التاريخ الإسلامي
دون تشويه أو تزوير
التاريخ الإسلامي يمتد منذ بداية الدعوة الإسلامية بعد نزول الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم تأسيس الدولة الإسلامية بالمدينة المنورة وحكم الخلفاء الراشدين، مرورًا بالدولة الأموية فالدولة العباسية بما تضمنته من إمارات ودول مثل السلاجقة والغزنوية في وسط آسيا والعراق وفي المغرب الأدارسة والمرابطين ثم الموحدين وأخيرًا في مصر الفاطميين والأيوبيين والمماليك ثم سيطرة الدولة العثمانية التي تعتبر آخر خلافة إسلامية على امتداد رقعة جغرافية واسعة، وهذه البوابة تعنى بتوثيق التاريخ من مصادره الصحيحة، بمنهجية علمية، وعرضه في صورة معاصرة دون تشويه أو تزوير، وتحليل أحداثه وربطها بالواقع، واستخراج السنن التي تسهم في بناء المستقبل.
ملخص المقال
يعتبر السلطان أحمد الثالث من الشخصيات المهمة في التاريخ العثماني. حيث أسهم في عدة أمور كان لها آثار مستديمة في الدولة العثمانية.
استلم السلطان أحمد الثالث الحكم في 22 أغسطس عام 1703م[1]، وهو في الثلاثين من عمره[2]. يعتبر هذا السلطان من الشخصيات المهمة في التاريخ العثماني. أسهم في عدة أمور، على المستويين الداخلي والخارجي، كان لها آثار مستديمة في الدولة العثمانية. على الرغم من أنه أقل من أخيه المخلوع مصطفى الثاني في الكفاءة والخبرة فإنه كان متحمِّسًا للإصلاح، حريصًا على مصلحة الدولة.
لم يكن قائدًا عسكريًّا كأخيه، ولكنه لم يتردد في الأمر بالقتال عندما كانت تقتضي الضرورة. حققت الدولة في زمانه انتصارات مهمة، لكنها هُزِمَت كذلك. اكتسب أراضٍ جديدة، وفقد غيرها، وهذه هي طبيعة قرون الثبات. أهم ما يميزه عن أقرانه من السلاطين العثمانيين في هذه الحقبة هو اهتمامه -إلى جوار السياسة والحروب- بالفنون، والآداب، والعلوم، ومظاهر الحضارة الأخرى. في الواقع كان الاهتمام بهذا النوع من المجالات أمرًا نادرًا في الدولة العثمانية عمومًا، وباستثناء الفاتح والقانوني، يمكن اعتبار أحمد الثالث أكثر السلاطين اهتمامًا بالحضارة منذ نشأة الدولة العثمانية. امتد حكمه لفترة سبعةٍ وعشرين عامًا، وهي من الفترات الناجحة في التاريخ العثماني، ويمكنني تقسيمها إلى ثلاث مراحل، المرحلة الأولى والمرحلة الثانية والمرحلة الثالثة، وتتميز كل واحدة منها بسمات خاصة: وسوف نتكلم في هذا المقال على المرحلة الثالثة.
المرحلة الثالثة: عهد التيوليب (1718-1730م)
كان من الواضح أن السنوات السبع الماضية قد أرهقت الدولة عسكريًّا واقتصاديًّا وذهنيًّا، فالحروب لم تتوقف منذ عام 1711م، وحالة الاحتقان كانت في أعلى مستوياتها. هذا الوضع دفع السلطان وصدره الأعظم إبراهيم باشا إلى انتهاج سياسة جديدة في المرحلة القادمة هادفة إلى تحسين الاقتصاد، والعودة بأجواء البلاد إلى الاستقرار والهدوء، مستغلين السكون النمساوي والروسي في هذه المرحلة.
الاستقرار الاقتصادي والرفاهية:
وضع الصدر الأعظم إبراهيم باشا سياسات مالية متميزة أدت إلى رخاء اقتصادي لم يتحقق في الدولة منذ زمان سليمان القانوني. كانت السياسة تعتمد على كثرة الإنتاج، والتصنيع، وتشجيع التجارة، والتبادل التجاري الواسع مع العالم، واستحداث أنواع جديدة من السلع تحقق ربحًا، وفتح أسواق جديدة، وتوفير الأمن المشجِّع على التجارة[3].
