمانيا، سيجعل إسطنبول -والدولة العثمانية كلها- مهدَّدةً بشكلٍ كبير. ما زال المؤرِّخون متحيِّرين إلى زماننا هذا في السبب الحقيقي الذي دفع الدولة العثمانية إلى هذا «الانتحار» العسكري، خاصَّةً بعد خسائرها الجسيمة في حروب البلقان، وخاصَّةً -أيضًا- مع كونها الآن إمبراطوريَّةً زراعيَّةً في زمنٍ تفوَّقت فيه الإمبراطوريَّات الصناعيَّة بشكلٍ كبير[23][24]! أخذ الجنرالات القرار بقصفٍ متهوِّرٍ لموانئ روسيَّة في البحر الأسود في 29 أكتوبر 1914[25]، وبعدها بأسبوع -في 5 نوفمبر- أعلنت روسيا وبريطانيا وفرنسا الحربَ على العثمانيِّين[26]، وردَّت الدولة العثمانية بإعلان الحرب على الدول الثلاث في 14 نوفمبر[27].
تُشير بعض الروايات إلى أن الألمان هم الذين ورَّطوا الدولة العثمانية عندما استخدموا بارجتين عثمانيَّتين مصنَّعتين في ألمانيا لضرب الموانئ الروسيَّة[28]. هناك مصادر أخرى تُكَذِّب هذه الروايات، وتنسب القصف للأسطول العثماني ذاته[29]. وأقول إنَّه حتى لو صحَّت هذه الروايات كان من الممكن للدولة العثمانية أن تعتذر بأنَّ هذا القصف جاء عن طريق الخطأ، وكانت المسألة ستمرُّ على الأغلب بسلام؛ لأن الحلفاء لا يريدون عدوًّا جديدًا في هذه المرحلة الحرجة. قامت في إسطنبول، وإزمير، وبعض المدن شرق الأناضول كإرضروم، مظاهراتٌ معارِضةٌ للحرب تمثَّلت في عدَّة مظاهرات، لكنَّها قُمِعَت[30].
سُحِبَت بذلك الدولة العثمانية إلى مصيرها المحتوم! كان القرار خاطئًا بشكلٍ مركَّب، وستكون عواقبه -بلا جدال- وخيمة! سيفتح دخول العثمانيِّين في الحرب عدَّة جبهاتٍ جديدة؛ في البلقان، وسيناء، وقناة السويس، وفلسطين، والشام، والحجاز، والعراق، واليمن، والقوقاز، وإيران.
من الجدير بالذكر أن السلطان محمد الخامس لم يُعِلن على الحلفاء حربًا عاديَّة؛ إنما أعلن «الجهاد في سبيل الله»، ودعا بصفته خليفةً للمسلمين أبناء الأمَّة للمشاركة في الحرب ضدَّ بريطانيا وفرنسا[31]. في الواقع لم تكن دعوته مؤثِّرة، لا من قريبٍ ولا من بعيد، بل سنرى أن كثيرًا من المسلمين سيُحاربون إلى جوار الإنجليز ضدَّ الدولة العثمانية، لذا يرى بعضهم أن السلطان محمد الخامس أخطأ باستعمال هذا السلاح؛ سلاح الحثِّ على الجهاد في سبيل الله؛ لأنه في حال عدم الاستجابة إليه تكون النتائج أسوأ من عدم استخدامه أصلًا، والأفضل أن يظلَّ سلاحًا للتهديد المستقبلي للحلفاء[32]، وكان على السلطان محمد الخامس أن يُدرك أن المسلمين في هذه الحقبة لن يشتركوا مع الدولة العثمانية في حرب، خاصَّةً أنها تدخل لمساعدة ألمانيا في حربٍ أوروبِّيَّةٍ صرفة.
احتلال الإنجليز للبصرة، وقيام سلطنة مصر، وهزيمة ساريكاميش من الروس (1914-1915م):
أزعج دخول الدولة العثمانية الحرب الحلفاء؛ بريطانيا، وفرنسا، وروسيا؛ ليس فقط لإضافة جنودها إلى المعادلة العسكريَّة، ولكن لأنها ستضطرُّهم إلى سحب جانبٍ كبيرٍ من قوَّاتهم بعيدًا عن الساحة الأوروبِّيَّة، وذلك في ميادين الدولة العثمانيَّة الشرقيَّة. كانت بريطانيا هي أكثر الحلفاء تضرُّرًا، لقرب طرق التجارة إلى الهند من الدولة العثمانيَّة. كانت أخطر المناطق هي الخليج العربي، وقناة السويس، لذلك حرصت بريطانيا على تأمين هاتين المنطقتين.
حرَّك الإنجليز أسطولهم إلى الخليج العربي، وقاموا بإنزالٍ بحريٍّ سهل في ميناء الفاو في 6 نوفمبر 1914، دون أن يتعرَّضوا لمقاومةٍ تُذْكَر[33]. اشترك أمير الكويت مبارك الصباح -التابع للدولة العثمانية- في مساعدة القوَّات الإنجليزيَّة، وهاجمت قوَّاته عدَّة مواقع عثمانيَّة؛ في أم قصر، وصفوان، وجزيرة بوبيان، والبصرة، في مقابل اعتراف بريطانيا باستقلال الكويت تحت الرعاية الإنجليزيَّة[34]! في الواقع لم تعطِ الدولة العثمانيَّة أهميَّةً عسكريَّةً كبرى لمنطقة الخليج العربي، كأنها لم تتوقَّع أن يفتح الإنجليز جبهةَ قتالٍ في هذه المنطقة البعيدة عن أوروبا، وكان هذا من أخطائها الجسيمة في الحرب، فكان الجيش العثماني الرابع المسئول عنها هو أضعف جيوشها، وهذا أدَّى إلى سهولة الاقتحام الإنجليزي[35]. في 22 نوفمبر سقطت البصرة في يد الإنجليز[36]، فكانت أولى المدن المهمَّة ضياعًا من العثمانيِّين في هذه الحرب المدمِّرة.
أراد الإنجليز تأمين مصر بشكلٍ أكبر، فلم يكتفوا بدعم الحامية الإنجليزيَّة هناك؛ إنما قاموا بفصل مصر سياسيًّا عن الدولة العثمانية بإعلان «سلطنة مصر». كانت مصر قانونيًّا، وفي عرف الدولة العثمانيَّة والمصريين، تابعةً للعثمانيِّين تحت اسم «الخديويَّة»، ومحتلَّة من الإنجليز، فقامت بريطانيا في 18 ديسمبر 1914 بعزل الخديوي عباس حلمي، ووضعت مكانه حسين كامل -ابن الخديوي الراحل إسماعيل- وأعطته لقب «سلطان»[37]. تقصد بريطانيا بهذه الخطوة إعلان انفصال مصر الرسمي عن الدولة العثمانيَّة، لهذا أعطت حسين كامل لقب «سلطان» ليكون مكافئًا للقب السلطان العثماني، وهو لقبٌ يعني عدم التبعيَّة لأحد. كان الأمر يبدو كأنه أمرٌ نظري، ولكنَّه في الواقع مهم؛ لأن معناه عند الدولة العثمانية هو تمرُّد القيادة المصريَّة عليها، وانفصال الدولة عنها، ولم يعد الأمر مجرَّد احتلالٍ إنجليزيٍّ سيزول عن «الولاية التابعة» في وقتٍ ما.
لذلك استجابت الدولة العثمانية في يناير 1915م، بعد شهرٍ واحدٍ من إعلان استقلال مصر عنها، بتحريك جيشها في الشام إلى سيناء[38]. اخترق الجيش سيناء، وهاجم التحصينات الإنجليزيَّة على قناة السويس في الفترة من 26 يناير إلى 4 فبراير 1915م، ولكنَّه فشل في اقتحامها[39]. للعجب، فإن الجيش المصري قاتل إلى جوار الإنجليز في هذه المعارك، وحقَّق نصرًا على العثمانيِّين عند معبر طوسون على قناة السويس (10 كيلو متر تقريبًا جنوب مدينة الإسماعيلية)، فيما عُرِف في التاريخ بواقعة طوسون[40]! في الواقع لم أفهم كيف قاتل المصريون إلى جوار الجيش الإنجليزي المحتلِّ لأرضهم منذ اثنتين وثلاثين سنة (منذ 1882م) ضدَّ الدولة العثمانية المسلمة، ولكن كان هذا هو الواقع المرير الذي تُعانيه الأمَّة الإسلاميَّة! على كلِّ حالٍ كانت هذه بداية تكوين جبهةٍ جديدةٍ للقتال ضدَّ الحلفاء؛ في منطقة قناة السويس، وسيناء، وفلسطين، ستستمر إلى نهاية الحرب في 1918م.
في الوقت نفسه الذي كان الجيش العثماني يُحارب في سيناء كان جيشٌ عثمانيٌّ آخر أعظم، تتفاوت الروايات في تقدير حجمه، ولكنَّه يتراوح بين ثمانين ألفًا ومائةٍ وخمسين ألف مقاتل[41]، تحت قيادة وزير الحربية إسماعيل أنور باشا[42]، يتَّجه إلى شرق الأناضول لحرب الروس في جبهة القوقاز. كان هدف الجيش العثماني استرداد مدينة قارص[43] التي احتلها الروس عام 1878م، ثم التوغُّل في چورچيا. اخترق الجيش العثماني أرمينيا في منتصف ديسمبر، والتقى والجيش الروسي عند مدينة ساريكاميش Sarıkamış على بُعد خمسين كيلو مترًا غرب قارص[44].
نُصِح الوزير بمحاولة تجنُّب القتال إلى أن ينقضي وقت الشتاء، لكنَّه أصرَّ على القتال بغية مباغتة الروس، وأحدث هذا الخلاف شقاقًا في الجيش وصل إلى قيام وزير الحربية إسماعيل أنور باشا بعزل قائد الجيش الثالث حسن عزت باشا[45]. دارت معارك شديدة لما يقرب من شهر -في الفترة من 22 ديسمبر 1914م إلى 17 يناير 1915م- هُزِم فيها العثمانيُّون هزيمةً كبيرة[46][47]. تختلف المصادر في تحديد عدد الشهداء العثمانيِّين، وإن كانت عدَّة مصادر اجتمعت على أن الرقم وصل إلى تسعين ألفًا[48][49][50][51]! كان البرد الشديد أحد أسباب الموت في هذه المعركة المؤسفة[52].
