التاريخ الإسلامي
دون تشويه أو تزوير
التاريخ الإسلامي يمتد منذ بداية الدعوة الإسلامية بعد نزول الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم تأسيس الدولة الإسلامية بالمدينة المنورة وحكم الخلفاء الراشدين، مرورًا بالدولة الأموية فالدولة العباسية بما تضمنته من إمارات ودول مثل السلاجقة والغزنوية في وسط آسيا والعراق وفي المغرب الأدارسة والمرابطين ثم الموحدين وأخيرًا في مصر الفاطميين والأيوبيين والمماليك ثم سيطرة الدولة العثمانية التي تعتبر آخر خلافة إسلامية على امتداد رقعة جغرافية واسعة، وهذه البوابة تعنى بتوثيق التاريخ من مصادره الصحيحة، بمنهجية علمية، وعرضه في صورة معاصرة دون تشويه أو تزوير، وتحليل أحداثه وربطها بالواقع، واستخراج السنن التي تسهم في بناء المستقبل.
ملخص المقال
ظلَّت الدعوة الإسلامية سرية على الأغلب مدة ثلاث سنوات، وفي هذه الفترة آمن المسلمون الأوائل الذين وصل عددهم إلى حوالي سبعين.
قبل ظهور الإسلام ظلَّت الدعوة الإسلامية سرية على الأغلب مدة ثلاث سنوات، وفي هذه الفترة آمن المسلمون الأوائل المعروفون: وهم خديجة، وأبو بكر، وزيد بن حارثة، وعلي بن أبي طالب، وعثمان بن عفان، وأبو عبيدة، وطلحة، والزبير، وسعد بن أبي وقاص، وسعيد بن زيد، وعبد الرحمن بن عوف، والأرقم، وبلال، وصهيب، وخباب، وأبو سلمة، وعمار، وأبويه، وابن مسعود، وفاطمة بنت الخطاب، وأسماء بنت أبي بكر، وأم سلمة، وغيرهم إلى أن وصل عددهم إلى حوالي سبعين، وهم السابقون الأولون من المهاجرين.
قال تعالى: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} [الشعراء: 214]، عند نزول هذه الآية دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عشيرته الأولى، وهم أبناء عبد المطلب وأحفاده، في بيته أكثر من مرَّة، ودعاهم للإسلام، فلم يؤمن منهم أحد تقريبًا، وانقسموا إلى فريق مؤيِّد صغير على رأسه أبو طالب، وفريق معادٍ صغير كذلك على رأسه أبو لهب، أما الأغلبية فكانت صامتة!
الإعلان العام الأول للإسلام بدأ من على الصفا إلى جوار الكعبة: عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «لما نزلت: ﴿وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ﴾ [الشعراء: 214]، صَعِدَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى الصَّفَا، فَجَعَلَ يُنَادِي: «يَا بَنِي فِهْرٍ، يَا بَنِي عَدِيٍّ» -لِبُطُونِ قُرَيْشٍ- حَتَّى اجْتَمَعُوا، فَجَعَلَ الرَّجُلُ إِذَا لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَخْرُجَ أَرْسَلَ رَسُولًا لِيَنْظُرَ مَا هُوَ، فَجَاءَ أَبُو لَهَبٍ وَقُرَيْشٌ، فَقَالَ: «أَرَأَيْتَكُمْ لَوْ أَخْبَرْتُكُمْ أَنَّ خَيْلًا بِالوَادِي تُرِيدُ أَنْ تُغِيرَ عَلَيْكُمْ، أَكُنْتُمْ مُصَدِّقِيَّ؟» قَالُوا: نَعَمْ، مَا جَرَّبْنَا عَلَيْكَ إِلَّا صِدْقًا. قَالَ: «فَإِنِّي نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ». فَقَالَ أَبُو لَهَبٍ: تَبًّا لَكَ سَائِرَ اليَوْمِ، أَلِهَذَا جَمَعْتَنَا؟ فَنَزَلَتْ: ﴿تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ * مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ﴾ [المسد: 1، 2]»[1]. وهنا نوضح بعض التفاصيل:
أولًا: الدعوة لجميع أهل مكة، وما ذكر هنا هو مجرد أمثلة.