من المهم أن نشير إلى أن هذه السياسات الجديدة لم تتضمن زيادة ضرائب، ولا أعباء مالية تثقل كواهل الشعب[4]. أدت هذه السياسة إلى وفرة مالية لجميع الطوائف، وعاشت البلاد فترة رفاهية عجيبة. كثرت الحفلات، وخاصة في الحدائق، واهتم الناس بالشعر والموسيقى. من أشهر مظاهر الرفاهية في هذه الفترة اهتمام الناس، وفي مقدمتهم الصدر الأعظم، وكذلك السلطان أحمد الثالث، بزراعة وتنسيق الأزهار، وخاصة زهرة التيوليب النادرة في ذلك الوقت[5]، وما هي إلا سنوات حتى صار الجميع، من الأثرياء والعاديين، يحرصون على تزيين بيوتهم وحدائقهم بزهرة التيوليب، وصارت رمزًا للرفاهية والرومانسية، وظهرت رسومها على الملابس الفخمة، والستائر، والأثاث، واللوحات الفنية، وغير ذلك، حتى عُرِفَت هذه الفترة في التاريخ «بعهد التيوليب» Tulip era! وصلت كثرة الطلب على الزهرة إلى درجة رفعت من سعرها جدًّا، حتى صارت من التجارات المهمة والمؤثرة، وتطور الأمر إلى تصديرها إلى أوروبا، وكانت من مصادر الدخل الكبرى للدولة العثمانية[6][7].
ازدهار العلاقات الدولية:
اجتهدت الحكومة العثمانية في هذه الفترة في تحسين العلاقة مع الدول الأوروبية، وكثرة التواصل مع سفرائها في إسطنبول، واهتمت كذلك بإرسال بعثات دبلوماسية إلى المدن الكبرى للتواصل المباشر في مسائل مشتركة، مثل بعثات باريس عامي 1720م، و1721م، وموسكو عامي 1722م، و1723م، وڤيينا عامي 1719م، و1730م، ووارسو عام 1730م[8]. -أيضًا- كان هناك تواصل مباشر، وعلاقات سياسية وتجارية مع إمبراطورية المغول المسلمين في الهند، وتحتفظ الوثائق بمراسلات مهمة بين الصدر الأعظم إبراهيم باشا وإمبراطور المغول آنذاك فروخ سير Farrukhsiyar[9].
بدء الطباعة باللغتين العربية والتركية في الدولة العثمانية:
من أهم مظاهر هذه النهضة في عصر السلطان أحمد الثالث اهتمامه بالعلوم، وإلى هذا السلطان يرجع الفضل في بداية الطباعة باللغتين العربية والتركية في الدولة العثمانية، وكان هذا ممنوعًا بفرمان -كما مرَّ بنا- منذ زمن السلطان بايزيد الثاني! كانت ماكينات الطباعة قد دخلت الدولة العثمانية منذ أواخر القرن الخامس عشر، لكنها كانت تطبع فقط باللغات العبرية، والأرمينية، واليونانية. كانت البداية بعد جهود طيبة من أحد العلماء الموسوعيين، واسمه إبراهيم متفرقة Ibrahim Muteferrika، حين أَلَّف رسالة أسماها «وسيلة الطباعة»، وَضَّحَ فيها أهمية الطباعة في نشر العلم، وقدَّمها للصدر الأعظم إبراهيم باشا[10].
بعد التواصل مع شيخ الإسلام عبد الله أفندي الينيشهريلي، صدرت فتوى جديدة في عام 1727م بالسماح بالطباعة العربية والتركية على ألا يُطْبَع القرآن الكريم بها خشية التحريف، بل مَنَعَت الفتوى طباعة الكتب الدينية -أيضًا- [11] (سُمِح بطباعتها عام 1803م[12])، لكن على كل حال كانت هذه خطوة جيدة تحاول بها الدولة اللحاق بركب النهضة المتسارعة في أوروبا. كان إبراهيم متفرقة نصرانيًّا من أصول مجرية، ولكنه أسلم عن دراسة وتمحيص، وأَلَّف كتابًا أسماه «رسالة إسلامية» وضَّح فيه أسباب انتقاله من النصرانية إلى الإسلام، وانتقد فيه بشدة الكاثوليكية والبابوية[13]. أسس إبراهيم متفرقة أول مطبعة تطبع باللغتين العربية والتركية في إسطنبول عام 1727، وكانت أول مطبوعاته عبارة عن قاموس عربي-تركي اسمه «قاموس ڤانقولو» Vankulu Lügati، وتمت طباعته عام 1729م[14]، وهذا القاموس هو ترجمة تركية لقاموس الصحاح للجوهري، وقد ترجمه المترجم التركي محمد أفندي من مدينة ڤان Van في الأناضول، ولهذا يُنْسَب المترجِم إلى بلدته، وكذلك يُنْسَب القاموس له «Van Kulu»[15]. هذه -في الحقيقة- من أهم إنجازات السلطان أحمد الثالث وحكومته.
الحرب مع الدولة الصفوية، ومعاهدة إسطنبول مع روسيا (1723-1725م):
بدا واضحًا في أوائل القرن الثامن عشر أن الدولة الصفوية تنهار. ازداد هذا الانهيار في عهد الشاه حسين بن سليمان الصفوي (1694-1722م)[16]، الذي أراد أن يَثَبِّت أركان حكمه عن طريق جبر السُّنَّة في مناطق دولته الشرقية، وخاصة قندهار، على التشيُّع. أثار ذلك الأفغان السُّنَّة، وتطور الأمر إلى غزو أفغاني لإيران، واقتحام العاصمة أصفهان، مع إجبار الشاه على التنازل عن الحكم لصالح الأفغان[17]. لفتت هذه التطورات أنظار القيصر الروسي بطرس الأكبر الذي أراد استغلال انهيار الدولة الصفوية في التوسع في الولايات الشمالية التابعة لإيران في منطقة قزوين والقوقاز، فقامت الحرب الروسية الإيرانية (1722-1723م).