ذكرت بعض المصادر أن المتبقِّي من الجيش العثماني بعد الموقعة لم يتجاوز اثني عشر ألفًا وخمسمائة مقاتل[53]! يرى بعض المحلِّلين العسكريِّين أن الأداء العسكري للجيش العثماني كان منضبطًا، ولم يكن الطقس معوِّقًا لأدائه، ولكن لم تكن خطة أنور باشا محكمة، كما لم يكن التواصل بين الوحدات جيِّدًا[54]، ولعلَّ هذا العامل الأخير كان بسبب الخلافات المحتدمة بين القادة على توقيت القتال، وبسبب غضب كثيرٍ من القادة نتيجة عزل حسن عزت باشا قُبيل المعارك[55]. جعل إسماعيل أنور باشا سبب الهزيمة هو أن الأرمن التابعين للدولة العثمانيَّة وقفوا إلى جوار الروس، وكشفوا تحرُّكات الجيش العثماني[56]، بينما تذكر المصادر الأرمينيَّة أن هؤلاء الأرمن المشاركين للروس في المعركة كانوا من الذين يعيشون في روسيا وليسوا أتباعًا للدولة العثمانية[57]. على كلِّ حالٍ كانت هذه الموقعة سببًا في حرص العثمانيِّين على سكون هذه الجبهة إلى آخر الحرب، حيث يذكر أحد الضباط الألمان المشاركين في هذه الموقعة إلى جوار العثمانيِّين أن الجيش الثالث العثماني تعرَّض في هذه الحرب لكارثةٍ عسكريَّةٍ غير مسبوقةٍ في التاريخ العسكري من ناحية السرعة والاكتمال[58]! و-أيضًا- ستكون هذه الموقعة سببًا مباشرًا لعمليَّة ترحيل الأرمن من شرق الأناضول في صيف 1915م.
معركة جاليبولي ضدَّ بريطانيا وفرنسا (1915-1916م):
معركة جاليبولي واحدةٌ من أهمِّ المعارك في التاريخ التركي الحديث، ويعتبرها القوميُّون الأتراك النموذج الذي يُريدونه للدفاع عن وطنهم، وفي هذه الموقعة صدَّ الجيش العثماني -على الرغم من تسليحه الضعيف- جيشين لدولتين من أعظم الدول الصناعيَّة في ذلك الوقت؛ بريطانيا، وفرنسا! -أيضًا- تُعتبر هذه المعارك هي الميلاد الحقيقي لمصطفى كمال أتاتورك بطلًا قوميًّا يمكن أن يُعَوَّل عليه للدفاع عن حقوق الأتراك[59].
على الرغم من الانتصارات الإنجليزيَّة على الدولة العثمانيَّة في جبهتي العراق وقناة السويس، والانتصار الروسي عليها في جبهة القوقاز، فإن الحلفاء شعروا أن الدعم الألماني سيُطيل أمد الوجود العثماني في القتال، لذلك قرَّروا حسم المسألة عن طريق احتلال إسطنبول ذاتها، كما أن السيطرة على المضايق البحريَّة ستفتح الطريق إلى روسيا التي كانت في حاجةٍ ماسَّةٍ لإمدادات الحلفاء[60]! لم يكن القرار مجنونًا؛ إذ سبق للقوَّات الروسيَّة في عام 1878م أن اجتاحت الدولة العثمانيَّة حتى كادت تصل إلى العاصمة لولا التحذير الأوروبي، ومرَّة أخرى كادت القوَّات البلغاريَّة -على ضعفها النسبي- تصل إلى إسطنبول في عام 1912م لولا التحذير الروسي!
بدأ الأمر في 17 فبراير 1915م بهجومٍ بحريٍّ من بريطانيا وفرنسا على الدردنيل بغية اختراقه، والوصول إلى إسطنبول، لكن محاولاتهم المتكرِّرة فشلت[61][62]. أراد الحلفاء ألا يُضيِّعوا وقتًا فقاموا بالإنزال البريِّ على شبه جزيرة جاليبولي Gallipoli في 25 أبريل من السنة نفسها[63]. كانت الفرقة الأستراليَّة والنيوزيلنديَّة من الجيش الإنجليزي هي أولى الفرق نزولًا إلى جاليبولي[64]، وحيث إن هذه هي المشاركة الحربيَّة الأولى في التاريخ لجيوش أستراليا Australia ونيوزيلندا New Zealand فإن هذه المعارك أيقظت عند الأستراليين والنيوزيلنديين روح الوطنيَّة، وهي التي يُسمُّونها «روح أنزاك»[65][66]، وأنزاك هي الحروف الأولى من اسم الفرقة العسكريَّة للبلدين في معارك الحرب العالمية الأولى Australian and New Zealand Army Corps (ANZAC)[67][68].
هذه الروح كانت سببًا مباشرًا لسعي الدولتين إلى الاستقلال عن بريطانيا، على الرغم من أنهما لم تُحقِّقا الانتصار في معارك جاليبولي، ولكن تضحيَّاتهما كانت كبيرة، لهذا فإن تاريخ هذا الإنزال العسكري -25 أبريل- يُعدُّ عيدًا قوميًّا في البلدين[69][70]. شارك في معارك جاليبولي خمسون ألف أسترالي، ومن أربعة عشر إلى سبعة عشر ألف نيوزيلندي[71]. جدير بالذكر أن بريطانيا كانت تستخدم جيوش البلاد التي تحتلها في معاركها في العالم، وقد مرَّ بنا استخدامها للمصريين في حرب العثمانيِّين عند قناة السويس، والآن تستخدم الأستراليين والنيوزيلنديين في جاليبولي، واستخدمت الهنود في احتلال العراق، وهكذا، والحقُّ أن الخطأ في هذا الاستخدام يقع على الشعوب المستعبَدة التي قَبِلَت أن تُقاتل في معارك لا ناقة لهم فيها ولا جمل، بل أحيانًا كانوا يُقاتلون إخوانهم في الدين أو العرق، وليس مقبولًا في هذه الظروف أن تتعلَّل الشعوب بالإكراه الإنجليزي لها؛ لأنّ الخنوع والخضوع ليس لهما مسوِّغات!
كوَّن العثمانيون جيشًا خاصًّا لمهمَّة الدفاع عن جاليبولي هو الجيش الخامس، وكان بقيادة الجنرال الألماني أوتو ساندِرس Otto Sanders[72]، وكان الجيش يضمُّ عدَّة فرق منها الفرقة التاسعة عشرة، وكانت تحت قيادة مصطفى كمال بك (أتاتورك)[73]، وعليها وقع العبء الأكبر في الدفاع عن جاليبولي. في الفترة من 25 أبريل 1915 إلى 9 يناير 1916م-أي أكثر من ثمانية شهور- دارت عدَّة مواقع طاحنة، ومن أشدِّ حروب الحرب العالمية الأولى دمويَّة، ومع ذلك لم يتمكن الحلفاء قط من التقدُّم في شبه الجزيرة. كانت لتوقُّعات مصطفى كمال الدقيقة لأماكن إنزال الحلفاء لجيوشهم وتحرُّكاتها الأثر الكبير في نجاح الجيش العثماني في مهمَّته[74][75].
-أيضًا- كان لجسارته، ومشاركته للجنود في الصفِّ الأول، الأثر العميق في ثبات الجنود. لا تزال كلماته القليلة التي قالها لفرقته محفورة في أذهان الأتراك إلى اليوم. لقد قال لهم: «أنا لا آمركم أن تُقاتلوا، ولكن آمركم أن تموتوا! في الوقت الذي سيمضي إلى أن تموتوا ستكون قوَّاتنا الأخرى والقادة قد تقدَّموا ليأخذوا أماكننا»[76]! بهذه الروح ثبت الجيش بصورةٍ لم نرها في معارك كثيرة. كان شهداء العثمانيِّين وجرحاهم في هذه المعارك أكثر من أيِّ تخيُّل! تذكر بعض المصادر أن إجمالي الضحايا العثمانيِّين (قتلى، وجرحى، ومفقودين، ومرضى) يبلغ مائتين وخمسين ألف جندي! وفي المقابل سقط عددٌ مماثلٌ من الحلفاء[77]! بعض المصادر الأخرى تُؤكِّد أن هذا الرقم (ربع مليون لكلِّ طرف) هو عدد القتلى فقط دون حساب الجرحى والمرضى[78]، وإن كان في هذا شيءٌ من المبالغة! مهما كان الأمر فإن الدمار كان شاملًا، والملحمة كانت تاريخيَّة، خاصَّةً أن هذه الخسائر كانت في ثمانية شهورٍ فقط!
في 8 يناير 1916 أيقن الحلفاء أنهم لن يقدروا على الوصول إلى إسطنبول، فسحبوا معظم قوَّاتهم[79]، ثم استأنفوا الانسحاب الكامل في يوم 9 يناير[80]، ولن تتكرَّر محاولات غزو إسطنبول إلا بعد استسلام الدولة العثمانية في آخر الحرب.
مشكلة الأرمن (1915م):
الآن، في حرب الدولة مع الروس، تضامن الأرمن مع القوَّات الروسيَّة، إمَّا عن طريق كشف المعلومات، والتسهيلات اللوجيستيَّة أثناء القتال، وإمَّا عن طريق الانضمام الفعلي للجيش الروسي، بل سيطر الأرمن -بمساعدة الجيش الروسي- على مدينة ڤان، في مارس 1915م[81].
بعد انتهاء موقعة ساريكاميش في 17 يناير 1915م، وفناء القوَّة العثمانيَّة المدافعة عن شرق الأناضول، صار الموقف حرجًا للغاية، وصار من المؤكد أن الروس سيستغلون الموقف، ويقومون بالتعاون مع الأرمن في غزو شرق الأناضول، وإقامة دولةٍ للأرمن، وسيُصبح الطريق إلى إسطنبول مفتوحًا من الناحية الشرقيَّة للقوَّات الروسيَّة. ينبغي ملاحظة أن هذه التطوُّرات تحدث في الوقت الذي توجد فيه قوَّات الحلفاء في جاليبولي تحاول غزو إسطنبول من الناحية الغربيَّة. هكذا سيقع العثمانيُّون في العاصمة بين الروس في الشرق، والإنجليز والفرنسيين في الغرب، ولو سقطت العاصمة انتهت الحرب! لم يتوقف الأمر عند المخاوف المتوقَّعة، بل سَلَّح الروس قبائل الأرمن، التي قامت بدورها بتنفيذ مذابح جماعيَّة في المسلمين في شرق الأناضول[82]. في ظلِّ هذه الظروف قرَّرت الحكومة العثمانيَّة ترحيل نصف مليون أرمني عثماني من ولايات الأناضول الشرقيَّة إلى شمال الشام والعراق. صدر هذا القرار في أبريل 1915م، ونُفِّذ في الشهور التالية مباشرة[83].