ثانيًا: تخصيص ابن عباس رضي الله عنهما لأبي لهب بالذِّكْر، فقال: «فَجَاءَ أَبُو لَهَبٍ وَقُرَيْشٌ». لأنه يعرف عداء أبي لهب على وجه التحديد، كما أنه سيكون له موقف في هذا الحدث.
ثالثًا: انتزاع الاعتراف منهم بصدقه، والصدق صفة أخلاقية لا مناص من توفِّرها عند المسلم، وإلا انهارت دعوته.
رابعًا: اختار رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبدأ بإنذار الناس بالمصير المظلم الذي يُقبِلون عليه (هذا أمر صادم يجعلهم يُفَكِّرون في الأمر دون تلكؤ)، وهنا فهمنا لماذا اختار رسول الله صلى الله عليه وسلم في البداية أن يسألهم عن تصديقه في أمر إغارة عدوٍّ عليهم.
خامسًا: اعترض أبو لهب اعتراضًا جعل الناس لا تسأل عما ينبغي أن تسأل عنه.
سادسًا: سورة المسد تحدٍّ صارخ من القرآن لأبي لهب الذي لم يعلن الإيمان ولو ظاهريًّا.
إعلان جديد للإسلام:
روى أبو هريرة رضي الله عنه، قال: لَمَّا أُنْزِلَتْ هَذِهِ الآيَةُ ﴿وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ﴾ [الشعراء: 214]، دَعَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم قريشًا، فَاجْتَمَعُوا فَعَمَّ وَخَصَّ، فَقَالَ: «يَا بَنِي كَعْبِ بْنِ لُؤَيٍّ، أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ النَّارِ، يَا بَنِي مُرَّةَ بْنِ كَعْبٍ، أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ النَّارِ، يَا بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ، أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ النَّارِ، يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ، أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ النَّارِ، يَا بَنِي هَاشِمٍ، أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ النَّارِ، يَا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ النَّارِ، يَا فَاطِمَةُ، أَنْقِذِي نَفْسَكِ مِنَ النَّارِ، فَإِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللهِ شيئًا، غَيْرَ أَنَّ لَكُمْ رَحِمًا سَأَبُلُّهَا بِبَلَالِهَا[2]»[3].
وهناك روايات أخرى ذكرت عائلات أخرى، وواضح أنه نادى الجميع، ثم إنه خصَّ القريبين من قلبه، للدلالة على فرط حبِّه: روى البخاري عن أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ أَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ} [الشعراء: 214]، قَالَ: «يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ -أَوْ كَلِمَةً نَحْوَهَا- اشْتَرُوا أَنْفُسَكُمْ، لاَ أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا، يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ لاَ أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا، يَا عَبَّاسُ بْنَ عَبْدِ المُطَّلِبِ لاَ أُغْنِي عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا، وَيَا صَفِيَّةُ عَمَّةَ رَسُولِ اللَّهِ لاَ أُغْنِي عَنْكِ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا، وَيَا فَاطِمَةُ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَلِينِي مَا شِئْتِ مِنْ مَالِي لاَ أُغْنِي عَنْكِ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا»[4].
وروى البيهقي وغيره وهو صحيح عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "بُلُّوا أَرْحَامَكُمْ وَلَوْ بِالسَّلَامِ"[5].
[1] البخاري: كتاب التفسير، سورة الشعراء، (4492)، ومسلم: كتاب الإيمان، باب في قوله تعالى: ﴿وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ﴾ [الشعراء: 214]، (208).
[2] سأبلها ببلالها: البلال الماء، ومعنى الحديث: سأصلها. شبهت قطيعة الرحم بالحرارة، ووصلها بإطفاء الحرارة ببرودة.
[3] مسلم: كتاب الإيمان، باب في قوله تعالى: ﴿وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ﴾ [الشعراء: 214]، (204)، والترمذي (3185)، والنسائي (6471)، وأحمد (8711).
[4] البخاري: كتاب الوصايا، باب هل يدخل النساء والولد في الأقارب (2602).
[5] البيهقي في شعب الإيمان (7602).
التعليقات
إرسال تعليقك