كان تقدُّم القوات الروسية سريعًا، وسقطت الولايات والمدن التابعة للصفويين في أيديها تباعًا، وفي غضون سنةٍ تقريبًا (من يوليو 1722م إلى يوليو 1723م) كان الروس يسيطرون على إقليم داغستان Dagestan وقاعدته المهمة مدينة دربنت Derbent، وشرق أذربيچان شاملًا العاصمة باكو Baku ومدينة شيروان Shirvan، وثلاث مقاطعات إيرانية كبرى حول بحر قزوين؛ هي چيلان Gilan، ومازانداران Mazandaran، وأستاراباد Astarabad[18].
مع أن الحرب الروسية الإيرانية كانت تدور في أراضي الدولة الصفوية إلا إنها كانت تمثل خطرًا كبيرًا على الدولة العثمانية، فالروس لن يتوقفوا عند هذا الحدِّ الذي وصلوا له، بل سيدفعهم انهيار الدولة الصفوية إلى التوغُّل أكثر في أرضها، ومن ثم الاقتراب من الأناضول العثماني، وقد يتطور الأمر باختراقه. -أيضًا- قد تراود الروس مجددًا أطماع الوصول إلى البحر الأسود، وبدلًا من آزوڤ الشمالية قد يصلون إلى هذا البحر المهم عن طريق احتلال چورچيا التابعة للعثمانيين. هذه المخاوف دفعت السلطان أحمد الثالث إلى أخذ القرار الحاسم بغزو الأراضي الصفوية[19]؛ الواقعة تحت الاحتلالين: الأفغاني في الجنوب، والروسي في الشمال، وذلك لتأمين حدوده الشرقية. أخرجت الدولة عدة جيوش بداية من يوليو 1723م، لتضم بسرعة أرمينيا، وچورچيا، وتخترق غرب أذربيچان[20]، وبات واضحًا أن صدامًا مرتقبًا سيحدث بين العثمانيين والروس في تنافسهم المحموم لاقتسام أملاك الصفويين!
لم تكن هناك رغبة من الطرفين الروسي والعثماني في نشوب الحرب بينهما، ولذلك اتفق الطرفان على الجلوس للتفاوض، وتم ذلك في إسطنبول بوساطة السفير الفرنسي لدى الدولة العثمانية، حيث قسَّم الروس والعثمانيون إيران بينهما، ووقَّعا بذلك اتفاقية في 24 يونيو عام 1724م[21]! جعل الطرفان نهري كوروش Kurosh، وأراس Aras، فاصلين بين أملاك الدولتين؛ فما كان في شرقهما فهو للروس، وما كان في غربهما فهو للعثمانيين، مع إمكانية أن يتوسع كل طرف في أراض إيرانية جديدة مع احترام حدود هذين النهرين. هذا أعطى الدولة العثمانية كامل چورچيا، وأرمينيا، وأجزاء كبيرة من أذربيچان، بالإضافة إلى عدة ولايات في شمال غرب إيران[22]. -أيضًا- أعطت المعاهدة للدولة العثمانية الفرصة لضم همدان في 31 أغسطس 1724م، بل وضم تبريز المهمة بعد سنة في 3 أغسطس 1725م. تبلغ مساحات الأرض التي ضمتها الدولة العثمانية في هاتين السنتين (من 1723م إلى 1725م) حوالي مائتين وتسعين ألف كيلو متر مربع[23]!
لن تسبب روسيا إزعاجًا كبيرًا للدولة العثمانية في السنوات الاثنتي عشرة القادمة؛ خاصَّةً بعد موت قيصرها الأعظم بطرس الأكبر في 8 فبراير عام 1725م[24]، أما إيران فمن المؤكد أن هذا الاحتلال المهين لأرضها لن يُقْبَل بعد أن تستقر الأوضاع فيها! خاصة إذا نظرنا إلى تاريخها العسكري والحضاري المعروف.
ظهور نادر شاه، وبداية الحرب الصفوية (1729-1730م):
ظلت إيران تحت الاحتلال الأفغاني بلا حاكم صفوي مدة سبع سنوات؛ من 1722م إلى 1729م[25]. في هذه السنة الأخيرة ظهر في إيران أحد العباقرة العسكريين والسياسيين يُدْعَى نادر الإفشاري Nader Afshar، من قبيلة إفشار التركية في خراسان[26]، وهو الذي سيُعْرَف لاحقًا بنادر شاه Nader Shah، وهو واحد من المعدودين عالميًا في مجال الحروب والقيادة، ويُطْلِق عليه بعض المؤرخين: الإسكندر الثاني the Second Alexander، أو نابليون فارس Napoleon of Persia[27]! وضع هذا القائد الفذ طهماسب الثاني Tahmasp II -وهو ابن الشاه حسين الصفوي، الذي خُلِع عام 1722م، وقُتِل عام 1726م- على عرش إيران، وقاتل تحت رايته محقِّقًا انتصارات كبيرة على الأفغان في عامي 1729م، و1730م، وطاردًا لهم بالكلية من إيران[28].