كان القرار -على صعوبته تقنيًّا وإنسانيًّا- هو الحلُّ الوحيد أمام الدولة العثمانية لمنع الاجتياح الروسي لشرق الأناضول، ومع ذلك، ولظروف الطقس الحارَّة في الصيف، ولظروف الدولة السيِّئة أثناء الحرب، مات عددٌ كبيرٌ من الأرمن أثناء عمليَّة الترحيل[84]. يُضاف إلى هذا قيام بعض الفرق الكرديَّة بعمليَّاتٍ انتقاميَّةٍ من الأرمن أثناء الترحيل[85]؛ حيث كان التوتُّر بين العرقيَّتين كبيرًا منذ عقود، ولقد قتل الأرمن في أعقاب انتصار الروس على العثمانيِّين الآلاف من الأكراد[86]، فكان ما فعله الأكراد أثناء تهجير الأرمن ردَّ فعلٍ لِمَا حدث معهم من إبادة. يرى المؤرِّخ الأميركي چاستن مكارثي Justin McCarthy أن الأرمن والأكراد كانوا غير معنيِّين بالحرب العالميَّة، ولكن كان بينهم صراعٌ محليٌّ على الريادة في هذه المنطقة[87]. في المصادر التركيَّة يُقَدَّر موتى الأرمن في عمليَّة التهجير بالآلاف، أو عشرات الآلاف[88]، وفي التقديرات الأرمينيَّة والإنجليزيَّة تصل الأعداد إلى ستمائة ألف[89]، وأحيانًا تتجاوز المليون[90]!
ما زالت القضيَّة إلى يومنا هذا في أروقة الأمم المتحدة على الرغم من عدم وجود دليلٍ واحدٍ يؤكد جريمة التطهير العرقي؛ إنما كان الأمر تأمينًا للدولة وهي في حالة حرب، وتهجيرًا لعددٍ من أبنائها يتعاونون مع العدو، وقد اعترف جلُّ المؤرِّخين بقتال الأرمن إلى جوار الروس ضدَّ العثمانيِّين[91][92][93]، بل يعترف المؤرِّخ والطبيب الأرمني زارِه هوڤانسيان Zareh Hovanesian أنه بعد زيارة القيصر الروسي نيكولاس الثاني Nicholas II للأرمن في القوقاز أثناء الحرب، ووعده لهم بتأسيس دولةٍ مستقلَّةٍ للأرمن مكوَّنة من ستِّ ولاياتٍ عثمانيَّة شرق الأناضول، اشترك مائةٌ وخمسون ألف أرمني في الجيش الروسي[94]! وعلى الرغم من هذا التجاوز الذي يُهدِّد أمن الدولة العثمانية برمَّتها، فقد حدث تهجير الأرمن داخل الدولة ذاتها، ولم يُنْفَوا إلى الخارج، بل كان التهجير إلى أماكن أفضل في الدولة؛ حيث المستوى الحضاري للشام أفضل بكثيرٍ من شرق الأناضول. إنَّ نيَّة القتل والإبادة ليست موجودة، مع الاعتراف أن التهجير لم يتم بأسلوبٍ آمنٍ سليم، وذلك لظروف الحرب الضارية التي كانت تعيشها الدولة!
بلغاريا تدخل الحرب إلى جانب دول المركز (1915م):
في 14 أكتوبر 1915م دخلت بلغاريا الحرب في صفِّ دول المركز؛ ألمانيا، والنمسا، والدولة العثمانية[95]. كان الجيش البلغاري أصغر الجيوش في هذا الحلف (ستمائة وخمسون ألف جندي[96])، ومع ذلك كان دخوله مؤثِّرًا؛ لأنه أوَّلًا أسهم بشكلٍ مباشرٍ -بالاشتراك مع ألمانيا والنمسا- في هزيمة صربيا في أقلَّ من شهر، وبالتالي أقصاها عن الحلفاء[97]، وثانيًا لأنَّه فتح الطريق بين ألمانيا والدولة العثمانية؛ لأن بلغاريا متوسِّطةٌ بينهما، وكانت إسطنبول تحتاج إلى إمداداتٍ مستمرَّةٍ من برلين[98]، وثالثًا لأنه حرم الحلفاء من مشاركة البلغار معهم، وقد حاول الحلفاء ضمَّ بلغاريا إليهم[99]، لكن كانت بلغاريا تطمع في ضمِّ أجزاء من صربيا، المنضمَّة للحلفاء، ولذلك آثرت بلغاريا الانضمام إلى الألمان[100]، ورابعًا كانت بلغاريا تُمثِّل خطَّ دفاعٍ أوَّل ضدَّ اليونان التي ستدخل الحرب في الأغلب مع الحلفاء[101]. النتيجة السلبيَّة الأساسيَّة لدخول بلغاريا الحرب بالنسبة إلى الدولة العثمانية كانت اضطرار العثمانيِّين إلى إعطاء البلغار جزءًا من الأرض في البلقان حول نهر ماريتزا Maritsa river، وهو الجزء الذي سيضمن لبلغاريا الوصول إلى بحر إيجة[102]. كانت هناك نتيجة سلبيَّة أخرى وهي عدم قدرة الدولة العثمانيَّة على المطالبة بإقليم دوبروچا Dobruja الذي تُسيطر عليه رومانيا، وكانت الدولة العثمانية قد فقدته في حروب البلقان، وطمعت في الحصول عليه أثناء الحرب، ولكن دخول بلغاريا حال دون ذلك؛ لأن ألمانيا وعدت البلغار بإعطائهم هذا الإقليم في حال دخولهم في صفِّها، وكانوا يتوقعون دخول رومانيا إلى جوار الحلفاء، وقد صدق حدسهم، وانضمَّت رومانيا إلى الحلفاء في 1916م[103]!
الثورة العربية الكبرى (1916م):
لم تترك النزعات القوميَّة التي انتشرت في الدنيا في هذه الحقبة التاريخيَّة بلاد العرب! ظهرت هذه النزعة في معظم الأقطار العربيَّة؛ فمنها من أراد الاستقلال عن الدولة العثمانيَّة بمفرده كمصر، ومنها من أراد تكوين دولةٍ تجمع الدول العربيَّة الآسيويَّة، كتلك التي ظهرت في سوريا ولبنان، وامتدَّت إلى الحجاز. كان من المتوقَّع أن تظهر هذه النزعات في ظلِّ الضعف العثماني الشديد في القرن الأخير من عمر الدولة، ولقد فكَّر محمد علي باشا قبل هذا الوقت بقرنٍ كاملٍ في جمع العرب جميعًا -في آسيا وإفريقيا- في دولةٍ واحدة، ولكن فشل مشروعه، وليت السلطان عبد المجيد الأول أعطاه حكم هذه الدول بإرادته؛ فقد كان قادرًا على الدفاع عنها، بدلًا من تقسيمها الآن على بريطانيا وفرنسا!
استغلَّ شريف مكة حسين بن علي الظروف الصعبة التي تمر بها الدولة العثمانيَّة في الحرب، وقرَّر التحرُّك الجدِّيَّ في سبيل تكوين مملكة عربية يكون هو على رأسها[104]. تولَّى الشريف حسين إمارة مكة منذ عام 1908[105]، وكان ابنه عبد الله في البرلمان العثماني[106]. لم يكن الانسلاخ بولايةٍ عن الدولة العثمانية المنهارة أمرًا مستغربًا في هذا الوقت، ولكن الغريب حقيقةً هو تفكير أحد الزعماء المسلمين الهاشميين، كالشريف حسين، في الاتفاق -بعد قيام الحرب العالمية الأولى المدمِّرة- مع الإنجليز النصارى ضدَّ العثمانيِّين المسلمين! لقد كان المفاوضون «الأشراف» يجلسون مع الإنجليز للتفاوض في التعاون المشترك بينما القوَّات البريطانيَّة تحصد أرواح عشرات الآلاف من المسلمين في جاليبولي!
بدأ الأمر بمراسلاتٍ عَشْرٍ بين الشريف حسين والسفير البريطاني في القاهرة السير هنري مكماهون Sir Henry McMahon، بدأت في 14 يوليو 1915م واستمرَّت إلى 10 مارس 1916[107]. في هذه المراسلات عرض الشريف حسين على بريطانيا الاعتراف بدولةٍ للعرب في مقابل قيام العرب بثورةٍ ضدَّ العثمانيِّين، واشتراك الطرفين -العربي والإنجليزي- في الحرب ضدَّ الدولة العثمانيَّة، وقد وافقت الحكومة البريطانيَّة، مع التحفُّظ على بعض المناطق التي تريدها من أرض العرب؛ وهي الكويت، وعدن باليمن، وساحل سوريا! أدَّت هذه التحفُّظات الإنجليزيَّة إلى بعض الاختلافات بين الطرفين على حدود هذه الدولة المزمع تكوينها، ومع ذلك، وبعد فشل بريطانيا وفرنسا في اقتحام جاليبولي، وانسحابهم منها في يناير 1916م، جاءت الموافقة الإنجليزيَّة السريعة للشريف حسين على طلباته، في مارس 1916م[108]، وذلك لخوف الإنجليز من تطوُّر الموقف لصالح الدولة العثمانية، ومِنْ ثَمَّ بدأ الشريف في التجهيز للثورة العربية. في الحقيقة أنا لست متعجِّبًا فقط من فكرة التعاون مع الإنجليز ضدَّ العثمانيِّين، ولكنِّي متعجبٌ كذلك من اطمئنان الشريف حسين لوعود الإنجليز، الذين اشتهروا بخلفهم لوعودهم السياسيَّة، ولا أدري كيف يثقون فيهم وهم واقعيًّا يحتلون مصر «العربيَّة» منذ 1882م، وقد وعدوا بالخروج منها فورًا بعد إخماد ثورة عرابي، وها هم فيها لمدَّة ثلاثٍ وثلاثين سنةً في وقت هذه المراسلات! عمومًا، في الوقت الذي كان الإنجليز يوافقون فيه للشريف حسين على دولته المرتقبة كانوا يتفاوضون -كما سيأتي- مع الفرنسيين واليهود على الأراضي نفسها التي وعدوا بها الشريف! قال تعالى: ﴿يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا﴾ [النساء: 120].