بعد هذا النجاح الكبير زادت طموحات القائد الجديد نادر الإفشاري في استعادة أملاك إيران المسلوبة، فيمَّم وجهه شطر الولايات المحتلة من الدولة العثمانية. تحرَّك الجيش الإيراني من شيراز في 9 مارس عام 1730م صوب نهاوند، وهي أول محطات الجيش العثماني في إيران. بوغت الجيش العثماني تمامًا، واضطر إلى الفرار السريع بغية التجمع مع القوات الأخرى لمنع الجيش الإيراني من الوصول إلى همدان، وهي القاعدة الرئيسة للعثمانيين في المنطقة. تجمع العثمانيون في وادي مالاير Malayer valley (على بعد أربعين كيلو متر شرق نهاوند، وستين كيلو متر جنوب همدان). دارت في هذا الوادي معركة شرسة تمكن فيها نادر الإفشاري من تحقيق نصر ساحق على العثمانيين، وسقط الجنود بين قتيلٍ وأسير، وغَنِم الإيرانيون غنائم وافرة، ومدافع كثيرة. فُتِح الطريق لهمدان، التي دخلها نادر بسهولة، وحرَّر فيها عشرة آلاف أسير صفوي! من همدان انطلق القائد المتحمس إلى كرمنشاه فاستردها أوائل يونيو 1730م، ويكون بذلك قد استعاد كل ولايات إيران الأساسية من العثمانيين في حدود ثلاثة شهور فقط، ولم يبقَ إلا الولايات التابعة لإيران؛ في أذربيچان، وأرمينيا، وچورچيا[29].
وصلت الأخبار المفجعة إلى إسطنبول! يبدو أن حالة الرفاهية التي شملت البلاد في الأعوام الأخيرة قد أثقلت حركة الدولة والسلطان. كان ردُّ الفعل بطيئًا. أراد السلطان والصدر الأعظم تأجيل قتال الإيرانيين إلى الصيف المقبل، أي بعد عام كامل[30]! من الواضح أن العثمانيين لم يتابعوا بدقة أخبار نادر الإفشاري مع الأفغان، ولم يعطوه حجمه الصحيح. من المؤكد أنه في ظل الترف والسكون تتغير المقاييس كثيرًا في عيون الناس! ومع ذلك اضطر العثمانيون إلى تجهيز جيشٍ لنجدة القوات المنهكة في الجبهة الإيرانية.
لم ينتظر نادر الإفشاري كثيرًا بعد استرداد الولايات الإيرانية، ولكن انطلق بسرعة في شهر يوليو شمالًا إلى أذربيچان فاستردها، مستغلًا حالة الاضطراب التي أصابت القوات العثمانية. توجه نادر بعد ذلك إلى تبريز، والتقى هناك والجيش العثماني المتأخر جدًّا في الوصول. تعرَّض الجيش العثماني لهزيمة كبيرة من جديد، ودخل نادر الإفشاري مدينة تبريز فاتحًا في 12 أغسطس 1730م[31]!
هكذا، بهذه الحملة «الخفيفة»، استطاع نادر الإفشاري أن يسترد معظم ما أخذه العثمانيون في السنوات الأخيرة، كاشفًا للدولة العثمانية عن بعض أمراض الترف التي أصابتها!
تمرد خليل باترونا، وخلع السلطان أحمد الثالث (1730م):
أصابت أخبار الانتصارات الإيرانية قلوب العامة في الدولة العثمانية، وخاصة في إسطنبول المترفة، بالهلع! تلك القلوب التي كانت لا تهتز للحرب في أكثر من جبهة مع أكبر إمبراطوريات الأرض صارت الآن وَجِلَة من رجل يقود دولة منهارة! الأموال، والرخاء الاقتصادي، والرفاهية، وزهور التيوليب؛ كل ذلك لا ينفع في مثل هذه المواقف! اهتزت الدولة بعنف!
في مثل هذه الأجواء يظهر المنحرفون؛ الطامحون في مكانةٍ لا يصلون إليها في الظروف الطبيعية، ويستغلون «الناس»، أو «الشعب» في تحقيق مآربهم. وحيث إنهم لا قيمة لهم أصلًا في موازين الرجال، فإنهم يتحركون من وراء ستار «الشعب»، فيُحْدِثون الفتنة، ويُشْعِلون التمرد، ويزعمون أن «الشعب» هو الذي يريد التغيير! أما حقيقة الأمر فهي أن الشعب مغرَّرٌ به، وفي حالة من الجهل بالدين والسياسة تجعله عُرْضَةً لمثل هذا الخداع.