بدأ الشريف حسين في الإعداد للثورة مع ولديه عبد الله وفيصل، ويبدو أنه كان من المفترض أن تكون الثورة في أواخر 1916م، ولكن قُدِّم الموعد بسبب أحداثٍ جدَّت في سوريا. كان والي الشام العثماني جمال باشا، وهو أحد الباشوات الثلاثة الذين قاموا بانقلاب 1913م، قد وضع يده -كما يدَّعي- على وثائق تُثبت التعاون السرِّيَّ بين بعض القيادات العربيَّة في سوريا ولبنان مع بريطانيا وفرنسا. أقام الباشا محاكماتٍ سريعةً لهؤلاء الزعماء، وصدر حكم الإعدام ضدَّ عشرين منهم[109]. مع أن مسألة الوثائق غير مؤكدةٍ فإنها محتملةٌ بشكلٍ كبير؛ لأن المثقفين العرب -والراغبين في الثورة على الحكم العثماني- كانوا لا يرون غضاضةً في ذلك الوقت في التعاون مع الإنجليز والفرنسيين من أجل الاستقلال عن العثمانيِّين، وقد رأينا التعاون الدبلوماسي بين الشريف حسين والإنجليز، وسنرى التعاون العسكري بعد قليل! ومع ذلك فأنا أرى أن قرار جمال باشا بإعدام الزعماء السوريين كان تهوُّرًا منه، لأن رفع حالة الاحتقان في الدولة ليس من المصلحة في هذا الوقت الحساس، ولكنه على الأغلب كان يرى أنه لو تهاون في العقاب فسيتكرَّر التعاون بين الزعماء العرب والأعداء. على كلِّ حال تمَّ الإعدام في 6 مايو 1916م[110]، وكان على الشريف حسين أن يبدأ بسرعةٍ في ثورته مستغلًّا حالة الاحتقان التي شملت الشام.
في 5 يونيو 1916م بدأ عبد الله وفيصل ولدا الشريف حسين بعض المناوشات في المدينة المنورة، ثم بعدها بخمسة أيام -في 10 يونيو- أعلن الشريف حسين رسميًّا قيام الثورة العربية الكبرى، وخلع طاعة الدولة العثمانيَّة، ونادى بنفسه ملكًا على كلِّ العرب[111]، وكوَّن جيشًا صغيرًا في البداية، لكنَّه ما لبث أن ازداد حتى وصل إلى خمسين ألف مقاتل[112]. بدأ الشريف حسين نشاطه بقتال الحامية العثمانيَّة في جدة، وقد شارك في هذا الهجوم الأسطول الإنجليزي، الذي قصفها بضراوةٍ ممَّا أدَّى إلى سقوطها في يد الشريف في 17 يونيو[113]، وبعدها -في 28 يونيو- أرسلت بريطانيا القائد العسكري لمنطقة البحر الأحمر، الكولونيل ولسون Colonel Wilson، ومقره في بور سودان، إلى مدينة جدة، لدعم الشريف حسين، والتأكد من ولاء الثورة للإنجليز[114]! حرص الإنجليز على دوام إمداد الثوار العرب بالأسلحة، والمؤن، والذخيرة، وذلك من قواعدهم بالسودان عن طريق البحر الأحمر[115].
بعد سقوط جدة حوصرت مكة، ثم قُضي على حاميتها في 9 يوليو، وبعدها سيطر الثوَّار العرب على الطائف في 22 سبتمبر، لكنَّهم فشلوا في إسقاط حامية المدينة المنورة[116]. في أكتوبر 1916م أرسلت بريطانيا من مصر توماس لورنس Thomas Lawrence، وهو المعروف بلورنس العرب، وهو أحد الضبَّاط الإنجليز المرموقين، إلى جيش الثورة العربية لمساعدته في التكتيكات الحربيَّة وشئون المخابرات، وكان له دورٌ كبيرٌ في نجاح العمليَّات العسكريَّة ضدَّ الدولة العثمانيَّة[117].
حافظ الشريف حسين على حصار الْمَدِينَة واتَّجه شمالًا صوب فلسطين، فخرَّب خطَّ السكة الحديد الواصل بين دمشق والمدينة المنورة[118]! وكانت الدولة العثمانيَّة تعتمد عليه في توصيل الإمدادات العسكريَّة والمؤن من الشام إلى فلسطين ثم سيناء؛ لقتال الإنجليز، فضعف الجيش العثماني لذلك، وتمكَّن الجيش الإنجليزي من الانتصار عليه في عدَّة مواقع في سيناء، وكذلك في فلسطين! يمكن مراجعة تفاصيل هذه المعارك -المؤسفة في الواقع- في كتاب لورنس العرب للمؤرِّخ الإنجليزي چيرمي ولسون Jeremy Wilson، ففيه الكفاية وزيادة[119]!
في الواقع كانت الرؤية الصائبة غائبة عن جلِّ المسلمين في هذه الحقبة، وليس من فراغ أن يتمكن الأعداء من احتلال العالم الإسلامي من إندونيسيا شرقًا إلى المغرب غربًا!
سيستمر جيش الثورة العربية في مناصرة الإنجليز إلى آخر أيَّام الحرب، وسيُساعده في احتلال معظم البلاد العربية الآسيويَّة!
اتفاقية سايكس بيكو (1916):
في الوقت الذي كان السير مكماهون يُراسل الشريف حسين ليخدعه بجدوى التحالف مع الإنجليز ضدَّ العثمانيين، كان الدبلوماسي العسكري البريطاني مارك سايكس Mark Sykes يجلس مع قرينه الفرنسي فرانسوا چورچ بيكو François Georges-Picot، برعايةٍ روسيَّةٍ وإيطاليَّة، ليتفاوضا على تقسيم المناطق العربيَّة نفسها -التي وعد الإنجليزُ بها العربَ- بين بريطانيا وفرنسا، فيما اشتُهر باتِّفاقيَّة «سايكس-بيكو» Sykes–Picot Agreement!
وُقِّعت هذه المعاهدة في شهر مايو 1916م[120]، بعد مباحثاتٍ استمرَّت ستَّة أشهر[121]، وكانت الاتفاقيَّة في البداية سرِّيَّة، ولكن كشفها الروس للعالم بعد قيام الثورة البلشفية في روسيا، وسقوط الحكومة القيصريَّة، بل علمت بها المخابرات العثمانيَّة، وأبلغت بها الشريف حسين لتُقنعه بعدم دعم بريطانيا، لكنَّه كان يعلم أن مملكته لن تقوم إلا بدعم الإنجليز، فاستمرَّ في التعاون معهم[122]! وقد نُشِرت بنودها في صحيفة مانشستر جارديان Manchester Guardian الإنجليزيَّة في 26 نوفمبر عام 1917م[123]، ممَّا سبَّب حرجًا بالغًا للحكومة الإنجليزيَّة، وأحدث لغطًا كبيرًا في الأوساط العربيَّة.
خصَّصت الاتفاقيَّة لبريطانيا جنوب فلسطين، والأردن، وجنوب العراق، وموانئ حيفا وعكا في فلسطين لتضمن مخرجًا على البحر المتوسط، أمَّا فرنسا فستأخذ جنوب شرق تركيا، وشمال العراق، وسوريا، ولبنان. أمَّا وسط فلسطين -شاملًا القدس- فسيكون تحت إدارةٍ دوليَّة[124]. وفي اتِّفاقٍ آخر عام 1916م عُرِف باتفاق سازونوڤ-باليولوج Sazonov–Paléologue ستحصل روسيا على أرمينيا الغربيَّة، والقسطنطينية (إسطنبول)، والمضايق البحريَّة؛ أما إيطاليا فستحصل -بموجب اتفاقية سانت چين دي مورين Saint-Jean-de-Maurienne، عام -1917م على جنوب الأناضول[125].
ستُستخدم هذه الاتفاقيَّة -كما سنرى- في عمليَّة التسوية المؤقَّتة بين بريطانيا وفرنسا بعد انتهاء الحرب العالميَّة، مع بعض التغييرات الطفيفة. وضَّحت الاتفاقيَّة للعرب والمسلمين طريقة تعامل الغرب معهم، والنظرة التي ينظرونها إليهم، ومدى الاستخفاف الذي يحملونه للقيادات والشعوب على حدٍّ سواء، ومدى سذاجة من يثق في وعودهم، وفي الحدث عبرةٌ لمن يعتبر!
سقوط العراق، وسيناء، وجنوب فلسطين (1917):
في النصف الثاني من عام 1916، وفي عام 1917، لم تتوقَّف الحرب تقريبًا على كلِّ جبهات الدولة العثمانية، ولكنها كانت أشدَّ ما يكون في جبهتي العراق وفلسطين.
في 18 فبراير 1917 انتصر الإنجليز على العثمانيين في موقعة بئر الحسنة في أقصى شمال شرق سيناء، وبذلك تمكن الإنجليز، وبمساعدة القوَّات العربيَّة، من استرداد سيناء كلِّها من يد الجيش العثماني، واقتحموا فلسطين[126]. على الجبهة العراقيَّة حقَّق الإنجليز نصرًا كبيرًا بإسقاط بغداد في 11 مارس 1917[127]. هزَّ سقوط بغداد العالم الإسلامي، ولكنَّه أُتْبِع بهزيمتين للإنجليز في فلسطين على يد الجيش العثماني، في موقعة غزة الأولى في 26 مارس، وموقعة غزة الثانية في 17-19 أبريل 1917م[128].
حدث تطوُّران كبيران في هذه الفترة في الأحداث العالميَّة كان لهما تأثيرٌ مباشرٌ على الحرب. كان التطوُّر الأوَّل في روسيا، في فبراير 1917، حيث قامت ثورةٌ على القيصر نيكولاس الثاني انتهت بإقصائه عن الحكم في 15 مارس 1917م، وهكذا انتهى حكم عائلة رومانوڤ Romanov، وقامت حكومةٌ مؤقَّتة[129]. كانت الثورة بسبب الخسائر الاقتصاديَّة والعسكريَّة التي تعرَّضت لها الحكومة الروسيَّة في الحرب، ممَّا أدَّى إلى مجاعات، وبطالة، واقتراب البلاد من الإفلاس[130]. هذه التطوُّرات أدَّت إلى ضعف فعاليَّة الجيش الروسي، وبالتالي وقفت الحرب تقريبًا على الجبهة الروسيَّة في القوقاز وشرق الأناضول[131]. كان من الممكن لهذا التطوُّر أن يُضْعِف جانب الحلفاء بشكلٍ يؤثِّر في أدائهم في الحرب، إلَّا أن التطوُّر الثاني كان في مصلحتهم، وهو دخول الولايات المتحدة الأميركية إلى جانبهم في 6 أبريل 1917م[132].
كان دخول أميركا الحرب بسبب اعتداء الغواصات الألمانيَّة على سفنٍ تجاريَّةٍ أميركيَّة، و-أيضًا- بسبب الكشف عن تحريضاتٍ ألمانيَّةٍ للمكسيك للقيام بحربٍ ضدَّ أميركا، وقد اكتُشفت هذه التحريضات بعد تمكُّن المخابرات الإنجليزيَّة من التقاط برقيَّةٍ أرسلها وزير الخارجيَّة الألماني آرثر زيمرمان Arthur Zimmermann إلى سفير ألمانيا في أميركا والمكسيك، وتسليم البرقيَّة في السفارة الأميركيَّة في لندن، وهي البرقيَّة المشهورة في التاريخ ببرقية زيمرمان Zimmermann telegram، وفيها تحثُّ ألمانيا المكسيكَ على الدخول إلى جانبها في الحرب، على أن تدعمها ألمانيا في حرب أميركا وضمِّ ولايتي أريزونا ونيو مكسيكو إليها[133]. كان دخول أميركا يعني اشتراك أكثر من أربعة ملايين ونصف مليون جندي (تحديدًا 4,743,826 جندي بالضبط) مدرَّب بصورةٍ جيِّدةٍ جدًّا، مع أفضل تقنيات السلاح في ذلك الزمن[134]! من المؤكد أن هذا الدخول سيقلب أيَّ معادلةٍ حربيَّة، خاصَّةً أن أميركا تدخل الحرب بعد إنهاك القوى الأخرى بشكلٍ كبير!
في 27 يونيو 1917م دخلت اليونان الحرب إلى جانب الحلفاء[135]، ومع أن الجيش اليوناني ضعيفٌ نسبيًّا، وغير مؤثِّرٍ بشكلٍ كبيرٍ في الأحداث، فإن قرب اليونان من الدولة العثمانية وإسطنبول سيجعل لدخوله قيمة، وسنرى له إسهامًا في الأحداث القادمة.
في يوليو 1917م حدث تطوُّرٌ مهمٌّ على جبهة فلسطين؛ إذ تولى قيادة الجيش الإنجليزي الجنرال المتمكِّن إدموند اللنبي General Edmund Allenby[136]، الذي قرَّر القيام بحملةٍ كاسحةٍ في فلسطين في خريف 1917م يعوِّض بها خسائر الجيش الإنجليزي في غزة في شهري مارس وأبريل السابقين. بدأت الحملة بانتصارٍ كبيرٍ في بئر السبع في 31 أكتوبر[137]، ثم حقَّق الإنجليز في شهر نوفمبر عدَّة انتصاراتٍ حاسمةٍ في فلسطين، كان أهمُّها سقوط يافا[138]. تزامن مع هذه الانتصارات في شهر نوفمبر 1917م حدثان مؤثِّران يحتاجان إلى وقفة؛ الأوَّل هو وعد بلفور، والثاني هو الثورة البلشفية في روسيا!
وعد بلفور:
أرسل وزير خارجيّة بريطانيا آرثر بلفور Arthur Balfour في 2 نوفمبر 1917م خطابًا إلى اللورد ليونيل والتر روتشيلد Lionel Walter Rothschild، وهو أحد أثرى رجال اليهود، ومن قادة الصهيونية المشهورين، يعده فيه بوقوف بريطانيا مع اليهود لتسهيل إقامة وطنٍ لهم في فلسطين[139]، وهو ما عُرِف في التاريخ بوعد بلفور، أو إعلان بلفور Balfour Declaration.
هذا هو النصُّ الأصلي للخطاب:
«His Majesty's government view with favor the establishment in Palestine of a national home for the Jewish people, and will use their best endeavors to facilitate the achievement of this object, it being clearly understood that nothing shall be done which may prejudice the civil and religious rights of existing non-Jewish communities in Palestine, or the rights and political status enjoyed by Jews in any other country».
والترجمة لهذا الخطاب كالآتي: «تنظر حكومة صاحب الجلالة بعين العطف إلى إقامة وطنٍ قوميٍّ للشعب اليهودي، وستبذل غاية جهدها لتسهيل تحقيق هذه الغاية، على أن يُفهم جليًّا أنه لن يُؤتى بعملٍ من شأنه أن ينتقص من الحقوق المدنيَّة والدينيَّة التي تتمتَّع بها الطوائف غير اليهوديَّة المقيمة في فلسطين، ولا الحقوق أو الوضع السياسي الذي يتمتَّع به اليهود في أيِّ بلدٍ آخر»[140].
كان اليهود يمثلون 8% تقريبًا من سكان فلسطين في ذلك الوقت (55,000 من 668,000)[141]، ولكن أخذت بريطانيا على عاتقها تأسيس وطنٍ لليهود في هذا القطر تحديدًا، متجاهلين «وعدهم» للشريف حسين بجعله مَلِكًا على دولةٍ عربيَّةٍ تشمل فلسطين، والحقُّ أن بريطانيا هي أكثر الدول مساعدةً للصهاينة في كلِّ تاريخهم، متبوعةً في هذا الشأن بأميركا.
نُشر نصُّ الوعد في الصحافة في 9 نوفمبر عام 1917م[142]، واكتشف رجال الثورة العربية أن بريطانيا لعبت بهم، واستغلَّت حداثة عهدهم بالسياسة، ورغبتهم الحميمة في الخروج من التبعيَّة العثمانيَّة. هذه الرغبة التي أعمت عيونهم عن رؤية ما كان يراه الجميع!
ستقع فلسطين بكاملها تحت الاحتلال البريطاني في غضون شهور، وسيفي الإنجليز بوعدهم لليهود في 1948؛ حيث سيُسلِّمونهم الدولة خالصةً لإقامة وطنٍ لهم فيها، ولا ينبغي للعرب والمسلمين أن يلوموا أحدًا إلا أنفسهم!
الثورة البلشفية:
ثار الحزب البلشفي Bolshevik Party بزعامة ڤلاديمير لينين Vladimir Lenin ثورةً كبرى في روسيا في 7 نوفمبر[143]. كانت هذه أوَّل ثورةٍ في القرن العشرين تقوم على الأفكار الشيوعية لكارل ماركس، وقد قامت الحكومة الجديدة بتأميم كلِّ الأراضي الروسيَّة، وأعادت تقسيمها على العمال والفلاحين (وهذا سرُّ وجود المطرقة والمنجل على العلم الجديد)، وقامت بتأميم البنوك كلِّها، وكذلك أموال الكنيسة، وتبرَّأت من كلِّ الديون الخارجيَّة، وأُعطيت إدارة المصانع للعمال، والأراضي الزراعيَّة للفلاحين، بل وأُعطيت إدارة المدارس للطلاب! لا شَكَّ أن هذه الإجراءات أدَّت إلى فشل الكثير من المؤسَّسات، وقادت البلاد إلى كوارث اقتصاديَّة على الأقل لنقص الخبرة، خاصَّةً أن هذه الإجراءات كانت سريعةً للغاية[144]. ستتحسَّن الأمور تدريجيًّا، وستكون هذه الحكومة الشيوعيَّة الجديدة نواةً لإعلان قيام دولة الاتحاد السوڤيتي في عام 1922م[145]، التي ستُصبح -إلى جوار أميركا- إحدى أكبر قوَّتين في العالم. في ظلِّ هذه الأجواء المضطربة في الدولة لم يكن مناسبًا أن يستمرَّ الجيش في حروبه الخارجيَّة. سعت روسيا إلى هدنةٍ في 15 ديسمبر 1917م مع الألمان دون الرجوع إلى بريطانيا وفرنسا[146]، فكانت هذه ضربةً كبيرةً للحلفاء. ستقود هذه الهدنة إلى معاهدة -سنتحدَّث عنها بعد قليل- أخرجت روسيا من الحرب.
سقوط القدس (1917):
كانت الحملة التي قادها الجنرال الإنجليزي اللنبي على فلسطين من أنجح حملات الحلفاء في الحرب العالمية الأولى. كان انتصار الحلفاء في بئر السبع في 31 أكتوبر 1917م متبوعًا بعدَّة انتصارات في نوفمبر وديسمبر، وقد انتهت بسقوط القدس في أيديهم في 9 ديسمبر 1917[147]. كان الحدث كبيرًا على كافَّة الأصعدة نظرًا إلى أهميَّة المدينة الدينيَّة عند كافَّة الملل. كانت الخسارة بالنسبة إلى الدولة العثمانيَّة المسلمة كبيرة، خاصَّةً أن مكة الآن تحت سيطرة الشريف حسين، الذي يُحاصر المدينة المنورة أيضًا، كما أن سقوط بغداد قبل ذلك -وهي من عواصم الخلافة الإسلاميَّة السابقة- كان مؤثِّرًا على الحالة المعنويَّة لكافَّة المسلمين[148]. من المؤكد أن فَقْدَ هذه المدن المقدَّسة سيُضْعِف من نداءات الجهاد التي يُطلقها السلطان محمد الخامس لتحريك المسلمين عالميًّا لعون الدولة العثمانيَّة. كان الوضع معكوسًا -بسذاجة- في البلاد العربيَّة؛ إذ إن العرب الثائرين كانوا يظنُّون أن سقوط القدس في يد الحلفاء يعني وصولها إليهم. كان هذا وهمًا لا يفهم حقيقته إلَّا القليلون في هذه الحقبة، وإن كان ظهور وعد بلفور في الصحف قد أثار الشكوك في نفوس الحالمين بمملكة عربية. حاول الجيش العثماني استرداد القدس في هجماتٍ عسكريَّةٍ مضادَّة كان أهمُّها في مساء يوم 26 ديسمبر، ولكن فشلت المحاولات[149]، وضاعت القدس، وإن تمكنت هذه الهجمات العثمانيَّة من وقف زحف الإنجليز هذا الشتاء!