ظهر في هذا التوقيت رجلٌ من جنود البحرية، وكان في السابق جنديًا في الإنكشارية، وله تجارة في البضائع المستعملة، ويعتبر من الطبقة الفقيرة في المجتمع. لم يكن هذا الجندي صاحب مكانة مشهودة في إسطنبول، بل كان لا يعرفه أحدٌ البتَّة! هذا الرجل هو باترونا خليل Patrona Halil، وهو من أصول ألبانية[32].
كان من الواضح أن باترونا يتميز بكاريزما قيادية، وطموح كبير. يؤكد ذلك أن له تاريخ في الانقلابات، حيث قام بأحدها قديمًا في ڤيدين البلغارية، ونجا من عقاب الموت بأعجوبة[33]! في ظروف غامضة تحرَّك هذا المتمرد بين رجال الإنكشارية، خاصة الألبان منهم، ووعدهم ومنَّاهم، فأطاعوه رغبة منهم في مناصب كبرى وعدهم بها في حال نجاح التمرد. استجاب له في بعض التقديرات اثنا عشر ألف إنكشاري[34]! وهذا في الواقع من أعجب الأمور، ويدلُّ على تخبط الناس في ذلك الوقت؛ إذ إن الرجل ليس من الإنكشارية الآن، فكيف انقادوا له؟! الخطوة التالية كانت إثارة الفزع في إسطنبول! كانت أخبار الحرب الإيرانية كافية لكن المتمردين أرادوا حسم المسألة بإثارة الفزع الداخلي، فاقتحموا السجون، وأخرجوا المسجونين، وسلَّحوهم[35]، وأطلقوهم يُظْهِرون في الأرض الفساد! مع المتمردين والمسجونين انطلقت بعض فئات «الشعب» تنادي بالتغيير! مَنْ الذي سيأتي للحكم؟! لا أحد يدري! ليس مهمًّا عندهم مَنْ هو ولي العهد، وليس مطلوبًا أن يعرفوا كفاءته أو قدراته، وليس بالضرورة أن يعرفوا باترونا خليل مُحَرِّك الفتنة، وليس ضروريًّا كذلك أن يتوقعوا مستقبل البلاد في ظل هذه الأجواء؛ إنما المهم في كل ذلك هو «التغيير» كما حفظوا!
هذا الخروج غير العقلاني يكشف من ناحيةٍ عن «جهل» كما قلنا قبل ذلك، لكنه يكشف من ناحية أخرى عن حالة من «الاحتقان» يعاني منها الشعب والجيش كانت سببًا في تَقَبُّل فكرة التمرد والثورة. وفي رأيي ليست أحداث الجبهة الإيرانية -على أهميتها- هي السبب الرئيس في هذه الحالة؛ إنما الأمر يرجع إلى أمور «مزمنة» تتفاقم مع الأيام، ثم تأتي الأحداث الطارئة، مثل هزائم إيران، فتُحْدِث الانفجار. مِن هذه الأمور مثلًا البذخ الشديد الذي عاشته الدولة، خاصة في الفترة الأخيرة من عصر التيوليب، والأموال المهدرة في أمور الترف واللهو، فمهما كانت الدولة غنية فإن الإنفاق المبالغ فيه يثير الضغائن عند الشعب، خاصة عند الفقراء والمحتاجين منهم، وهؤلاء يكونون أداة طَيِّعَة في أيدي المتمردين. ومن هذه الأمور -أيضًا- عدم مراعاة الحالة التربوية، والنفسية، والاجتماعية، والدينية، عند الناس، ففي هذه الفترة التي عُرِفَت بعصر التيوليب كانت مظاهر الحياة الاجتماعية والثقافية عند الطبقة الحاكمة والأغنياء تأخذ الشكل الأوروبي إلى حدٍّ ما، وفي مجتمعات محافظة، ومغلقة كالمجتمعات العثمانية آنذاك، يكون هذا إثمًا كبيرًا، ولا يُنظر عادة إلى الأمر بفقه شرعي سليم؛ إنما يرفض المجتمع تقليد «الكفار» ولو كان في أمر رشيد، وكثير من الساخطين على السلطان أحمد الثالث كان سخطهم بسبب قبوله بفكرة الطباعة باللغتين العربية والتركية، لا لشيء إلا لأنهم يرفضون تقليد العدو «الصليبي» في الطباعة! من الأمور التي أثارت الاحتقان -أيضًا- تولية الصدر الأعظم لأقربائه في المناصب الكبرى[36]، وهذه آفة كبيرة، ومدخل للشيطان، خاصة إن كان المتولي للمنصب غير ذي كفاءة. ومن هذه الأمور -أيضًا- عدم التواصل مع الشعب لتوضيح الحقائق، وترك الاهتمام بالإعلام الجاد، فلا تُدْرَك الأزمات في أولها، وهنا يمكن لأصحاب الأهواء أن يتدخلوا، ليفسِّروا للشعب الأحداث حسب رؤيتهم المضلِّلة.
ومن هذه الأمور -أيضًا- تراخي الدولة في الأخذ على أيدي المنحرفين، والمخالفين، ولقد كان المتمردون عدة آلاف، وكان من السهل تشتيتهم، فتراخت الحكومة فصاروا عشرات الآلاف، واتَّسع الخرق على الراقع! أما بالنسبة إلى الجيش فإن الدولة كانت تسعى في هذه الفترة لتحديثه، وكانت المخاوف تطال جنود الإنكشارية وقادته من احتمال أن يكون هذا التحديث على حسابهم، فتُلْغَى تشكيلاتهم، أو على الأقل تُقَلَّص، وفي ظل غياب الشفافية تظل الأمور مبهمة، وهذا قد يدفع إلى تمرد غير مسئول. هذه وغيرها أمور تؤدي إلى الاحتقان الذي يقود إلى الانفجار مع أبسط شرارة!
كل هذا التحليل لنحاول أن نفهم هذه الثورة العجيبة، التي تكاد تكون صورة طبق الأصل من حادثة إدرنة التي وقعت منذ سبعةٍ وعشرين عامًا، وراح ضحيتها السلطان السابق مصطفى الثاني.
في يوم 28 سبتمبر 1730م بدأ التجمهر الكبير يعلن العصيان المدني، ويطالب بإعدام سبعة وثلاثين رجلًا من الحكومة؛ في مقدمتهم الصدر الأعظم، ورئيس البحرية، ووزير الخارجية، والمفتي، وغيرهم. لم يجد المتمردون الردع الكافي، فتطور الأمر إلى محاصرة القصر الحاكم، والتهديد باقتحامه[37]. مر يوما 29 و30 سبتمبر كسابقهما، ولكن في صباح الأول من أكتوبر أدرك السلطان أن التهديد جادٌّ، فقَبِل -مفتديًا نفسه- بتقديم الصدر الأعظم إبراهيم باشا، وهو زوج ابنته، إلى القتل، ولكنه استبقى المفتي[38]! هكذا فقدت الدولة أعظم صدر أعظم في القرن الثامن عشر كله. قُتِل -أيضًا- في هذه المأساة رئيس البحرية، ووزير الداخلية، وهما صهرا إبراهيم باشا[39].
إزاء هذه الاستجابة السريعة غير المتوقعة لمطالب المتمردين، ونتيجة لظهور الخوف في ردِّ فعل السلطان، صَعَّد المتمردون من مطالبهم، فأمروا -في مساء اليوم نفسه، الأول من أكتوبر- بتنازل السلطان، وتولية ولي العهد، وهو الأمير محمود ابن السلطان السابق المخلوع مصطفى الثاني. لم يقاوم السلطان أحمد الثالث؛ إنما استدعى ابن أخيه، وسلَّم له الحكم بهدوء، وانسحب هو دون أن يتعرَّض لأذى[40].
هكذا انتهت هذه المرحلة، التي عُرِفَت بعهد التيوليب! كانت بدايتها توحي باستقرار وأمان، وكانت نهايتها شرًّا مستطيرًا! كشفت هذه الأحداث أن الاستقرار المشاهَد في الدولة في السنوات الأخيرة هو استقرار ظاهريٌّ خادع، وأنه يخفي وراءه احتقانات قاتلة، ولكن على كل حال كان التمرد سريعًا، ولم يتطور الأمر لحرب أهلية!
نظرة إجمالية على السلطان أحمد الثالث وفترة حكمه:
حياة السلطان أحمد الثالث هي حياة سلطان من فترة الثبات النسبي، وهذا يعني أن الانتصارات في زمانه تكون «مهمة»، ولكنها لا تكون «مجيدة»، والهزائم في عصره تكون «كبيرة»، لكنها لا تكون «مشينة»! هذه هي طبيعة الثبات في الدولة، فليست هناك مفاجآت ضخمة، ومع ذلك، وبالتحليل المتأني لحياة السلطان أحمد الثالث، نجد أنه من السلاطين المتميزين في التاريخ العثماني، خاصة إذا أخذنا في الاعتبار أنه ليس من سلاطين عهود القوة والعظمة. بمعنى أن إنجازاته قد تفوق إنجازات بعض سلاطين عصر القوة، كبايزيد الثاني مثلًا، أو سليم الثاني، ولكن حال الدولة ككل آنذاك ليس كحالها الآن. أراه ظُلِمَ بخلعه، كما ظُلِم مصطفى الثاني، ومن قبلهما عثمان الثاني. ثلاثتهم كانوا يملكون الطموح للوصول بالدولة إلى الأصلح، ولكنهم افتقدوا القوة التي تمكنهم من ذلك.