معاهدة برست-ليتوڤسك بين الروس ودول المركز (1918م):
اشتعلت الحرب الأهليَّة في روسيا بعد الثورة البلشفية مباشرة، وحدثت أزمةٌ اقتصاديَّةٌ كبرى أعاقت أيَّ إمكانيَّةٍ لإكمال القتال[150]، فضلًا عن أن البلاشفة كانوا يُعارضون فكريًّا الحرب العالمية، ونظروا إليها -وهي نظرةٌ صحيحة- على أنها حربٌ برجوازية، تقودها رءوس المال الكبرى في العالم، ولا تُحقِّق مصالح الشعوب، بل تسعى إلى السيطرة على مقدَّرَاتها، وفي سبيل ذلك لا مانع عندها من إفناء الطبقات الكادحة[151]! غنيٌّ عن البيان أن البلاشفة تنكَّروا بعد ذلك لهذه المعاني النبيلة، وعاشوا حياتهم يستعبدون الشعوب الضعيفة حولهم! على كلِّ حال، هذا الفكر «النبيل»، وهذا الاضطرار تحت ضغط الحرب الأهليَّة، والأزمة الاقتصاديَّة، دفعهم لأخذ القرار بالخروج من الحرب منفردين، دون الرجوع إلى بريطانيا وفرنسا، فكانت هدنة ديسمبر التي أشرنا إليها منذ قليل، وكان من الواضح أن الشروط الألمانيَّة ستكون قاسية، ولكنَّ الروس كانوا يريدون إنهاء الحرب بأيِّ ثمن، فقرَّروا الجلوس مع الألمان للتفاوض.
اجتمع الوفد الروسي مع وفود ألمانيا، والنمسا، وبلغاريا، والدولة العثمانيَّة، في مدينة برست-ليتوڤسك Brest-Litovsk[152]، وهي مدينة بيلاروسيَّة، وكانت تحت السيطرة الألمانيَّة في ذلك الوقت[153]، وكانت قد دارت بين هذه الوفود مفاوضاتٌ بدأت في 22 ديسمبر 1917م[154]، وانتهت بتوقيع هذه الاتفاقيَّة في 3 مارس 1918م[155].
نتيجة هذه المعاهدة خرجت روسيا من الحرب، وأعلنت عدم التزامها بأيِّ اتفاقاتٍ سابقةٍ مع بريطانيا وفرنسا، كما وافقت على تسليم أراضٍ كثيرةٍ تحت سيطرتها؛ لتُصبح هذه الأراضي مستقلَّة، أو تحت السيطرة الألمانيَّة، أو العثمانيَّة. أعادت روسيا في هذه المعاهدة للدولة العثمانية مدن قارص، وأرداهان، وباطوم، وأرتڤين. بعد هذه المعاهدة خرجت عدَّة دولٍ إلى الوجود؛ مثل أوكرانيا، وإستونيا، ولاتفيا، وليتوانيا، كما تحرَّرت فنلندا من الاحتلال الروسي. تنازلت -أيضًا- روسيا عن حقوقها في بولندا، وتُرِك أمرها للحسم بين الألمان والنمساويين. كانت المعاهدة ضربةً موجعةً للإمبراطوريَّة الروسيَّة؛ إذ فقدت فيها ربع أراضيها، وثلاثين بالمائة من سكانها، وفقدت كذلك تسعين بالمائة من مناجم الفحم، وخمسين بالمائة من مراكزها الصناعيَّة! هذه الخسائر العجيبة جعلت القيصر الألماني ويلهلم الثاني Wilhelm II يقول: «تُعتبر هذه المعاهدة من أهمِّ النجاحات في تاريخ العالم»[156]!
هكذا رَفَعَت المعاهدة المعنويَّات الألمانيَّة بشكلٍ كبير، وأحبطت الحلفاء، وهذا سيقود إلى تصعيد الهجمات الألمانيَّة، وبدا لوهلةٍ أن الحرب ستنتهي لصالح دول المركز، ولكنَّ هذا الظنُّ لم يكن صحيحًا!
كانت المعاهدة إيجابيَّةً للدولة العثمانيَّة؛ حيث استردَّت أراضي مهمَّةً في شرق الأناضول، وصار عندها الفرصة لنقل قوَّاتها المقاتلة على الجبهة الروسيَّة إلى جبهاتٍ أخرى، ومع ذلك فهناك نتيجةٌ سلبيَّةٌ للدولة؛ إذ أدرك الأرمن أن الروس قد سحبوا دعمهم بعد خروجهم من الحرب، فكثَّفوا جهودهم، وقاموا بعدَّة حروبٍ مع الدولة العثمانية انتهت بانتصارهم[157]، وإعلان استقلالهم، وقيام الجمهورية الأرمينية في 28 مايو 1918م[158]، وقد أُقِرَّ السلام بينهم وبين العثمانيِّين، وبحضور ممثِّلين عن دول القوقاز؛ أذربيچان، وچورچيا، وذلك في معاهدة باطوم في 4 يونيو 1918م[159]، بعد أقلَّ من أسبوع من إعلان الجمهورية الأرمينية. من الجدير بالذكر أن أذربيچان أعلنت استقلالها في يوم استقلال أرمينيا نفسه، 28 مايو 1918م[160]؛ وقبلهما بيومين -في 26 مايو- كانت چورچيا قد أعلنت استقلالها أيضًا[161]. هكذا حازت عدَّة دولٍ في القوقاز استقلالها في أواخر الحرب العالمية الأولى، وكانت هذه الأقطار قد عاشت قرونًا تابعةً إمَّا للعثمانيِّين، أو الإيرانيين، أو الروس، ومع ذلك فاستقلال هذه الدول كان قصيرًا للغاية؛ ففي أقلَّ من أربع سنواتٍ ستبتلع روسيا (الاتحاد السوڤيتي لاحقًا) هذه الدول جميعًا، وستعيش تحت القهر السوڤيتي سبعين سنة، أو نحو ذلك، ولن تنال استقلالها من جديد إلَّا في عام 1991م[162]! هكذا -في هذا العالم الذي لا يعرف إلا القوَّة- كُتِب على الشعوب الضعيفة أن تعيش مُسْتَعْبَدةً لغيرها!
وفاة محمد الخامس، وولاية محمد السادس (1918م):
في 3 يوليو 1918م[163]، وقبل انتهاء الحرب العالمية الأولى بشهور، تُوفِّي السلطان محمد الخامس، وصعد إلى العرش وليُّ العهد أخوه الأصغر محمد وحيد الدين[164]، (خريطة رقم 41)، لم يكن تغيير القيادة مؤثِّرًا في مجريات الأحداث؛ إذ لم يكن لأحدهما علاقةٌ بإدارة الأمر، ومِنْ ثَمَّ سارت الدولة في مسارها نفسه دون تغيير[165].
[1] العقاد، سليم: تاريخ الحرب البلقانية المصور بين الدولة العثمانية ودول الاتحاد البلقاني، مطبعة الهلال، القاهرة، 1913م. صفحة 1/46.
[2] Prior, Robin & Wilson, Trevor: The First World War, Cassell, London, UK, 1999., pp. 19-20.
[3] أوزتونا، يلماز: تاريخ الدولة العثمانية، ترجمة: عدنان محمود سلمان، مراجعة وتنقيح: محمود الأنصاري، مؤسسة فيصل للتمويل، إستانبول، 1990 الصفحات 2/230، 231.
[4] Trumpener, Ulrich: Germany and the End of the Ottoman Empire, In: Marian Kent. The Great Powers and the End of the Ottoman Empire, Frank Cass & Co. Ltd, London, UK, 1996., pp. 107-136.
[5] فشر، هربرت. أ. ل.: تاريخ أوروبا في العصر الحديث (1789-1950)، ترجمة: أحمد نجيب هاشم، وديع الضبع، دار المعارف، القاهرة، الطبعة السادسة، 1972م. الصفحات 483، 484.
[6] ميور، رمزي: النتائج السياسية للحرب العظمى، ترجمة: محمد بدران، لجنة التأليف والترجمة والنشر، القاهرة، 1936م، 1936 صفحة 11.
[7] Suppan, Arnold: The Balkans between Austria and Greece, In: Kröll, Herbert: Austrian-Greek Encounters Over the Centuries: History, Diplomacy, Politics, Arts, Economics, Studienverlag GesmbH, Erlerstraße, Innsbruck, Austria, 2008., p. 55.
[8] برادشوفي، 1932 الصفحات 1/15، 16.
[9] Willmott, H.P.: World War I, Dorling Kindersley, New York, USA, 2003., p. 27.
[10] ستيفه، فردريك: المقدمات المنطقية للحرب العالمية، المطبعة العربية، القاهرة، 1926م. الصفحات 167، 168، 170.
[11] Crowe, David: The Essentials of European History: 1914 - 1935, World War I and Europe in Crisis, Research & Education Association, New Jersey, USA, 2001., pp. 4-5.
[12] هايمان، نيل م.: الحرب العالمية الأولى، مراجعة: سامر أبو هواش، ترجمة: حسن عويضة، هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة «مشروع كلمة»، أبوظبي، الطبعة الأولى، 2012م.صفحة 20.
[13] Dell, Pamela Jain: A World War I Timeline (Smithsonian War Timelines Series), Capstone Publishers, Mankato, Minnesota, USA, 2013., pp. 10-12.
[14] Shimamoto, Mayako; Ito, Koji & Sugita, Yoneyuki: Historical Dictionary of Japanese Foreign Policy, Rowman & Littlefield, Lanham, Maryland, USA, 2015., p. 332.
[15] فشر، 1972 صفحة 507.
[16] قاسم، محمد؛ وحسني، حسين: تاريخ القرن التاسع عشر في أوروبا منذ عهد الثورة الفرنسية حتى نهاية الحرب العظمى، مطبعة دار الكتب المصرية-لجنة التأليف والنشر، القاهرة، الطبعة السادسة، 1348هـ=1929م. صفحة 262.
[17] Murphy, Justin D.: Military Aircraft, Origins to 1918: An Illustrated History of Their Impact, ABC-CLIO, Santa Barbara, California, USA, 2005., p. 46.
[18] Clodfelter, Micheal: Warfare and Armed Conflicts: A Statistical Encyclopedia of Casualty and Other Figures, 1492-2015, McFarland & Company, Inc., Publishers, Jefferson, North Carolina, USA, Fourth Edition, 2017., p. 391.
[19] Brown, Frederick: The Embrace of Unreason: France, 1914-1940, Alfred A. Knopf, New York, USA, 2014., p. 320.
[20] Clodfelter, 2017, p. 391.
[21] آق كوندز، أحمد؛ وأوزتورك، سعيد: الدولة العثمانية المجهولة، وقف البحوث العثمانية، إسطنبول، 2008م.صفحة 467.
[22] أوزتونا، 1990 صفحة 2/226.
[23] Nicolle, David: The Ottomans: Empire of Faith, Thalamus Publishing, Shrophire, UK, 2008., p. 17.
[24] Finkel, Caroline: Osman's Dream: The Story of the Ottoman Empire 1300-1923, Basic Books, New York, 2007., p. 529.