بالنظر إلى إنجازات أحمد الثالث نجد أن أعظمها -في رأيي- هو استرداد المورة اليونانية من البنادقة، لما لها من بُعْد استراتيجي كبير. -أيضًا- من أعظم إنجازاته إدخال الطباعة العربية والتركية إلى الدولة. يتبع ذلك إنجازات أخرى مهمة أثرت إيجابيًّا على الدولة لعقود متتالية؛ منها استعادته لميناء آزوڤ من الروس، وحفاظه بذلك على البحر الأسود كبحيرة عثمانية خالصة، ومنها وقف طموحات الروس عند أذربيچان، ولو تراخى في الرد لأكل الروس إيران كلها، ولدخلوا بعد ذلك الأناضول، ومنها تثبيته للسيطرة العثمانية على الإفلاق والبغدان بتولية الفناريين هناك، ومنها الاستقرار الداخلي الملموس الذي لم يهتز إلا في الشهر الأخير من حكمه، ومنها التحسن الاقتصادي الفائق الذي وصلت به الدولة إلى درجة مقاربة من اقتصادها في عصور القوة، ومنها تقدُّم العلوم والآداب في عصره، ومنها تطور العلاقات الدبلوماسية مع الدول المختلفة بشكل أظهر من العصور التي سبقته، ومنها بعض التحديثات في الجيش سواء في التدريب أو في التسليح.
ومع ذلك فعهد السلطان أحمد الثالث له سلبياته أيضًا؛ أعظمها فقد مدينة بلجراد الاستراتيجية، ويتبع ذلك فقد آخر أقاليم المجر، تيميشوار. من السلبيات -أيضًا- تفويت فرصة فتح روسيا، وكسر جيشها وحكومتها، وتفويت فرصة التحالف مع السويد ضد الروس، وعدم الالتفات إلى قوة مملكة بروسيا الألمانية التي نشأت في فترة حكمه، وبالتالي عدم ترتيب تحالف مبكِّر معها. ستكون هذه السلبيات محل دراسة من لاحقيه من السلاطين بعد ذلك. -أيضًا- يؤخذ عليه تراخيه في التعامل مع العصاة مما يوحي بالضعف، ويثير وساوس الشياطين عند أصحاب الأهواء. أخيرًا نعيب عليه وقوعه، وبلاط حكمه، في الترف الشديد، ولم تكن الثروة العظيمة التي وهبها الله لدولته في آخر سنوات حكمه مبررًا لهذا الترف الزائد، فالترف بشكل عام مُهْلِكٌ، ويُضْعِف الهمم والعزائم، وضَعْفُ النفوس والقلوب أشدُّ وطأةً على الأمة من ضَعْفِ السلاح والاقتصاد. في الجملة كان الرجل صالحًا ومجتهدًا، وأسلم البلاد إلى خَلَفِه قويةً ثابتة، وكانت إنجازاته أعظم من هِنَّاته، فنسأل الله له الرحمة والغفران[41].
[1] مانتران، روبير: الدولة العثمانية في القرن الثامن عشر: الضغط الأوروبي، ضمن كتاب: مانتران، روبير: تاريخ الدولة العثمانية، ترجمة: بشير السباعي، دار الفكر للدراسات والنشر والتوزيع، القاهرة–باريس، الطبعة الأولى، 1993م (ج). صفحة 1/414.
[2] كولن، صالح: سلاطين الدولة العثمانية، ترجمة: منى جمال الدين، دار النيل للطباعة والنشر، القاهرة، الطبعة الأولى، 1435هـ=2014م.صفحة 218.
[3] Olson, Robert W.: Imperial Meanderings and Republican By-Ways: Essays on Eighteenth Century Ottoman and Twentieth Century History of Turkey, Isis Press, Istanbul, Turkey, 1996., p. 14.
[4] مانتران، 1993 (ج) صفحة 1/418.
[5] Salzmann, Ariel: The Age of Tulips: Confluence and Conflict in Early Modern Consumer Culture (1550–1730), In: Quataert, Donald: Consumption Studies and the History of the Ottoman Empire, 1550–1922, An Introduction, Albany State University of New York Press, New York, USA, 2000., p. 93.
[6] كينروس، چون باتريك: القرون العثمانية قيام وسقوط الإمبراطورية التركية، ترجمة وتعليق: ناهد إبراهيم دسوقي، منشأة المعارف، الإسكندرية-مصر، 2002م.الصفحات 423، 424.
[7] Zilfi, Madeline C.: Women and Society in the Tulip Era, 1718-1730, In: Sonbol, Amira El-Azhary: Women, the Family, and Divorce Laws in Islamic History, Syracuse University Press, Syracuse, New York, USA, 1996., pp. 290-303.
[8] مانتران، 1993 (ج) صفحة 1/415.
[9] Farooqi, Naimur Rahman: Mughal-Ottoman relations: A Study of political & diplomatic relations between Mughal India and the Ottoman Empire, 1556-1748, Idarah-i Adabiyat-i Delli, Delhi, India, 1989., p. 73.
[10] جول، محمد زاهد: إبراهيم متفرقة: رجل الدولة التنويري ومؤسس أول مطبعة إسلامية، ضمن كتاب: الجالودي، عليان عبد الفتاح: التحولات الفكرية في العالم الإسلامي: أعلام، وكتب، وحركات، وأفكار من القرن العاشر إلى الثاني عشر الهجري، المعهد العالي للفكر الإسلامي، عمان–الأردن، الطبعة الأولى، 1435هـ=2014م. صفحة 176.