[25] أولريخسن، كريستيان كوتس: الحرب العالمية الأولى في الشرق الأوسط، ترجمة: طارق عليان، جروس برس ناشرون، طرابلس-لبنان، الطبعة الأولى، 2016م. صفحة 129.
[26] آق كوندز، وأوزتورك، 2008 صفحة 670.
[27] بكديللي، كمال: الدولة العثمانية من معاهدة قينارجه الصغرى حتى الانهيار، ضمن كتاب: إحسان أوغلي، أكمل الدين: الدولة العثمانية تاريخ وحضارة، ترجمة: صالح سعداوي، مركز الأبحاث للتاريخ والفنون والثقافة الإسلامية، إستانبول، 1999م. صفحة 1/136.
[28] فشر، 1972 صفحة 504.
[29] أوزتونا، 1990 صفحة 2/235.
[30] Metinsoy, Elif Mahir: Ottoman Women during World War I: Everyday Experiences, Politics, and Conflict, Cambridge University Press, Cambridge, UK, 2017., p. 179.
[31] Sondhaus, Lawrence: World War One: The Global Revolution, Cambridge University Press, New York, USA, 2011., p. 91.
[32] أوزتونا، 1990 صفحة 2/238.
[33] Erickson, Edward J.: Ottoman Army Effectiveness in World War I: A Comparative Study, Routledge, New York, USA, 2007., p. 62.
[34] Slot, B. J.: Mubarak Al-Sabah: Founder of Modern Kuwait 1896–1915, Arabian Publishing, London, UK, 2005., pp. 406-409.
[35] Erickson, 2007, p. 63.
[36] Barker, A .J.: The First Iraq War, 1914–1918, Britain's Mesopotamian Campaign, Enigma Books, New York, USA, 2009., p. 29.
[37] الرافعي، عبد الرحمن: ثورة 1919 (تاريخ مصر القومي من 1914 إلى 1921)، دار المعارف، القاهرة، الطبعة الرابعة، 1987م.الصفحات 31، 32.
[38] لوتسكي: تاريخ الأقطار العربية الحديث، ترجمة: عفيفة البستاني، دار الفارابي، بيروت، الطبعة الثامنة، 1985م.صفحة 452.
[39] Carver, Field Marshal Lord Michael: The National Army Museum Book of The Turkish Front 1914–1918: The Campaigns at Gallipoli, in Mesopotamia and in Palestine, Pan Macmillan, London, 2003., pp. 192-193.
[40] الرافعي، 1987 الصفحات 51، 52.
[41] Erickson, 2001, p. 57.
[42] أوزتونا، 1990 صفحة 2/238.
[43] دومون، ﭘول؛ وﭼورﭼو، فرانسوا: موت إمبراطورية (1908 - 1923)، ضمن كتاب: مانتران، روبير: تاريخ الدولة العثمانية، ترجمة: بشير السباعي، دار الفكر للدراسات والنشر والتوزيع، القاهرة–باريس، الطبعة الأولى، 1993م . صفحة 2/308.
[44] Ölçen, Mehmet Arif: Vetluga Memoir: A Turkish Prisoner of War in Russia, 1916–1918, Translated and Edited: Gary Leiser, University Press of Florida, Gainesville, Florida, USA, 1995., p. 21.
[45] Hinterhoff, Eugene: The Campaign in Armenia, In: Young, Peter: The Marshall Cavendish Illustrated Encyclopedia of World War I, Marshall Cavendish Corporation, Freeport, New York, USA, 1984., vol. 2, pp. 499-503.
[46] آق كوندز، وأوزتورك، 2008 صفحة 467.
[47] Tucker, Spencer C. (Editor): Middle East Conflicts from Ancient Egypt to the 21st Century: An Encyclopedia and Document Collection, ABC-CLIO, Santa Barbara, California, USA, 2019., vol. 3, p. 1111.
[48] بكديللي، 1999 صفحة 1/137.
[49] آق كوندز، وأوزتورك، 2008 صفحة 467.
[50] أوزتونا، 1990 صفحة 2/238.
[51] Erickson, 2001, p. 60.
[52] نور، رضا: أتاتورك ورفاقه ونهاية العثمانيين: مذكرات الدكتور رضا نور، تحرير وتعليق وترجمة: أحمد عبد الوهاب الشرقاوي، دار البشير للثقافة والعلوم، القاهرة، 2020م. صفحة 112.
[53] Fawaz, Leila Tarazi: A Land of Aching Hearts: The Middle East in the Great War, Harvard University Press, 2014., p. 43.
[54] Erickson, 2001, p. 61.
[55] Hinterhoff, Eugene: The Campaign in Armenia, In: Young, Peter: The Marshall Cavendish Illustrated Encyclopedia of World War I, Marshall Cavendish Corporation, Freeport, New York, USA, 1984., vol. 2, pp. 499-503.
[56] Balakian, Peter: The Burning Tigris: The Armenian Genocide and America's Response, Harper Collins, New York, USA, 2003., p. 178.
[57] Hovannisian, Richard G.: Armenia’s Road to Independence, In: Hovannisian, Richard G.: The Armenian People from Ancient to Modern Times, Volume 2: Foreign Dominion to Statehood: The Fifteenth Century to the Twentieth Century, Palgrave Macmillan, New York, USA, 2004., vol. 2, p. 280.
[58] فرومكين، ديفيد: سلام ما بعده سلام: ولادة الشرق الأوسط 1914 – 1922، ترجمة: أسعد كامل الياس، شركة رياض الريس للكتب والنشر، لندن، الطبعة الأولى، 1992م.صفحة 133.
[59] Fewster, Kevin; Başarın, Vecihi Hürmüz & Başarın, Hatice Hürmüz: Gallipoli: The Turkish Story, Allen & Unwin, Crows Nest, Sydney, Australia, 2003., pp. 6-8.
[60] Aspinall-Oglander, 1929, vol. 1, pp. 51-52.
[61] قاسم، وحسني، 1929 الصفحات 276، 277.
[62] Broadbent, Harvey: Gallipoli: The Fatal Shore, Viking/Penguin, Camberwell, Victoria, Australia, 2005., p. 40.
[63] فشر، 1972 الصفحات 505، 506.
[64] Stevenson, David: 1914–1918: The History of the First World War, Penguin Books, London, UK, 2005., p. 189.
[65] Dennis, Peter; Grey, Jeffrey; Morris, Ewan & Prior, Robin: The Oxford Companion to Australian Military History, Second Edition, Oxford University Press, Melbourne, Victoria, Australia, 2008., pp. 37-42.
[66] Palazzo, Albert: The Australian Army: A History of Its Organisation 1901-2001, Oxford University Press, South Melbourne, Victoria, Australia, 2001., p. 80.
[67] Fielding, Jean & O'Neill, Robert: A select bibliography of Australian military history 1891-1939, Australian National University, Canberra, Australia, 1978., p. 347.
[68] Crawley, Rhys: The myths of August at Gallipoli, In: Stockings, Craig: Zombie Myths of Australian Military History, University of New South Wales Press Ltd, University of New South Wales, Sydney, Australia, 2010., p. 52.
[69] Broadbent, 2005, p. 278.
[70] Wahlert, Glenn: Exploring Gallipoli: An Australian Army Battlefield Guide, Army History Unit, Canberra, Australia, 2008., p. 9.
[71] Coulthard-Clark, Chris: The Encyclopaedia of Australia's Battles, Allen & Unwin, Crow's Nest NSW, Australia, Second Edition, 2001., p. 103.
[72] Broadbent, 2005, p. 40.
[73] كينروس، 2002 صفحة 672.
[74] فشر، 1972 صفحة 506.
[75] Broadbent, 2005, p. 42.
[76] Erickson, Edward J.: Ordered to Die: A History of the Ottoman Army in the First World War, Greenwood Press, Westport, CT, USA, 2001., p. xv.
[77] Aspinall-Oglander, Cecil Faber: Military Operations: Gallipoli, Volume 1: Inception of the Campaign to May 1915, History of the Great War Based on Official Documents by Direction of the Historical Section of the Committee of Imperial Defence, William Heinemann Limited, London, UK, 1929., vol. 1, p. 484.
[78] أوزتونا، 1990 صفحة 2/237.
[79] Broadbent, 2005, p. 266.
[80] https://en.wikipedia.org/wiki/G._W._L._NicholsonNicholson, 2007, p. 480.
[81] أوغلو، يوسف حلاج: تهجير الأرمن 1914 – 1918 (الوثائق والحقيقة)، ترجمة: أورخان محمد علي، قدمس للنشر والتوزيع، بيروت، الطبعة الأولى، 2010م. الصفحات 51، 52.
[82] أوزتونا، 1990 صفحة 2/240.
[83] آق كوندز، وأوزتورك، 2008 صفحة 472.
[84] أوزتونا، 1990 صفحة 2/243.
[85] Sarafian, Ara: British Parliamentary Debates on the Armenian Genocide, 1915-1918, Gomidas Institute, Princeton, New Jersey, USA, 2003., p. 87.
[86] Turgut, Suat: What Happened in Anatolia in 1915?, Translated: Feyyaz Iyier, kahramanlar, Günesyolu Yayin Yapim, İstanbul, Turkey, 2017., p. 135.
[87] McCarthy, Justin: Population History of the Middle East and the Balkans, The Isis Press, Istanbul, Turkey, 2002., p. 33.
[88] أوغلو، 2010 صفحة 68.
[89] Storey, William Kelleher: The First World War: A Concise Global History, Rowman & Littlefield, Rowman & Littlefield Publishing Group, Lanham, Maryland, USA, 2009., p. 81.
[90] Karakashian, Meliné & Poghosyan, Gevorg: Armenian Migration and a Diaspora: A Way of Life, In: Adler, Leonore Loeb & Gielen, Uwe Peter: Migration: Immigration and Emigration in International Perspective, Greenwood Publishing Group, Westport, CT, USA, 2003., p. 230.
[91] Pauwels, Jacques R.: The Great Class War 1914-1918, James Lorimer & Company Ltd., Publishers, Toronto, Canada, 2016., p. 339.
[92] Shaw, Stanford Jay: The Ottoman Empire in World War I: Triumph and tragedy, November 1914-July 1916, Turkish Historical Society, 2008., p. 779.
[93] Storey, William Kelleher: The First World War: A Concise Global History, Rowman & Littlefield, Rowman & Littlefield Publishing Group, Lanham, Maryland, USA, 2009., p. 81.
[94] Hovanesian, Zareh: The Philatelic History of Armenia, Z. Hovanesian, 2000., p. 25.
[95] Crampton, Richard J.: The Balkans, 1914–1918, In: Strachan, Hew: The Oxford Illustrated History of the First World War, Oxford University Press, Oxford, UK, 2014., p. 69.
[96] Hall, Richard C.: Bulgaria, Army, In: Tucker, Spencer C.: The European Powers in the First World War: An Encyclopedia, Routledge, New York, USA, 2013., p. 151.
[97] Tucker, Spencer C.: A Global Chronology of Conflict: From the Ancient World to the Modern Middle East, ABC-CLIO, Santa Barbara, California, USA, 2010., vol. 4, p. 1608.
[98] Lutz, Ralph Haswell (Editor): Fall of the German Empire, 1914–1918, Translated: David G. Rempel & Gertrude Rendtorff, Stanford University Press, Stanford University, Stanford, California, USA, 1932., vol. 1, pp. 745-746.
[99] Robbins, Keith: Politicians, Diplomacy, and War in Modern British History, The Hambledon Press, London, UK, 1994., p. 238.
[100] Crampton, Richard J.: The Balkans, 1914–1918, In: Strachan, Hew: The Oxford Illustrated History of the First World War, Oxford University Press, Oxford, UK, 2014., p. 69.
[101] DiNardo, Richard L.: Invasion: The Conquest of Serbia, 1915, ABC-CLIO, Santa Barbara, California, USA, 2015., p. 137.
[102] Hall, Richard C.: Bulgaria in the First World War, The Historian, Taylor & Francis, Ltd, Vol. 73, No. 2, 2011 (B).pp. 300–315.
[103] Treanor, Patrick J.: Britain, Bulgaria, and the Paris Peace Conference, 1918–1919: A Just and Lasting Peace?, Rowman & Littlefield Publishing Group, Lanham, Maryland, USA, 2020., pp. 28-29.
[104] آق كوندز، وأوزتورك، 2008 صفحة 475.
[105] Kayali, Hasan: Arabs and Young Turks: Ottomanism, Arabism, and Islamism in the Ottoman Empire, 1908-1918, University of California Press, Berkeley and Los Angeles, California, USA, 1997., p. 149.
[106] Wilson, Mary Christina: King Abdullah, Britain and the Making of Jordan, Cambridge University Press, New York, USA, 1990., pp. 18-19.
[107] عمر، عمر عبد العزيز: دراسات في تاريخ العرب الحديث والمعاصر، دار المعرفة الجامعية، الإسكندرية-مصر، (دون سنة طبع) (ب). صفحة 479.
[108] Paris, Timothy J.: Britain, the Hashemites and Arab Rule, 1920-1925: The Sherifian Solution, Frank Cass, London, UK, 2003., p. 24.
[109] آق كوندز، وأوزتورك، 2008 الصفحات 476، 477.
[110] علي، جمال سلامة: ذاكرة أمة: قراءة فى ملفات الصراع العربى الإسرائيلي، دار النهضة العربية، القاهرة، 2009م. صفحة 223.
[111] Tauber, Eliezer: The Arab Movements in World War I, Routledge, New York, USA, 2013., pp. 80-81.
[112] Parnell, Charles L.: Lawrence of Arabia's Debt to Seapower, United States Naval Institute Proceedings, Annapolis, Maryland, USA, 1979., p. 75.
[113] Walker, Philip: Behind the Lawrence Legend: The Forgotten Few Who Shaped the Arab Revolt, Oxford University Press, Oxford, UK, 2018.. pp. 6-7.
[114] Pugh, R. J. M.: Wingate Pasha: The Life of General Sir Francis Reginald Wingate 1861-1953, Pen & Sword Books Ltd, Barnsley, South Yorkshire, UK, 2011., p. 146.
[115] Walker, 2018, p. 6.
[116] Murphy, David: The Arab Revolt 1916–18: Lawrence sets Arabia Ablaze, Osprey Publishing, London, UK, 2008., p. 34.
[117] Wilson, Jeremy: Lawrence of Arabia: The Authorised Biography of T. E. Lawrence, William Heinemann Ltd, London, UK, 1989., p. 302.
[118] Murphy, 2008, p. 39-44.
[119] Wilson, 1989, pp. 358-457.
[120] لوتسكي، 1985 الصفحات 461، 462.
[121] Sicker, Martin: The Middle East in the Twentieth Century, Greenwood Publishing Group, Westport, CT, USA, 2001 (B).p. 26.
[122] Goldschmidt Jr., Arthur & Al-Marashi, Ibrahim: A Concise History of the Middle East, Routledge, Routledge, New York, USA, Twelfth Edition, 2019., p. 176.
[123] Gerolymatos, André: The roots of terrorism in the Middle East, In: Bouchard, Martin: Social Networks, Terrorism and Counter-terrorism: Radical and Connected, Routledge, New York, USA, 2015., p. 29.
[124] Goldschmidt Jr. & Al-Marashi, 2019, p. 176.
[125] Mikaberidze, Alexander (Editor): Conflict and Conquest in the Islamic World: A Historical Encyclopedia, ABC-CLIO, Santa Barbara, California, USA, 2011 (A).vol. 2, pp. 861-862.
[126] Gullett, Henry Somer: Official History of Australia in the War of 1914–1918: The Australian Imperial Force in Sinai and Palestine, 1914–1918, Australian War Memorial, Canberra, Australia, The Tenth Edition, 1941., vol. 7, pp. 246-247.
[127] لوتسكي، 1985 صفحة 463.
[128] أوزتونا، 1990 صفحة 2/245.
[129] فشر، 1972 صفحة 525.
[130] Rabinowitch, 2008, p. 1.
[131] Neiberg, Michael S.: 1917: Global war, In: Winter, Jay: The Cambridge History of the First World War, Cambridge University Press, 2014., vol. 1, pp. 110–132.
[132] فشر، 1972 صفحة 523.
[133] Neumann, Caryn E. & Tucker, Spencer C.: Zimmermann, Arthur (Birth Date: October 5, 1864 - Death Date: June 7, 1940), In: Tucker, Spencer C.: World War I: The Definitive Encyclopedia and Document Collection: The Definitive Encyclopedia and Document Collection, ABC-CLIO, Santa Barbara, California, USA, 2014., vol. 4, pp. 1704-1705.
[134] Clodfelter, 2017, p. 432.
[135] Hall, Richard C.: Bulgaria in the First World War, The Historian, Taylor & Francis, Ltd, Vol. 73, No. 2, 2011 (B)., p. 83.
[136] لوتسكي، 1985 صفحة 465.
[137] Macmunn, Sir George & Falls, Captain Cyril: Military Operations: Egypt and Palestine, From June 1917 to the End of the War: Part II. History of the Great War based on Official Documents by Direction of the Committee of Imperial Defence, HMSO, London, UK, 1930., vol. 2, p. 57.
[138] Carver, Field Marshal Lord Michael: The National Army Museum Book of The Turkish Front 1914–1918: The Campaigns at Gallipoli, in Mesopotamia and in Palestine, Pan Macmillan, London, 2003., p. 222.
[139] فشر، 1972 صفحة 532.
[140] Schneer, Jonathan: The Balfour Declaration: The Origins of the Arab-Israeli Conflict, Bloomsbury Publishing, 2011., p. 341.
[141] Tessler, Mark: A History of the Israeli-Palestinian Conflict, Second Edition, Indiana University Press, Bloomington, Indianapolis, USA, 2009., p. 145.
[142] Schneer, 2011, p. 342.
[143] تروتسكي، (دون سنة طبع) صفحة 2/233.
[144] Winks, Robin W.: World Civilization: A Brief History, Collegiate Press, California, USA, Second Edition, 1993.p. 476.
[145] Towster, 1948, p. 106.
[146] Herwig, Holger H.: The First World War: Germany and Austria-Hungary 1914-1918, Bloomsbury Publishing Plc, New York, USA, Second Edition, 2014., p. 326.
[147] لوتسكي، 1985 صفحة 466.
[148] Wavell, Field Marshal Earl: The Palestine Campaigns, In: Sheppard, Eric William: A Short History of the British Army, Fourth Edition, Constable & Co, London, UK, 1933., pp. 167-168.
[149] Erickson, Edward J.: Gallipoli & the Middle East, 1914-1918: From the Dardanelles to Mesopotamia, Amber Books Ltd, London, UK, 2008., p. 186.
[150] Mawdsley, Evan: The Russian Civil War, Pegasus Books, New York, USA, 2007., p. 230.
[151] Orlovsky, Daniel T.: State Building in the Civil War Era: The Role of Lower-Middle Strata, In: Koenker, Diane P.; Rosenberg, William G. & Suny, Ronald Grigor: Party, State, and Society in the Russian Civil War: Explorations in Social History, Indiana University Press, Bloomington, Indianapolis, USA, 1989., p. 182.
[152] Mikaberidze, Alexander: Historical Dictionary of Georgia, Rowman & Littlefield, Lanham, Maryland, USA, 2015., p. 206.
[153] Herwig, 2014, p. 148.
[154] Bilton, David: The Central Powers on the Russian Front: Rare Photographs from Wartime Archives, Pen and Sword Books Limited, South Yorkshire, UK, 2014., p. 223.
[155] بكديللي، 1999 صفحة 1/138.
[156] Herwig, 2014, p. 372.
[157] Balakian, 2003, p. 321.
[158] Hovannisian, Richard G.: The Republic of Armenia, Volume 3: From London to Sèvres, February-August 1920, University of California Press, Berkeley, California, USA, 1996., pp. 186-201.
[159] Tucker, Spencer C. (Editor): Middle East Conflicts from Ancient Egypt to the 21st Century: An Encyclopedia and Document Collection, ABC-CLIO, Santa Barbara, California, USA, 2019., vol. 1, p. 142.
[160] Coene, Frederik: The Caucasus: An introduction, Routledge, New York, USA, 2010., p. 132.
[161] Mikaberidze, 2015, p. 207.
[162] Peimani, Hooman: Failed Transition, Bleak Future?: War and Instability in Central Asia and the Caucasus, Greenwood Publishing Group, westport, CT, USA, 2002., p. 7.
[163] بكديللي، 1999 صفحة 1/139.
[164] آق كوندز، وأوزتورك، 2008 صفحة 469.
[165] انظر: دكتور راغب السرجاني: قصة الدولة العثمانية من النشأة إلى السقوط، مكتبة الصفا للنشر والتوزيع، القاهرة، مصر، الطبعة الأولى، 1442هـ= 2021م، 2/ 1199- 1226.
التعليقات
إرسال تعليقك