[11] آق كوندز، أحمد؛ وأوزتورك، سعيد: الدولة العثمانية المجهولة، وقف البحوث العثمانية، إسطنبول، 2008م. صفحة 344.
[12] Demirel, Fatmagül: Censorship, In: Ágoston, Gábor & Masters, Bruce Alan: Encyclopedia of the Ottoman Empire, Infobase Publishing, New York, USA, 2009., p. 130.
[13] جول، 2014 صفحة 178.
[14] آق كوندز، وأوزتورك، 2008 صفحة 344.
[15] Göçek, Fatma Müge: East Encounters West: France and the Ottoman Empire in the Eighteenth Century, Oxford University Press, New York, USA, 1987., p. 114.
[16] بروكلمان، كارل: تاريخ الشعوب الإسلامية، ترجمة: نبيه أمين فارس، منير البعلبكي، دار العلم للملايين، بيروت، الطبعة الخامسة، 1968م. صفحة 524.
[17] Axworthy, Michael: The Sword of Persia: Nader Shah, from Tribal Warrior to Conquering Tyrant, I.B. Tauris & Co Ltd, London, UK, 2006., pp. 30-45.
[18] Kazemzadeh, F.: Iranian Relations With Russia and the Soviet Union, to 1921, In: Hambly, G. R. G.; Melville, C. & Avery, P.: The Cambridge History of Iran, Cambridge University Press, New York, USA, (Volume 7, From Nadir Shah to the Islamic Republic), 1991., vol. 7, p. 322.
[19] حليم، إبراهيم: التحفة الحليمية في تاريخ الدولة العلية، مطبعة ديوان عموم الاوقاف، القاهرة، الطبعة الأولى، 1323هـ=1905م. صفحة 154.
[20] أوزتونا، يلماز: تاريخ الدولة العثمانية، ترجمة: عدنان محمود سلمان، مراجعة وتنقيح: محمود الأنصاري، مؤسسة فيصل للتمويل، إستانبول، صفحة 1/603.
[21] فريد، محمد: تاريخ الدولة العلية العثمانية، تحقيق: إحسان حقي، دار النفائس، بيروت، الطبعة الأولى، 1401هـ=1981م. صفحة 318.
[22] Mikaberidze, 2011 (A), vol. 2, p. 726.
[23] أوزتونا، 1988 صفحة 1/603.
[24] Campbell, Heather M.: The Emergence of Modern Europe: C. 1500 to 1788, The Rosen Publishing Group, New York, USA, 2011., p. 188.
[25] Frye, Richard N.: Persia (RLE Iran A), Routledge, Milton Park, Abingdon, Oxon, UK, 2011., p. 73.
[26] إقبال، عباس: تاريخ إيران بعد الإسلام من بداية الدولة الطاهرية حتى نهاية الدولة القاجارية، راجعه: السباعي محمد السباعي، نقله عن الفارسية وقدم له وعلق عليه: محمد علاء الدين منصور، دار الثقافة للنشر والتوزيع، القاهرة، 1989م. صفحة 695.
[27] Axworthy, 2006, p. xvii.
[28] لونگريك، ستيفن هيمسلي: أربعة قرون من تاريخ العراق الحديث، ترجمة: جعفر الخياط، مكتبة اليقظة العربية، الطبعة السادسة، 1985م. صفحة 168.
[29] Farrokh, Kaveh: Iran at War: 1500-1988, Bloomsbury Publishing, 2011., pp. 106-107.
[30] أوزتونا، 1988 صفحة 1/604.
[31] Farrokh, 2011, pp. 106-107.
[32] Başaran, Betül: Selim III, Social Control and Policing in Istanbul at the End of the Eighteenth Century: Between Crisis and Order, Brill, Leiden, Netherlands, 2014.p. 23.
[33] Howard, Douglas Arthur: A History of the Ottoman Empire, Cambridge University Press, Cambridge, UK, 2017., p. 189.
[34] Başaran, 2014, p. 23.
[35] آق كوندز، وأوزتورك، 2008 صفحة 337.
[36] أوزتونا، 1988 صفحة 1/604.
[37] أوزتونا، 1988 صفحة 1/605.
[38] Zarinebaf, Fariba: Crime and Punishment in Istanbul: 1700-1800, University of California Press, California, USA, 2010., p. 58.
[39] أوزتونا، 1988 صفحة 1/605.
[40] بروكلمان، 1968 صفحة 525.
[41] دكتور راغب السرجاني: قصة الدولة العثمانية من النشأة إلى السقوط، مكتبة الصفا للنشر والتوزيع، القاهرة، مصر، الطبعة الأولى، 1442هـ= 2021م، 2/ 818-830.
لشراء كتاب قصة الدولة العثمانية من النشأة إلى السقوط يرجى الاتصال على الرقم التالي: 01116500111
التعليقات
إرسال تعليقك